قد يتبادر إلى الذهن كما البال ونحن نذكر عبارة “فانطوماس” أنها قد تكون مشتقة من “فانطوم” الزورق الذي بات أشهر من نار على فحم فوق مجمر هادئ قبل شهور مضت، الزورق الذي ظهر في أفق وسماء الحالمين بالعبور إلى القارة التي لم تعد عجوزا ذات صيف عام 2018. فجأة بات الجميع يتحدث عن لحظة ظهور “الفانطوم”، منهم من رأى فيه ملاذا ومنقذا ومنهم من وجد فيه فرصة للرحيل حينما بات الأفق المذكور مسدودا ولم يعد أمر الانتظار ممكنا ومتاحا، حمل “الفانطوم” العشرات من الذين جاؤوا ربما للسباحة فقط والاستمتاع بالبحر وشمس الصيف، لكنهم وجدوا أنفسهم فجأة وبدون سابق إنذار أمام فرصة للعبور نحو الضفة الأخرى هناك، رحل “اللي كان قافز كتار من خوتو”، وظل الآخرون في قاعة الانتظار !. وقد يقول قائل هي “فان” أو “فانز” طوم أي واحد من معجبي طوم العدو اللذوذ لجيري، السلسلة التي ما زالت تلقي بظلالها ومغزاها حتى بعد تجاوزنا لقطار العقد الثالث، لما احتوته من رسائل وأشياء لم نفهم مغزاها ونحن أطفال، لخصنا الفكرة حينها في صراع ومعركة تدور رحاها باستمرار بين فأر وقط ضمن إطار من المقالب و”الطرامبات” المتبادلة، ويظل الصراع ممتدا بين الطرفين حتى حين، قصر وعينا عن الإدراك ولربما كانت الفكرة التي يبتغي مخرج السلسلة إيصالها أعمق مما نتخيل. نحن الآن في شهر رمضان لعام 1409 هجرية الموافق ل أبريل 1989، وبالضبط “الحومة د الوردة”، أجواء الشهر لها خصوصياتها في الأحياء الشعبية لعروس المغرب “طنجة”، هناك حميمية بين الجيران والأهل والأصدقاء لم نعهدها في مكان آخر، هي خصوصيات متفردة تجعلك تعيش أزمنة مختلفة ومتعددة في اليوم الواحد .. في رمضان من السنة التي نحن بصدد الحديث عنها، تفردت القناة الأولى المغربية التي كان يرمز لها ب “اتم” (الإذاعة والتلفزة المغربية) ولو أن كثيرين كانوا يضعون تفسيرا آخر لتلك الحروف هههه، اللهم إنا صائمون. قلت تفردت بتقديم فيلم بوليسي يحمل عنوان “فانطوماس” fantomas والتي يندرج ضمن أدب الجريمة الفرنسي، شخصية فانطوماس ظهرت في الوجود السينمائي قبل أزيد من قرن مضى، لكنه تحول في وقت آخر إلى فيلم صدر عام 1964 وأخرجه أندري هونبال، وهو الفيلم الأول من السلسلة الثلاثية للمخرج، يليه فيلم فانتوماس الغاضب سنة 1965، وأخيرا فانتوماس ضد سكوتلاند يارد سنة 1967، وأما أبطال الفيلم فهم: جون ماري، لويس دي فينس ميلان دو مونجيو وآخرين، شدوا انتباهنا جميعا وكنا ننتظر موعد العرض بشغف كبير، نظرا للتشويق الذي طبع الفيلم خلال مراحل عرضه .. لن أدخل في تفاصيل الفيلم “باش ما نحرقوشي” كما يقال، خاصة بالنسبة للذين لم يشاهدوه من قبل، وهي دعوة لهم من هذا المنبر للبحث عنه والاستمتاع به، إبداع سينمائي عمره 55 عاما، ولكن لم يكتب للمغاربة أمر مشاهدته إلا بعد مرور ربع قرن على عرضه أول مرة. فاندور أو “فانطوماس” الذي كان يعتقد أن أن الشرطة هي التي اختلقت قصته “فانطوماس” لتخفي عجزها عن مكافحة الجريمة المستفحلة في البلاد أو ما قد نسميه اليوم ب “المؤامرة”، (فاندور) تظل الشخصية التي أثارت إعجابنا وبما أنه كان يتخفى عبر قناع لا أثر للشعر فيه، آثرنا تسميته ب “فانطوماس اقرع الراس”، وصرنا نردد ذلك على مدار أيام رمضان لذاك العام. اليوم وبعد 30 سنة، لم يعد إعلامنا يقدم منتوجا جيدا وهادفا يثير الإعجاب وينال رضى المشاهد، اليوم تحولت القنوات العمومية رغم الإمكانيات الكبيرة إلى ما يشبه قنوات القطب العمومي المتجمد المتخصصة في “التخمة” وتحويل مذاق الطماطم داخل أمعائنا إلى “حموضية” لا حدود لها. *للتواصل مع الكاتب على الفيسبوك