أخنوش يترأس اجتماعا بشأن "الصحة"    مقاطعة طنجة المدينة تساهم في فعاليات المنتدى الاقتصادي المغربي الافريقي بحضور وفد روسي رفيع    تحذير مقلق.. "ناسا" ترفع احتمالية اصطدام كويكب بالأرض    الحرس الإسباني يحقق في وجود أنفاق لنقل الحشيش من المغرب    نقابة CDT تنظم مسيرة احتجاجية ثانية الأحد على خلفية الارتفاع المهول للأسعار وانتشار الفساد وتضارب المصالح    خبير إسباني: المغرب مرجع دولي في مجال مكافحة الإرهاب    من ساحة السراغنة إلى قلب الدار البيضاء…ذاكرة لا تُمحى    طالبي ينال الجنسية الرياضية المغربية    الدكتور نجيب بوليف يصدر كتابه الجديد: "الانتقال الطاقي بالمغرب… اختيار أم ضرورة؟"    اندلاع حريق في سيارة نفعية بمدينة الحسيمة    اعتقال متورطين في مقتل شاب مغربي بإسطنبول بعد رميه من نافذة شقة    نتنياهو: "يوم مؤلم" ينتظر إسرائيل    المغرب يلتقي بمصنعِين في الصين    مبيعات الإسمنت ترتفع في المغرب    وديتان للمنتخب المغربي في يونيو    المغرب يوجه ضربة جديدة للتنظيمات الإرهابية بإحباط مخطط "داعش"    الأرصاد الجوية تترقب يومين من التساقطات الإضافية في شمال المغرب    إيقاف بيلينغهام وريال مدريد يستأنف    أزمة المستحقات بين الشوبي ومالزي    "بويذونان".. دراما مشوقة على قناة "تمازيغت" تفضح خبايا الفساد ومافيا العقار بالريف    أطلنطاسند للتأمين تفوز بجائزة الابتكار في تأمين السيارات المستعملة ضمن جوائز التأمين بالمغرب وافريقيا 2025    شراكة استراتيجية في مجالي الدفاع والأمن بين الجيش المغربي ولوكهيد مارتن الأمريكية    تحت شعار «الثقافة دعامة أساسية للارتقاء بالمشروع التنموي الديمقراطي» الملتقى الوطني الاتحادي للمثقفات والمثقفين    المغرب التطواني يفك ارتباطه بمحمد بنشريفة ويخلفه الدريدب    بعد الكركرات.. طريق استراتيجي يربط المغرب بالحدود الموريتانية: نحو تعزيز التنمية والتكامل الإقليمي    ارتفاع كمية مفرغات الصيد البحري بميناء الحسيمة    مجلس النواب ينظم المنتدى الثاني لرؤساء لجان الشؤون الخارجية بالبرلمانات الإفريقية    عامل الحسيمة ينصب عمر السليماني كاتبًا عامًا جديدًا للعمالة    وزيرة الثقافة الفرنسية: المغرب يمثل مرجعية ثقافية عالمية    إعلان القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية 2025    الذكاء الاصطناعي يتفوق على البشر في تحليل بيانات أجهزة مراقبة القلب    مقاييس الأمطار المسجلة بالمغرب خلال ال 24 ساعة الماضية    مندوبية السجون تعلن عن إحداث دبلوم جامعي في الطب السجني    مسؤول إسباني: المغرب مصدر إلهام للبلدان الإفريقية في جودة البنيات التحتية الطرقية    عمر هلال ل"برلمان.كوم": المغرب لديه الريادة في سياسة السلامة الطرقية    وفاة المطربة آسيا مدني مرسال الفلكلور السوداني    الاستعدادات لمونديال 2030 محور لقاء لقجع ورئيس الاتحاد الإسباني    ناشر مؤلفات بوعلام صنصال: "أخباره ليست ممتازة" بعد ثلاثة أشهر على سجنه    اللجنة الملكية للحج تتخذ هذا القرار بخصوص الموسم الجديد    أبطال أوروبا .. البايرن وبنفيكا وفينورد وكلوب بروج إلى ثمن النهائي والإيطاليون يتعثرون    جهة الشرق.. التساقطات المطرية الأخيرة تعزز الموارد المائية وتنعش النشاط الفلاحي    رشيدة داتي: زيارتي للأقاليم الجنوبية تندرج في إطار الكتاب الجديد للعلاقات بين فرنسا والمغرب    رامز