كثُر الحديث في الآونة الأخير عن الحالة المتردية التي صارت عليها الوضعية الأمنية بالمدينة، بعد توالي الأخبار عن حدوث جرائم هنا وهناك، لم تستثني كبيرا ولا صغيرا. قتل، ضرب، جرح، اعتراض سبيل المارة، وسلبهم هواتفهم وممتلكاتهم... صارت العنانوين الأبرز لحال الشارع الطنجي كل صباح ومساء. ويبدو أن المسألة لم تعد حديث المقاهي عن جريمة وقعت هنا أو هناك، فتطورت رواياتها وتناسلت حتى صارت على كل لسان وبسيناريوهات مختلفة، لكنها أكبر من ذلك وأخطر، حيث نجدنا اليوم أمام أفعال إجرامية منظمة وخطيرة، تقلق راحة العباد، وتشغل بالهم، وتقض مضجعهم، لما صار يحكى عنها وعن مرتكبيها، وطرق ارتكابها، وبشاعتها، حتى صرنا نحسب أنفسنا من الكائنات الغابوية التي تعتمد شعار القتل والافتراس من أجل العيش، وهذه الصورة و إن كانت قاتمة وغير منصفة لفئة كبيرة من المجتمع، إلا أنها وللأسف مناسبة جدا لوصف حال "الَّلا أمن"، في ظل سلسلة الاعتداءات التي صرنا نعيش على إيقاعها، والتي تنذر بما هو أخطر إن لم يتم تدارك الأمر، والعمل على تنقية الأحياء والأزقة، والمؤسسات التعليمية من الفزَّاعات البشرية، أعداء السلم والأمان، المتربصون بالأبرياء من المواطنين. ويمكن الجزم بأن ارتفاع نسبة الجريمة، وحالات الانتحار التي أصبحت تتصدر أولى نشرات الشارع الإخبارية، مردها إلى تفشي ظاهرة تناول المخدرات بشتى أنواعها، الصلبة، والرطبة، والسائلة، واللاصقة...و يبدو أننا أمام معضلة يصعب التغلب عليها، ولا شك أن من الناس من يتسائل عن سبب فشل الأمن في محاربة مروجي هذه السموم التي صارت الهازم الأول والأكبر لشباب المدينة والبلد، كما أنها المصدر الأول والأكبر للاغتناء الفاحش والسريع. والحقيقة أن الكثير منهم من كان يظن أن المسألة لها علاقة بصعوبة ظروف عمل رجال الأمن، والنقص في الموارد البشرية، والوسائل اللوجيستيكية، لكن وقائع كثيرة حدثت أكدت أن المسألة أخلاقية في جانبها الكبير. فالكثير من رجال الأمن والدرك والقوات المساعدة والجمارك و برتب مختلفة، ممن ثبت تورطهم في عمليات تهريب المخدرات، والتستر على مروجيها، وحمايتهم، وتسهيل تنقلات رجالهم وبضائعهم. ولنا في هذا الشأن أمثلة عديدة لعمليات تم إفشالها، وكان مسؤولون أمنيون من بين أبطالها ورؤوسها الكبيرة، آخرهم الجمركي بميناء طنجة المتوسط الذي لازال ينطق بأسماء المتورطين معه في عملية ليست الأولى، ولن تكون الأخيرة طبعاً. أليست هذه المعطيات كافية لمعرفة أسباب فشل الأمن في محاربة تجارة المخدرات ؟ واليوم، وبعد كل ما ذكرناه وأكثر، بتنا ملزمين بالقول أننا نعيش فراغا أمنيا في مدينة تضاعف عدد سكانها في ظرف وجيز، وارتمت أطرافها بسرعة فائقة، دون مواكبة أمنية يمكنها تغطية كل الأحياء التي منها من صارت مرتعا للفساد والجريمة والانحلال الخلقي. مدينة يتم إعدادها لكي تكون وجهة للاستثمارات الأجنبية، و قبلة سياحية متميزة، لا زال مفهوم الأمن بها يقتصر فقط على الاختباء خلف الأشجار وبين الأزقة، ورصد من لم يحترم إشارة الضوء الأحمر أو علامة قف، ومن لم يربط حزام السلامة، ومن يتحدث في الهاتف أثناء السياقة... وما شابه ذلك، ولا زال حفظ الأمن بها منحصرا في حضور عناصر أمنية لندوات ومحاضرات ولقاءات صحفية وغيرها، وإنجاز تقارير عن الحاضرين ومداخلاتهم، في حين تعج شوارعها بالمنحرفين والمختلين عقليا، ومدمني الكحول وحبوب الهلوسة، الذين لا يكفون عن التربص بالمارة وتهديد أمنهم، دون ناهٍ ولا منتهي، و لو سُخِّرت هذه العناصر وغيرها ممن يملؤن فضاءات شوارع المدينة بالصافرات في حفظ الأمن وسلامة الناس لكان ذلك أنفع، و لتم فعل شيء يستحق الشكر والثناء، والافتخار أيضاً، فإلى من تَكِلُنَا يا أَمْنُ، و جرائم المنحرفين والمنحلين أخلاقيا قد تفاقمت ؟ وأي طنجة كبرى ننتظر والوضع الأمني مريض؟