مع بروز قوة وسائل الإعلام في العصر الحديث واتساع الدور الذي تلعبه في تنمية المجتمعات، أضحت جزءا من حياة الناس والقلب النابض لكل تحرك فعال، ومحور كل قضية من القضايا المجتمعية، لذا فبناء الدولة اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا وأمنيا، بات يتطلب الإستعانة بمختلف هذه الوسائل. فالإعلام بات يضطلع بدور ريادي لما يكتسبه من أهمية في تجسيد العديد من المخططات والبرامج التنموية التي تهم بعض المشاكل الحياتية، انطلاقا من الدفاع عن الحقوق الأساسية للجماعة والسهر عليها، وصولا إلى التنمية البشرية المنشودة، باعتبار أن الإعلام يشكل وسيلة لتحسيس المواطنين وتوعيتهم بمدى أهمية مساهمتهم للإنخراط في مسلسل التنمية ، لكن مهما وصل الإعلام من حداثة وتقدم، فلا يمكن أن يخرج من كونه مجرد وسيلة لخدمة القضايا المجتمعية. وطبعا لايخفى على أحد منا، أن الإعلام بمختلف أشكاله المقروءة والمرئية والمسموعة، يمكنه أن يؤثر سلبا أو إيجابا على السياسات العمومية، نظرا للمهام والوظائف التي يحظى بها من حيث التأثير على الرأي العام، ومن حيث مسايرة مختلف الأنشطة المجتمعية التي تقوم بها الحكومة والتي تتعلق بإعداد وتنفيذ السياسات العمومية. و لن نجانب الصواب إذا قلنا أنه من اللازم أن تتخذ الدول في سياستها الإعلامية أسسًا ومنطلقا تتسق في مضامينها مع السياسة العامة التي تنهجها ، إنطلاقا من مبادئ وقيم الشريعة الإسلامية السمحة وترسيخ الوحدة الوطنية والتوجهات الديمقراطية الداعمة لحرية التعبير و تدفق المعلومات، إلى استنهاض قدرات المواطن في البناء والمشاركة في الحياة الجديدة. ويتمتع الإعلام بأهمية خاصة ، إذ أصبح يعد معيارا يقاس به كفاءة الأداء العام للنظم السياسية العالمية، لما له من دور حيوي في إصلاح مختلف القطاعات (التعليم، الإقتصاد، الشأن الديني، الأمن، الإدارة، الصحة...)، بحيث يكون قطاع الإعلام منسجما ومتناغما مع هذه القطاعات ( التعليم والصحة والشأن الديني...)، على أساس أنها من القطاعات العاملة والمساهمة في النهوض الإجتماعي والإقتصادي، وذلك عبر مواكبة مختلف الأوراش التي تم إطلاقها وكذا العمل على تشكيل شخصية المواطن ووعيه ، لأن حاجة الإستراتيجيات التنموية للإعلام كحاجة الإنسان لأطرافه الحيوية التي تلبي له حاجاته الإنسانية. ولذلك يلاحظ المتتبع لما تبثه وسائل إعلامنا كيف تتناقض السياسة الإعلامية في الغالب مع السياسة الثقافية والسياسة التعليمية والشأن الديني، إن لم نقل أن وسائل إعلامنا تقوم بهدم كل ما تقوم القطاعات الأخرى ببنائه ، نتيجة لذلك التخبط والإرتجالية ، مما قد يجعل الإعلام المغربي عميل لثقافة غريبة عنا . وفي الواقع، إن توجيه الإعلام للسياسات العمومية يعتبر الوصفة السحرية لخروج المغرب من قائمة دول العالم الثالث والإلتحاق بقاطرة التنمية، لأن هذه الأخيرة لا يمكنها تحقيق أهدافها في أي مجتمع دون أن تسبقها خطط يأتي الإعلام على رأسها، لكن الملاحظ هو أن إعلامنا الوطني يمر من مرحلة الإنفصام والتناقض، فبعض الأحيان نستمع لبرنامج شبه ديني يحث على الفضيلة، ومباشرة بعده موجة دنيئة من الأفلام التركية. وفي هذا السياق، فإن الإعلام وحده غير كاف للنهوض بالتنمية، لذللك لابد من الربط بين سياسات الإتصال والإعلام من جهة، وبين السياسات العامة الأخرى المطبقة في مختلف القطاعات من جهة أخرى. حتى تعمل على استكمال بعضها البعض في إطار تنمية شاملة، مما يفسر أن العلاقة بين الإعلام والسياسات العمومية هي علاقة ارتباط وتكامل، بحيث أن كلا من هما يتدخل في الآخر ليظهر بعض أبعاده، ويلاحظ أن هذه العلاقة تبدو شبه منعدمة في المغرب. لذا ليس غريبا إذا قلنا بأن الإعلام المغربي ليس له تأثير واضح على السياسات العمومية ببلادنا ، لأنه خلال تاريخ السياسة الإعلامية بالمغرب لا يذكر أي موقف ارتجالي لإعلامنا استطاع به أن يؤثر على إصدار أو إلغاء قرار معين، وبالتالي فالصحافة في المغرب لا تصنع الحدث، بل تصفه وتتابع مساره فقط . ورغم غياب أي دور لوسائل الإعلام المغربية في توجيه السياسات العمومية، إلا أن هذا الحكم غير مطلق طبعا، بل الصحافة المغربية تتابع ما يقع على الساحة الوطنية من أحداث، ويمكن أن يصل الأمر بعض الأحيان إلى دعوة المسؤولين المغاربة لاتخاذ مواقف معينة. ولعل المتتبع يستشف من بعض الأحداث التي ارتج لها المجتمع المغربي، أن الإعلام لا يتجاوز دوره رفع أصوات الرأي العام للمسؤولين، علما أن مهمته الحقة تكمن في صنع الرأي العام وليس العكس، وذلك لما صادقت مثلا لجنة العدل وحقوق الإنسان لدى مجلس النواب بالإجماع على قانون يقضي بحذف الفقرة الثانية من الفصل 475 من القانون الجنائي، حيث كانت تسمح بزواج المغتصب أو المختطف أو المغرر بها مممن اختطفها أو غرر بها. وعليه يمكن القول أن التأثير على أجندة السياسات العامة ليس من مهمة الإعلامي لوحده، وإنما هي عملية تشاركية تتطلب التفاعل بين مختلف الفاعلين، وكذا الإرتقاء بمستوى المضامين الإعلامية، ومن ثم فإعلامنا مطالب اليوم بأن يكون رؤية واضحة حول الإستراتيجات التي تتوخى الحكومة تطبيقها في مجال السياسات العمومية، لأنه في ظل غياب تلك الرؤية ستكون السياسة الإعلامية مرتبكة ومضطربة ومحكومة بالسرعة والإستعجال، و سيظل الإعلام يغرد بعيدا عن سرب القطاعات الأخرى. ويسجل من خلال الإضطلاع على الصعوبات التي تعترض أداء وسائل الإعلام ببلادنا، أنها ترجع بالأساس إلى تعقد السياسات العمومية وارتباطها بقطاعات تقنية وإدارية، ثم ضعف التكوين في المجال التقني، وكذا وجود إكراهات في الحصول على المعلومات من الإدارات العمومية، الأمر الذي يتطلب توافر شروط مهنية مرتبطة بالكفاءة والجودة وبأخلاقيات المهنة، وأخرى موضوعية مرتبطة بتوفير هامش شاسع من الحرية مكفول بإطار قانوني يضبطها . * طالب باحث بماستر القانون ووسائل الإعلام