جلال يكشف اسم برنامجه الجديد خلال شهر رمضان    النفط يصعد وسط مخاوف تعطل الإمدادات الأمريكية والروسية    احتجاجات في الرباط تندد بزيارة وزيرة إسرائيلية للمغرب    حصيلة عدوى الحصبة في المغرب    دوري أبطال أوروبا.. بنفيكا يعبر إلى ثمن النهائي على حساب موناكو    ترامب يعلن عن إقالة مدعين عامين    بحضور وزير الثقافة.. توقيع شراكة استراتيجية بين سلمى بناني وسفير فرنسا لتطوير البريكين    منتدى يستنكر تطرف حزب "فوكس"    بعد تأجيلها.. تحديد موعد جديد للقمة العربية الطارئة    أزيد من 6 ملاين سنتيم.. وزارة الأوقاف تكشف التكلفة الرسمية للحج    دراسة تكشف عن ثلاثية صحية لإبطاء الشيخوخة وتقليل خطر السرطان    السعرات الحرارية الصباحية تكافح اكتئاب مرضى القلب    صعود الدرج أم المشي؟ أيهما الأنسب لتحقيق أهداف إنقاص الوزن؟"    الأمير رحيم الحسيني يتولى الإمامة الإسماعيلية الخمسين بعد وفاة والده: ماذا تعرف عن "طائفة الحشاشين" وجذورها؟    التصوف المغربي.. دلالة الرمز والفعل    الشيخ محمد فوزي الكركري يشارك في مؤتمر أكاديمي بجامعة إنديانا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الأكوان الدلالية في رواية "الخديعة"

img src="php/miniature.php?pic=../img/1332_3.jpg&h_max=280&w_max=336" alt=" الأكوان الدلالية في رواية "الخديعة"" align="middle" /
فرش نظري :
الإشكالية التي تروم هذه الورقة بسط عناصرها النصية الإجرائية تتلخص أساسا في مقاربة آليات اشتغال البنية السردية في رواية" الخديعة "للروائي والمؤرخ المغربي سعيد بنسعيد العلوي من حيث التداخل المعرفي والمنهجي الحاصل بين الكتابة التاريخية والكتابة الروائية-رغم خصوصيات كل حقل معرفي-على أساس الاشتغال على المعطى التخيلي وتطويع اللغة المعيارية والتقاط الإشارات التاريخية وتحويلها إلى قوالب جمالية تسعى إلى ردم الهوة الفاصلة بين الخطابات والأجناس والعلوم. والحديث عن العلاقة المفترضة بين الرواية والتاريخ (أو الروائي والمؤرخ)يجرنا إلى إبراز مدى مساهمة الرواية المغربية الحديثة في بلورة" مشروع كتابة رواية التاريخ"من خلال بروز عدة أسماء فكرية وازنة في هذا المجال استهوتهم الكتابة السردية من قبيل :عبد الله العروي ، محمد عابد الجابري، أحمد توفيق، محمد عزيز الحبابي، محمد بلحسن الوزاني، محمد زفزاف، وعبد الإله بلقزيز ، بنسالم حميش، عبد السلام حيمر، وحسن أوريد....)،هذا بالإضافة إلى محمد بنسعيد العلوي الذي يعد، بحق، قامة إبداعية طويلة في خريطة الكتابة التاريخية والإبداع الروائي من خلال باكورتين إبداعيتين أولاهما :رواية مسك الليل(2010)،وثانيهما: رواية"الخديعة"(2011) التي تشكل مناط هذه الورقة النقدية
1- عتبة العنوان :
يشكل العنوان عتبة إجرائية أساسية ونافذة نطل من خلالها على عالم النص. انه نص صغير داخل نص كبير من حيث ايحائيته ورمزيته وشحناته المرجعية والتعيينية والتلخيصية . من هنا نتساءل عن الدواعي الفنية التي حدت بالروائي سعيد بنسعيد العلوي إلى نحت هذا العنوان المخاتل، المشاكس،والزئبقي؟
