أصدرت وزارة التربية الوطنية بلاغا بشأن الإضراب الوطني الذي خاضته النقابة الوطنية للتعليم المنضوية تحت لواء الكونفدرالية الديمقراطية للشغل والنقابة الوطنية للتعليم المنضوية تحت لواء الفيدرالية الديمقراطية للشغل يوم الثلاثاء 12 فبراير 2013، وذلك على اثر البلاغ الذي أصدرته النقابتان الداعيتان إلى الإضراب حددت هذه الأخيرة نسبة المشاركة فيه تراوحت بين 90 و100 بالمئة. وتنويرا للرأي العام الوطني والأسرة التعليمية، وتطبيقا لبنود الدستور الذي ينص على الحق في الولوج إلى المعلومة،وفي إطار التنزيل السليم لها، قررت وزارة التربية الوطنية، ولأول مرة، نشر نتائج هذا الإضراب. حسب المعطيات المتوفرة لديها إذ حددت نسبة المشاركة في الفترة الصباحية 25.95 % وفي الفترة المسائية 25.27%.، وأفردت جداول توضيحية ومفصلة حسب كل جهة ونيابة وحسب الأسلاك التعليمية درء لكل لبس او تغليط. وبغض النظر عن التسرع في إعلان النتائج والأرقام، وهو النهج الذي تتبعه وزارة الداخلية في الانتخابات والتي تسارع إلى إعلان النتيجة والنسب خصوصا تلك التي تحوم حولها شكوك حتى قبيل استكمال الفرز. والطريقة التي تم بها احتساب النسب وغيرها، وطريقة الحصول على النتائج، من طرف الوزارة، وما توحيه الأرقام داخل الجداول المتضاربة والمتناقضة أحيانا رغم عدم إدراج نسب بعض النيابات وبعض الفئات، وحيث أن الغاية تبرر الوسيلة، لا يسعنا إلى أن نشكر الوزارة الوصية على قطاع حيوي يعتبر كقاطرة للتنمية، على مجهوداتها لتخليق هذا القطاع التي يتخبط في وحل عدة اختلالات عميقة، وعلى جرأتها وشجاعتها لكشف الحقيقة، من خلال سعيها للشفافية والوضوح والتدقيق في المعلومة تصحيحا لأخطاء نقابات ربما لا يثقن كوادرها التلاعب بالأرقام واستخدامها، والتي أعلنت أرقاما أزعجت الحكومة وخلقت البلبلة وبالتالي لابد من منطق مسؤولية الحكومة هذه، من خلال وزارة التربية الوطنية، إلا أن تتدخل لتصحيح الأمور تنويرا للرأي العام وربطا للمسؤولية بالمحاسبة. وهي تقوم بهذه الخرجة غير المسبوقة في التفصيل الدقيق لنتائج الإضراب بكل نيابة وأكاديمية تكون بذلك قامت بفتح مبين، لأن تعليمنا بخير والشغيلة التعليمية لا ينقصها شيء وكل الملفات تم حلها وتم تنفيذ كافة الاتفاقات والأمور تسير على أحسن ما يرام، وبديهي ألا تستجيب الشغيلة لإضراب نقابتين تعليميتين اختارت أن تشوش على الحكومة وعلى ما تحقق في القطاع ولشغيلته من انجازات والنسبة المذكورة، أي فشل الإضراب، تؤكد ما بشرت به. بهذا تكون وزارة التربية الوطنية اتعظت وحاكت وزارة الداخلية في لغة الأرقام والتلاعب بها، مستلهمة أسلوبها المعروف في نسب التصويت سواء تعلق الأمر بالاستفتاء على الدستور أو الانتخابات.لأن جينات ذلك انتقلت من وزارة السيادة الى وزارة تنتج السلوك المدني وتبني قيم الديموقراطية وحقوق الإنسان وثقافة الاختلاف والنقد. هكذا ستكون وزارة التربية الوطنية، بأرقامها هذه، قد وضعت المتتبعين للشأن التعليمي والنقابات الداعية للإضراب وخبراء الإحصاء، أمام صراع معرفي وتساؤلات عميقة أعمق من لغة الأرقام وأعمق من الاختلالات التي يتخبط فيها القطاع. لعل أبرزها ماهية نظمة العد التي اعتمدتها الوزارة في احتساب النسب والتي لا نعتقد أنها النظمة العشرية، وسنجزم بذلك، لأن مصطلح العشرية يزعج القيمين على الشأن