من المؤسف حقا أن تطرد من مكتبة، هذا يعني كي تطرد أنك غير محترم أو أنك فعلت ما تستحق وعوقبت من طرف كتاب أو باحثين أو قراء يلتهمون ما في يتلك الكتب التهاما لعدم لباقتك، أو لأنك قد أزعجتهم ونغصت عليهم أجواء اشتغالهم، لكن المؤسف والمحبط هو أنني قد طردت لسبب آخر قد لا تتوقعونه . دخلت المكتبة وأنا حريص على أنني مختلف عن كثير من المارة الذين لا يلقون بالا لمكتبة تسمى باسم علم شامخ من أعلام مدينتهم، شعرت في قرارة نفسي أن المكتبات من الضروري أن تكون مفتوحة هكذا دائما ، شجعتني هواجسي على أن أقضي فيها وقتا قصيرا لأمتع عيني بالكتب التي طالما أحببتها، وأتصفح بعضا منها والتي ربطتني بها ذكريات سابقة. أول صدمة صادفتني هي القيمة على المكتبة، كانت امرأة شمطاء نصف محتجبة، تجتمع إليها نسوة يبدو أنني قطعت عليهن حديثهن والذي شممت منه روائح النميمة والغيبة ولحوم الناس، بدت لي لا فرق بينها وبين موظفات البلدية أو أحد مكاتب الشكايات، من خلال مظهري وما أحمله خمنت النسوة أنهن يجب عليهن أن يعتدلن في جلستهن ويغيرن من حديثهن الساخن، كنت أحمل كتابا من الحجم الكبير، لعلهن خمن أنني مختلف عمن يجلسون أمامهن على طاولات القراءة ، طلبت مني من أدون اسمي ومهنتي ولماذا أتيت لزيارة مكتبة ..؟؟ . مما صدمني أيضا ثرثرات "القراء" المفترضين الذين يملأون أروقتها كانوا من الشباب أغلبهم، لكن وأثناء تجولي تناهت إلى سمعي همهمات وجمل قصيرة لا توحي بأنهم يقرؤون أو يكتبون أو حتى يدققون النظر في الكتب التي قد أعياها التصفح وقلب الأوراق. واصلت تجولي في أروقة المكتبة وأنا أتحسر وأتأسف إذ شعرت كأنني كائن غريب عن المكان، وبدا لي وكأنني الوحيد بينهم من يهمه أمر الكتب، لم أدع القلق يسيطر علي، إلى أن رن هاتفي وأجبت على من طلبني، فكانت المفاجأة "نسيت لوهلة أنني في مكتبة " لانجرا ري بما أسمع من ضجة وثرثرة فارغة ، اعتقدت أن الأمر مباح إذ الكل لا يقرأ أو يكتب ، بل حتى أنهم يغازلون بعضهم بكلمات التقطتها أذني ، فقلت لا بأس لأجيب على من طلبني .. اهتزت القاعة بالاحتجاج على سلوكي الذي "لا يحترم" المكتبة وقوانينها وكاد بعضهم أن يدخل معي في نقاش حول جدوى تواجدي هنا متناسين ما يفعلون هناك من تفاهة، تأسفت لأني أجبت على الهاتف في مكتبة . إلا أن لباقتي منعتني أن أقطع عليهم تفاهتهم وتركتهم وخرجت وأسقطت من حساباتي زيارة مكتبات عامة ساقطة. وللقارئ الكريم أن يخمن ما دار في فكر من طرد من مكتبة وهو لها محب وطالب وله أن يتأسف على حالنا وحال مكتباتنا وله أيضا أن يخمن سبب تدني مستوى ثقافتنا .