نقرر في البداية أن عنوان هذا النص الروائي "الخديعة" يتماهى ويتقاطع نصيا مع بنية عنوان نص" الطريق الى16ماي" للشاب الحسن أشهبون1. كما تعتبر لفظة" الخديعة" بنية مصطلحية استهوت العديد من الكتاب من قبيل "رواية الخديعة" لانجيلا ويلز، وهي(رواية رومانسية)، ورواية "حقيقة الخديعة" للأمريكي دان بروان، مرورا برواية "حارس الخديعة" للسوري خالد خليفة، ورواية "الخديعة" للروائي صلاح الحداد، وكتاب الفرنسي تعير يميسان المعنون ب"الخديعة الكبرى" الذي يعتبر فيه أن هجمات 11 سبتمبر كانت "خدعة العصر"، وأنها لم تكن من تنفيذ تنظيم القاعدة، وإنما كانت من تدبير المخابرات الأمريكية، وهو الكتاب الذي يمارس سلطة معرفية وفكرية في رواية سعيد بنسعيد العلوي. كما نجد حضور مصطلح "الخديعة" في الموروث الثقافي الشعبي2
"الخديعة"، إذن، تشكل تيمة أساسية جامعة بين كل تلك العناوين بما تحيل عليه من تدليس ،ومراوغة ،ونصب، واحتيال، ونكث للعهود وعدم الالتزام بالمواثيق الأخلاقية، وبوجود طرف مخادع فاعل(أو مخادعة فاعلة بصيغة الجمع)،وأخرى مخدوعة مفعول بها، علما أن ممارسة فعل الخداع يمر عبر عدة قنوات وغطاءات ووسائط منها لعبة الأقنعة وإخفاء الحقيقة والتدجيل والتقية... والهدف في النهاية تحقيق مآرب وأغراض دنيئة.
ومن هذه الزاوية، فموضوع "الخديعة" يتمظهر من خلال مستويين أساسيين:
أ-مستوى الفساد السياسي : ويحيل على هذا المستوى ممارسة الخديعة على شعب مقهور مغلوب على أمره لفترات طويلة من لدن نخب متعطشة لامتصاص الدماء، والجمع بين سلطتي الثروة والمال ،والشخصية النموذجية المعبرة على هذا المستوى المحامي عبد الهادي حكيم وأتباعه، الذين اختاروا "القرش" رمزا لحزبهم السياسي، قيد التأسيس، بما يحيل عليه هذا المصطلح، تارة، من جشع مالي، يقول عدنان مخاطبا
أباه : "لعلك تقصد القرش صنو الدرهم يا بابا"3،وتارة أخرى يرمز إلى سمك القرش الذي" لا يترك من الفريسة سوى بقع كثيفة من الدماء..."4
ب- مستوى التطرف الديني:من خلال وقوع ثلة من الشباب المغربي المغرر بهم في براثين ومستنقع تصور ديني استئصالي يرمي إلى تحقيق أهدافه الدنيئة والمغرضة من خلال أساليب الخداع والمراوغة والتقنع والمخاتلة
2- أطروحة الرواية:
التطرف الديني يشكل التيمة الأساسية البارزة في نص رواية "الخديعة من خلال عدة مؤشرات دالة من بينها: الجدل الدائر بين عدة قوى فاعلة من قبيل : رشيد/الحفيد، ونور الدين البوعصامي/الجد، وبين رشيبد وعدنان وليلى بصدد كتاب "الخديعة الكبرى" الكاتب الفرنسي تيري ميسان حول أحداث 11 سبتمبر2001من جهة، والنهاية التراجيدية التي آلت إليها أحداث الرواية من خلال تفجيرات الدار البيضاء2003 من جهة ثانية.
ومن هذه الزاوية، نستخلص أن هذا الإنتاج النصي يؤسس لمقولتين هامتين: مفادها أن أعظم الأعمال تنهض من قلب أكبر الأحداث حضورا لافتا حياة الإنسان من جهة، وأن آليات وأشكال تقديم الأحداث والوقائع قد تتعدد وتختلف، باختلاف الرؤية التي ننظر من خلالها بالانتقال من منظور سياسي براغماتي ضيق ومحدود ،إلى منظور روائي رحب وفسيح من جهة أخرى.
وفي هذا المقام، يجدر بنا التنبيه إلى مسألة في غاية الأهمية مؤداها اختلاف زاوية نظر السياسي للأحداث(تفجيرات الدار البيضاء ليلة الجمعة 16 ماي 2003)، عن نظرة المفكر عموما، والروائي خصوصا، تلك الأحداث الدموية التي خلفت ،كما هو معلوم، مقتل ثلاثة وأربعين شخصا جلهم من المغاربة، وعشرات الجرحى في خمسة مواقع بوسط المدينة. إن اختلاف زاوية النظر يقتضي إقامة الروائي مسافة محددة بينه وبين ما جرى تبعده، نوعا ما ،عن ردود الفعل المباشرة والحالات الانفعالية الصادمة ،وما يفرزه ذلك من تصريحات وتصريحات مضادة ومواقف سطحية وليدة لحظة الغضب.
