سيأتي اليوم الذي نعترف فيه أفراد وجماعات أن مذاق دانون ( يومي سابقا) ليس باللذة التي تصورها إعلانات مركز_الحليب ولا بحجم ارقام المعاملات التي تحققها العلامات التجارية بجميع أصنافها؛ الفولوتي وجوكي و غيرهما ... ولكن الى ذلك الحين سنواصل اقتنائه! لا لشيء سوى لأننا لا نجد غيره في الثلاجة العريضة عند "مول الحانوت" القريب جداً من البيت. شركات الزيت و"المونادا" والحليب فطنوا الى ان الاستثمار في اللوجستيك أيسر وأسهل وأضمن من الاستثمار في الجودة، الابناك تمول بشغف شراء "الكاميونات" و"الكلاركات" و"الماكينات" بضمان الرأسمال العامل fonds de roulement لكنها بالمقابل لن تمول أبدا دراسات الجودة التي تَدرس تعامل الزبون مع العلامات، الزبناء بالملايين لا يمكن استطلاع تطلعاتهم ولا احد يهمه ان يعرف ماذا يريدون، في الوقت الذي لا تتعدى فيه المؤسسات المصرفية عدد أصابع اليدين ومن السهل جداً معرفة ماذا يريدون !! يريدون حسابات سمينة مليئة عن اخرها، يقدمها المرؤوسون كحصيلة لرؤسائهم كل اخر شهر حتى لو اضطروا الى استجداء العملاء كي يضخوا سيولة في ارصدتهم قبل نهاية الشهر لكي تظهر التقارير الدورية بلون وردي لا يعكس التصرف الوغدي !! عندما اخرجت مؤخرا احدى الشركات العائلية يوغورتا جديدا بمذاق لذيذ نسبيا ( كلمة يوغورت اكتشفها الكثيرون عندما علموا ان "دانون" علامة تجارية وليست اسم المادة الحليبية ) لم تتحرك الشركة العملاقة لمجابهتها، فهي تعلم ان "مول الحانوت " لن يصمد طويلا امام اغراء الثلاجة العريضة و"الديلفري" الذي يضع الدانون بعناية في مكانه دون ان يضطر البائع للبحث عنه في "الهريات" البعيدة او الاسواق الكبرى!! أسواق يدخلها لشراء شيء محدد ويخرج منها ب "شاريو" مملوء عن اخره لا ينقصه سوى ما دخل يبحث عنه. الشركة الكبيرة تعلم انها أوقعت مول الحانوت في شراكها، عكس المنتجات الاخرى المنافسة التي يحس ببعض الحرج عندما يكثر الطلب عليها دون ان تنجح أداته اللوجستيكية في توفيرها، الاداة اللوجستيكية المتمثّلة طبعا في سيارة من نوع سيتروين س 15 يحمل على متنها الزبدة الهولندية، والطحين وحبات يوغورت منافسة يضعها في ثلاجته القديمة حتى لا يسمع منه الزبون كلمة " ماكاينش". هناك معارك طاحنة تشنها الشركات المتخصصة في المواد الغذائية، التي أضحت شركات للتوزيع بإمتياز، حرب ضروس مسرحها صندوق "مول الحانوت"، فما ان تزقرق أولى عصافير الصباح حتى يتبعها هدير محركات كاميونات الزيت والمونادا والدانون، يجوبون الأزقة الضيقة بحثا عن دريهمات في صناديق اصحاب الدكاكين...، على متن هذه الكاميونات يتولى العجوز في اخر الشاحنة تصريف الطلبات وأخذ الطلبية الجديدة والاجابة على شكاوي الباعة واستخلاص الفواتير بينما تكتفي مديرة الماركوتبنغ الرشيقة في المكتب المكيف هناك بالتفكير في العرض الدعائي الصيفي والطومبولا، تصرف كل وقتها في البحث عن لون "الفلاير" و PLV الذي ستيزين بها واجهة نقط البيع، حيث تختلط إشهارت الزبدة و"الكنفتير" وجافيل في واحدة من اغرب وسائل الدعاية والإعلان ؛ إعلانات شركات الاتصالات وقد تمزق نصفها فوق صورة كبيرة لماركيز تخبرك في ان واحد ان التعبئة مضاعفة وان الطلق ممنوع وعبر كيبغيتي... لقد اثبتت الكميات الكبيرة من اليوغورت التي تنتهي في القمامة بعد انتهاء تاريخ صلاحيتها في الزاوية البعيدة داخل الثلاجة بجانب الخل،عميد الأطعمة، اثبتت بما لا يدع مجالا للشك ان المذاق والجودة ليسا محددين لعملية الشراء l'acte d'achat اذا جاز لنا استعمال خطاب مديرة الماركوتبنغ، وإلا فمالذي يمنع المستهلك من تناولها بنهم؟! انه فقط الهوس بالفيتامين والصورة الطفولية التي بقيت راسخة في اذهان البعض نتيجة مامارسته الشركة العملاقة من "ماطركاج" وضحك على الذقون هو ما يذكي الرغبة في شراء بعض المنتجات الحليبية عديمة المذاق والفائدة. هناك غير بعيد حيث وجد "الدانون" باسمه الرنان لأول مرة، تعمل الدولة عن طريق مصالحها على مراقبة الجودة و متابعة الوصلات الإشهارية وتحرص أشد ما يكون الحرص على ان يكون "الميساج" الدعائي مطابقا للمكونات، هذا هناك اما هنا فلن ينسى المستهلك ذلك اليوم الذي استباحت فيه الشركة جيوب المواطنين المرغمين لوجيستيكيا على استهلاك منتوجاتها، وكيف تنكر لهم مسؤولوهم!! سيتذكرونهم الان عندما يعود اليهم هؤلاء المسؤولون بالحافلات والشاحنات يجوبون الأزقة الضيقة محملين بالوعود التي ستساعدهم على هضم احلامهم فهي كما سيقولون لهم غنية "بالبيفيدوس أكتي غيگيلاغيس سيستمعون اليهم دون ان يطلبوا من العجوز إنزال طلبية جديدة لأنهم وكما قيل لهم سابقا تعلموا كيف يصنعون الرايب !!