التعليمي، بعد انصرام عشرية الإصلاح التي جاء بها الميثاق الوطني للتربية والتكوين والأشواط الإضافية التي منحت للقطاع كفرصة أخرى من خلال المخطط الاستعجالي و الذي أعلن الوزير فشله رسميا وما واكبه من اختلالات وهدر للمال العمومي و لم تتجرا الوزارة، من باب حق الولوج الى المعلومة وتنويرا للشغيلة التعليمية والرأي العام، ان تخرج بجداول مفصلة وأرقام واضحة تكشف تلك الاختلالات على جميع الأصعدة لعل أبرزها هدر و نهب المال العام. المخطط هذا بوأ بلدنا مراتب متقدمة في الإخفاق طبعا في سلم الترتيب بناء على الدراسات التي قدمتها عدة مؤسسات عالمية بمعايير معتمدة لهذا الغرض. بالرغم من كون هذه المؤسسات الدولية تجحف غالبا في حق بلدنا أثناء التصنيف، باعتمادها معايير لا يستحسنها المسؤولون، لأنها تعتمد نظمة عد غير تلك المعتمدة بوزارتنا والتي استلهمتها من وزارة الداخلية كتلك التي أعلنت بها نسب الإضراب. وكان لزاما على هذه المؤسسات من باب الشفافية والديموقراطية، أن تخصص للمغرب معايير ونظمة عد خاصة مراعاة للفروق الفردية وتطبيقا للبيداغوجيا الفارقية وبيداغوجيا الخطأ والإدماج، أو على الأقل اعتماد نظمة عد العفاريت والتماسيح والساحرات التي اخترعتها الحكومة الحالية وسجلت براءة اختراعها باسمها. كما تطرح عدة تساؤلات حول كيفية احتساب النسب من قبيل: هل تمت مراعاة نسب الأشباح والمتستر عليهم والذين وعد الوزير الوصي على القطاع بنشر لوائحهم واتخاذ اللازم اتجاههم بما يقتضيه الواجب وتطبيق القانون، بالرغم من اصطدام مشروعه هذا بجيوب المقاومة والتي لم يكشف عنها لكنها تدخل في فصيلة التماسيح والعفاريت والساحرات؟. هل تم احتساب، وهذا بدون شك، عمال الحراسة والنظافة الذين يشتغلون في إطار التدبير المفوض والذي نالته شركات خاصة محضوضة في إطار اقتصاد الريع وليست لهم ابسط الحقوق فبالأحرى حق الإضراب؟ وبديهي سيتم احتسابهم والاعتراف بهم لأن الوزارة في حاجة إليهم للتلاعب بالأرقام وخفض النسبة، وستتنكر لهم إذا تعلق الأمر بحقوقهم. هل تم احتساب الفائض بدون مهمة، بالمدن الكبرى والذي أنتجته الارتجالية والعشوائية والزبونية في الحركة الانتقالية؟ أكيد سيحتسب كغير مضرب لتقليص النسبة. هل تم احتساب المضربين غير المضربين الذين ينتظرون من التلاميذ أن يضربوا نيابة عنهم من منطق الانتهازية؟ هل استحضرت الوزارة الوصية كافة المعطيات التاريخية قبل الإعلان عن النتائج من قبيل أن النقابتين التعليميتين قد تصدرتا نتائج انتخابات اللجن الثنائية، ومناضلوها القدامى والجدد خبروا العمل النقابي والنضالي وتاريخهم لا غبار عليه، وكان من باب الانتصار للتاريخ أن نسكت عوض إعلان نسب كهذه تطبيقا لمقولة : كم حاجة قضيناها بتركها، وتترك للمتبعين والشغيلة التقييم قد تعطي قراءة أخرى متأنية وغير متسرعة. أم أن الوعد والوعيد للحكومة بالاقتطاع من أجور المضربين بسبب ممارسة حقهم الدستوري، مع تجنيد كافة الوسائل لتبليغ قرار الوزير وتجاوب بعض المنابر الإعلامية مع ذلك بنشره مرارا وتكرارا حتى قبيل الإضراب، عامل ساهم في ثني الشغيلة عن الإضراب إلى جانب النقابتين؟ لكن سنقول أن متسبي النقابتين بتاريخهم النضالي والبطولي لم تثنيهم القبضة الحديدة للمخزن والتنكيل والاعتقال والطرد وغيره عن النضال، لما كان هذا الأخير نضالا وليس هواية، ولما كان الإضراب إضرابا وليس عطلة هذا قبل مجيء ضيوف النضال ومرتزقته ومنافقيه، فبالأحرى تهديد بالاقتطاع، ولعلها صمدت وسط الإعصار الذي ضرب العمل النقابي بتجند الدولة لهذا الغرض بتفييء النقابات واصطناعها أحيانا وخلق سبل تأسيس نقابات أخرى مما افرز تعددية مائعة للعمل النقابي والتيئيس الذي أفرزته هذه التعددية، وبديهي أن يتجند الأوفياء من النقابة الوطنية للتعليم بتاريخها وبدماء شهدائها للمشاركة في الإضراب. إن الإضراب الذي خاضته النقابة الوطنية للتعليم التابعة لكل من فدش وكدش، ولو انه لم يكن في حجم المهام المطروحة على العمل النقابي وخصوصا ما يعرفه القطاع من عدة اختلالات تقتضي التصعيد، قد أصاب الحكومة و الوزارة الوصية في الصميم تؤكده ردة الفعل المتسرعة والتي لن تولد أي فعل غير التصعيد وشد الحبل ويؤكده الاهتمام بالإضراب وكأن مشكل القطاع ليس في الاختلالات البنيوية الأفقية والعمودية منها ولا في الاستراتيجيات والسياسات المتبعة فيه والتي أوصلته الى الحضيض ولكن المشكل، وبنظرة وحسابات ضيقة تفتقد للعلمية والحكمة والرزانة، المشكل في اضراب نقابتين ليوم واحد وهذا يقتضي كل هذا الاهتمام عوض ان تكلف الوزارة الوصية نفسها التفصيل بلغة الأرقام في نسب الهدر المدرسي، ونسب الأشباح والمتستر عليهم، ونسب ترتيب المغرب في سلم التنمية، ونسب اهتراء البنيات التحتية لمنظومتنا التعليمية وننتظر أن تكشف مؤسسات أجنبية ذلك استباقا منها. لكن السؤال المطروح بحدة: ماهية الرسالة التي تريد الحكومة من خلال وزارة التربية الوطنية إيصالها من خلال النسب؟ قد يكون للحكومة غاية في نفس يعقوب، بتهيئتها الأرضية لتزوير انتخابات اللجن الثنائية لصالح النقابات الحكومية الطيعة وإقرار الشعبية المطلقة للحكومة وجعلها تيرمومتر حكومي وجعل الشغيلة تقبل بالنتائج، لأن الإضراب عرى، حسب الحكومة، النقابتين وباقي النقابات التي ستضرب قريبان والنتائج جاهزة للإعلان وشعبيتها هي السائدة. أم أن اعتراف الحكومة ووزارة التربية الوطنية بنجاح الإضراب، يعني اعتراف بالاختلالات التي همت المنظومة، والتي رصدت من قبل النقابتين، رغم أن ذلك لا يحتاج لاعتراف الحكومة لأن مؤسسات دولية كشفت المستور؟ نقول إن ردود ورضوض فعل الوزارة هذا لن يولد أي فعل غير تأجيج الوضع بالقطاع الذي يعاني مشاكل متفاقمة. فعوض الجلوس الى طاولة المفاوضات والوقوف على الاختلالات ومطالب الشغيلة خصوصا تلك موضوع اتفاقيات موقعة، والعمل على تخليق القطاع بمحاسبة مختلسي المال العام وجعل القطاع يحسن من مراتبه بما هو رافعة للتنمية لجات الحكومة الى أسلوب التهديد والوعد والوعيد بالاقتطاع من أجور المضربين، كان الإضراب هو سبب هذه الاختلالات. اذ لو سلمنا ان هذا هو السبب فستستسلم الشغيلة ونقاباتها للاقتطاع وستتطوع اكثر خدمة للصالح العام ولهذا الوطن، لأنها بدون شك اكثر حرصا ودفاعا عن المدرسة العمومية وكانت سباقة لرصد اختلالاتها، وهي اليوم تكافأ على مجهوداتها هذه. بطبيعة الحال أرقام الوزارة ستتناقض مع أرقام المقتطع لهم، ان تم الاقتطاع، والذين ستفوق نسبهم النسب التي أعلنتها الوزارة وسط المضربين، لأن الأمر يتعلق بمال سيوزع إتاوات وتعويضات بين أصحاب الحال. وفي الأخير، أمام لغة الأرقام هذه، والتي ليست بغريبة عنا نقول: كذب المنجمون ولو صدقوا، وصدق المناضلون ولو كذبوا.