وعلى هذا الأساس، تطفو على السطح أهمية القراءة العالمة الواعية المتسلحة بأدوات منهجية، قادرة على إعادة رسم وتأثيث الأحداث والوقائع، من منظور فني تخييلي، يبتعد، إلى حد ما، عن اللغة التقريرية التسجيلية التوثيقية ،والحصيلة تداخل ما هو ذاتي بما هو موضوعي، وما هو واقعي بما هو تخييلي.
3-القوى الفاعلة ورؤيتها للعالم:
من أجل إعادة فهم ما جرى من زاوية فنية تخييلية،يحاول الروائي تتبع مسارات القوى الفاعلة ومصائرها من خلال عنف لغة الصراع الدائر بين الأجيال، والأذواق، والقناعات فى أفق مقاربة سؤال التطرف الديني. وهكذا، يمكن تلخيص أهم الرؤى للعالم في نص رواية "الخديعة"في رؤيتين أساسيتين وهما:رؤية منغلقة على الذات،ورؤية منفتحة على الذات. فمن حيث الرؤية الأولى،نسجل أن ثمة عدة شخصيات لعبت وظائف أساسية جسدت، بحق، مأزق الهوية، من خلال تبلور تصور استئصالي، وسط الشباب يروم التطرف والعنف الدموي باسم الإسلام بهدف تحقيق أغراض دنيئة والإسلام منها براء براءة الذئب من دم يوسف.هذا التصور الشوفيني المتطرف تتبناه عدة شخصيات من قبيل:الشبان الثلاثة من كاريان سيدي مومن،علاوة إلى جلال وسمير وأحمد وغيرهم كثير.وجوهر رؤية هؤلاء تكمن أساسا في الدفاع عن تيار المقاومة والممانعة، ومحاربة كل من يختلف معهم على مستوى الرؤية والتصور، وذلك بتبني الاعتزال ومقاطعة الفكر الخارج عن دائرة "الجماعة الجهادية" ،وهو تصور يروج لفكر الفرقة الناجية المؤدية إلي تحقيق السعادة الأرضية ، والموصل، في النهاية، إلى السعادة الأخروية.وفي هذا الصدد، يعرض الروائي لشخصية جلال ،وهو غائب في ملكوت يسبح وحده فيه،جلال ذو اللحية الطويلة،والأطوار الغريبة،الكثير الحوقلة،والقليل الكلام... ورغم محاولة أخيه عدنان استدراجه للغوص في أعماقه النفسية الداخلية، يفاجأ بأجوبته المتطرفة على اعتبار أن "قندهار مدرسة وكعبة"،وأن "جهاد النفس" يتحقق بالاستشهاد. على أن ما يحز في النفس، هو تغني جلال بالاستشهاد دون أن يعتبره حدثا دمويا استئصاليا ،بل هو اختيار واع،ويكون مثله الأعلى في ذلك هم مجاهدو طالبان.وبالربط بين أحداث البداية وأحداث النهاية، نستخلص أن هؤلاء الشباب يعانون من خلط فظيع بين الوهم والواقع،على اعتبار أن رؤيتهم للواقع بدت حلما مشروعا قابلا للتحقيق والتنزيل على أرض الواقع،الأمر الذي فندته نهاية الرواية من خلال التفجير الانتحاري، والنهاية المأساوية التراجيدية التي آل إليها وضعهم، مما جعل الخديعة تنطلي عليهم جميعا بدون استثناء.ومن حيث الرؤية الثانية( المنفتحة)،تنفتح الرواية ،على منظور ديني أكثر تسامحا، واعتدالا، ووسطية من خلال أجواء الاحتفال السنوي الذي تقيمه طريقة من الطرق الصوفية في فيلا الحاج الفاطمي بالرباط،إنها ليلة الحضرة الكبرى التي يحضرها أتباع الطريقة في الداخل والخارج ،الفقراء والأغنياء،الكهول والشباب.وما يميز هذه الجلسات التربوية الروحية(أو الشطحات الصوفية)، كونها تقام في أجواء احتفالية باذخة،وفي أماكن فاخرة(فيلا الحاج الفاطمي/قصر سيدي المفضل/ضيعة مولاي الكبير في سيدي قاسم...).