من حق فواد العماري، عمدة طنجة، أن يمنح لنفسه لقب أسعد عمدة في المغرب، فالرجل الذي كانت دورات مجلس مدينة طنجة تستغرق أياما من النقاش لتمرير الميزانية السنوية أو الحساب الإداري، أصبح اليوم قادرًا على ضمان الإجماع داخل المجلس، وصارت الميزانية تمرر في لمحة من البصر، وبسرعة تفوق القطارات فائقة السرعة، كتلك التي يتهيأ السي الرباح إلى إدخالها إلى بلادنا "الله ينفعنا ببركاته"... من غرائب الصدف، أنه ذات الوزير الذي دعا إلى التحالف مع البام في الانتخابات الجماعية المقبلة، لكنه لم يتوقع أن إخوانه بطنجة سبقوا "الفرح بليلة" كما يقال، و شرعوا في تجريب نصيحته بالتحالف مع البام، والتدرب على بسط جناح الود والمحبة لجناب عمدة طنجة... الأجواء التي مرت فيها دورة ميزانية 2015 المنعقدة يوم الإثنين الفارط، والسرعة الفائقة التي تم بها تمرير مشروع الميزانية، فاجأت الجميع، وخلفت صورة لا تليق بمجلس يتوفر على معارضين شدادا غلاظا، وهبوا أنفسهم لنصرة المستضعفين، وأقسموا أمام الله وأمام الساكنة بمحاربة الفساد والجهر بالحق، لا يخافون في ذلك لومة لائم... عندما كان الإخوة يتخندقون في موقع المعارضة، بغض النظر عن اتفاقنا أو اختلافنا مع دفوعاتهم، كانت دورات المجلس محطة أساسية تجد فيها الأغلبية نفسها أمام محك الدفاع عن أسلوب تدبيرها لشؤون المدينة، وكانت إلى جانب الطاقم الإداري للجماعة الحضرية يتسلحون بكل المعطيات لمجابهة التدخلات النارية للأخوات والإخوة... أتذكر أن لجنة المالية، بمجلس المدينة، كانت تعقد اجتماعاتها لعدة أيام، وكان رئيسها البرلماني والخبير في المالية المحلية، الدكتور عبد اللطيف برحو، يحولها إلى لجنة للتقصي و الافتحاص، حيث كان يرغم قسم الميزانية والصفقات على الإدلاء بجميع الوثائق ذات الصلة بالموضوع، وكانت تقارير اللجنة التي يسهر على صياغتها السي عبد اللطيف تتوزع على عشرات الصفحات، لا يترك كبيرة ولا صغيرة إلا وضمنها في التقرير... عند انعقاد الدورات، لم يكن يهم من يمتلك الحقيقة، ولكن جميع الأطراف كانت تستنجد بالمعطيات، ومقارعة الحجة بالحجة، فالأغلبية تدافع عن أدائها والمعارضة تكشف الاختلالات وتنبه وتحذر، وكانت طنجة هي الفائزة في آخر المطاف... لكن يبدو أن كل شيئ قد انتهى اليوم... تقرير لجنة المالية صار لا يتجاوز بضعة أسطر، ولم يعد هناك أي أثر لبصمات خبير المالية السي عبد اللطيف برحو... دورة الميزانية شهدت تدخلا يتيما من فريق حزب المصباح، تكفلت بعرضه السيدة المناضلة، فاطمة بلحسن، طغى عليه احتشام كبير، وكانت كلماتها منتقاة بعناية و محسوبة بالملمتر، هاجسها الأول عدم إغضاب فخامة الرئيس فؤاد العماري، حتى أن المستشار السي مارصو، عندما أنهى تدخله في أحد النقاط، عاد إلى طلب الكلمة، من جديد وهو مفزوع المسكين، ليعتذر للعمدة عن عدم القيام بتحيته!!!... كم كانت الصورة صادمة لكل الذين عاينوا درجة الاستسلام التي انحدر إليها الأخوات والإخوة في الحزب العتيد، حتى أن السي محمد خيي والسي الدياز أجبرا على عدم تناول الكلمة، حتى لا يفسدا حبل الود الذي نسجته القيادة الجهوية للمصباح مع العمدة العماري... وأنا أتابع مجريات الدورة، بدا لي السي خيي يتأمل كيف تبدلت الأيام، وانقلبت المواقع، فصار فؤاد العماري "يتبورد" من منصته، والسي خيي لازم الصمت، غير قادر على أن ينبس ببنت شفة، لأن الأوامر صدرت بتقديم فروض الولاء والطاعة للسيد العمدة... اليوم فقط استوعبت لماذا كان السي خيي ينعت فؤاد العماري برمز التحكم، فالعمدة استطاع في أقل من ثلاث سنوات أن يلجم أصوات الأخوات والإخوة، وصار خبيرا في بسط هيمنته عليهم والتحكم في قراراتهم، وحركاتهم وسكناتهم... مضى ذلك الزمن الذي كانوا فيه يمتلكون الحق الحصري في "التبوريد" داخل دورات المجلس، وصارت المخالب من مطاط، مكتوب عليها: صنع في مطبخ العمدة... فسبحان مبدل الأحوال... أتساءل بصدق... ما الذي تغير؟... إما أن فؤاد العماري وأغلبيته كانوا أناسا صالحين، يمارسون مسؤولياتهم بما يرضي الله، وفي هاته الحالة يجب على الأخوات والإخوة الاعتذار لهؤلاء وللساكنة، التي انخدعت بادعاءات محاربة الفساد... وإما أنهم فاسدون، مثلما كان الإخوة يروجون، وفي هاته الحالة الموقف أفظع، لأنكم إما التحقتم بمعسكر الفساد، أو بلعتم ألسنتكم حتى لا تقولوا الحق، وهنا تصدق فيكم مقولة "الساكت عن الحق شيطان أخرس"... أخشى أن يكون هذا الانقلاب في المواقف مبرره الأول والأخير، هو خدمة مصالح حزبكم الضيقة، وأن ما يهمكم بالدرجة الأولى هو تقديم عربون الوفاء والمحبة للعمدة فؤاد العماري، ومن خلاله للبام، لأنكم تضعون نصب أعينكم إيجاد موطئ قدم في موقع تسيير الجماعات الترابية مهما كان الثمن، و يبدو هذا هو المرجح... حينها فقط ستبدأون خطوكم الأول في مسلسل الصعود نحو الهاوية...