ويصف الروائي أتباع هذه الطريقة بالمنفتحين، والمتسامحين انطلاقا من ممارسة شعائرهم الدينية البعيدة عن التعصب والانغلاق والإقصاء، والمكرسة لقيم التآخي والسلم والمحبة والسلام. ومن أبرز الشخصيات الممثلة للرؤية المنفتحة المتسامحة،نشير إلى شخصية عدنان حكيم(ابن عبد الهادي حكيم المحامي)الذي طالما انخرط في سجالات فكرية ،ومطارحات دينية ساخنة مع أخيه جلال المروج للفكر الانعزالي المتطرف، المتعطش للغة الدماء من أجل تخليص الأمة من ربقة الشرك والجاهلية(على حد زعمه)، في مقابل مفهوم عدنان للجهاد المتمثل في جهاد النفس من زاوية أن الجهاد الحق هو الإخلاص من خلال"نسيان الخلق بدوامك النظر إلى الخالق."5.واللافت للنظر في الرواية، أن شخصية عدنان انشطرت إلى عدة شخصيات متضادة ومتناقضة،فهو من جهة،من أتباع إحدى الطرق الصوفية،وهو، من جهة أخرى،مدمن على الكحوليات وعاشق للنساء وزير نساء(نسبة لشاعر الجاهلي المهلل بن ربيعة التغلبي)،في مفارقة صارخة تصهر المتناقضات في بوثقة واحدة ،والنتيجة إمكانية وصف عدنان ب"البطل الإشكالي"العصي على الفهم، الغارق في بحر الحيرة(كما هو معلوم بالضرورة عند الصوفية)،لأن مقام الحيرة يعني من جملة ما يعنيه:عدم إمكان الوصول إلى نتيجة يقينية نهائية وحاسمة عكس أخيه جلال.وهكذا فبين البداية والنهاية نجد أكوانا دلالية ثاوية في تضاعيف النص الروائي،فقد بدأ النص في غمرة أجواء دينية صوفية حالمة من خلال انتصار لغة الحب الرباني على لغة الموت التي يتدثر أصحابها بعباءة التطرف الديني.ورغم هذه المزاوجة بين رؤية استئصالية مرضية متطرفة، ورؤية منفتحة متسامحة أكثر عقلانية،فان النص الروائي يؤكد على مسألة في غاية الأهمية مؤداها:"أن ثمة تجارب في الحياة لا يمكن أن نحرج منها سالمين"،وعلى المجتمع أن يدفع، بين الحين والآخر، ضريبة أعطابه وإخفاقاته وتناقضاته.
4- على سبيل الخاتمة:
من خلال هذه القراءة في البنية الدلالية لنص رواية "الخديعة" لسعيد بنسعيد العلوي، نقف على الاكراهات المنهجية والاجرائية التي تعترض مسار المبدع في سياق مقاربته لقضية مفصلية شائكة( التطرف الديني)،الأمر الذي يؤدي إلى صعوبة الفصل الشكلي بين شخصية الروائي، وشخصية المكر الأكاديمي من خلال تداخل رؤية ومواقف الشخصيات بالأطروحة الفكرية التنويرية التي طالما يدافع عنها المفكر في مشاريعه الفكرية.ولذلك، يتقمص الروائي،تارة، قبعة المصلح الاجتماعي ،وتارة أخرى، يتدثر بعباءة المصلح الديني،وتارة ثالثة يرتمي في أحضان شخصية الفيلسوف والشاعر والفنان ،والنتيجة حصول تداخل إجرائي بين ما هو واقعي وما هو متخبل،وتلك واحدة من وظائف النصوص الجمالية التخييلية الأصيلة :
الهوامش
1-الحسن أشهبون،الطريق إلى 16ماي،منشورات وزارة الثقافة،الرباط،2006.
2-يقول سيدي عبد الرحمان المجذوب في ديوانه:
السن تضحك للسن والقلب فيه لخديعة بنادم يا كحل الرأس مشينك بطبيعة
3-سعيد بنسعيد العلوي:"الخديعة"،دار جدول للنشر والتوزيع،ط1،2011،ص:22.
4- م.س ص:23.
5- م.س،ص:112


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.