هل في المغرب صحافة رياضية؟ هو ذا السؤال الاشكالي الذي يحتاج وقفة للمناقشة والتأمل. كما يحتاج لنقد ذاتي بناء، يقبل بأصول المناظرة والحجاج، بعد اساليب القياس التفسير والاستنباط. اما لو كان الامر مجرد نقاش بيزنطي عاطفي وعقيم، فإننا ننزه الذات في موقع سوس سبور عن الخوض فيه، لأنه لن يوصل الا الى الافق المسدود... في هذا النقاش الاولي، سنركز على الصحافة المكتوبة، املا في العودة مستقبلا لتناول السمعي، والسمعي البصري، حتى لا يكون الحديث متشعبا بشكل يجعلنا نسقط في تقزيم وسيط اعلامي على حساب الاخر.. اول ما يعاب على الاعلام الرياضي في الصحف الحزبية، انه ظل مجرد صفحة خاضعة لما هو ايديولوجي، فالمراسل او الصحفي المحرر يكتب عادة بوجهة نظر الحزب اكثر مما ينطلق من الحياد والموضوعية، بل كان المراسل في سنوات مضت يحتاج الى ختم فرع الحزب على مقالاته قبل الارسال، وكأنها توصية بالنشر، مما جعل حضور الرياضة الوطنية في الصحف او النشرات الحزبية بعبارة اصح، حضورا باهتا جدا، لن يخفف من حدة ضموره الا ظهور أولى الصحف الرياضية المستقلة والمتخصصة منذ اواسط الثمانينيات، وبعد ذلك ظهور يوميات مستقلة واسبوعيات شاملة، حاولت اعادة الاعتبار بدورها للرياضة، لكن المشكل الذي ارتبط ببعض تلك الاسبوعيات هو كونها تخصص في الغالب صفحة او صفحتين، يحرص قلم واحد على تدبيجهما بشكل اسبوعي،وهو نفس ما يحصل من حين لآخر لصحف تدعي التخصص، فتجد اعدادا منها قد تم تحرير اكثر من نصف حيز مقالاتها بقلم واحد، تماما كما تفعل الجرائد الجهوية الهاوية بشكل مستمر وملحوظ، علما بأننا نجد لهذه الاخيرة عذرا كيفما كان الحال ... الملاحظة الاساسية في الاعلام الرياضي المكتوب، انه نادرا ما يتجه نحو المقالات التحليلية للظاهرة الرياضية، وحتى اكون موضوعيا، يمكن ان اقول بأن الاسبوعية الوحيدة التي تحتفي بالنقد والتحليل، رغم ما يمكن ان يناقش في بعض طروحاتها هي اسبوعية الايام، تليها بعض مقالات بدر الدين الادريسي و مصطفى بدري على اعمدة المنتخب، مع الاشادة بتجارب سابقة توقفت لاسباب شتى، خاصة تجربة الاستاذ الحسين الحياني، الذي اعترف شخصيا بأنه القدوة التي اعتز بها دوما، لما في كتاباته من تجل لثقافة رياضية موسوعية، واسلوب متماسك تغلفه الصراحة والمباشرة في التحليل.. اما بقية المقالات فهي اما مجرد تداريب على الكتابة، خاصة من قبل جملة من المراسلين الذين يعتمدون غالبا بطرق عشوائية، ودون مؤهلات ثقافية او فكرية كبيرة، فيكون دور الغالبية العظمى منهم هو اخبار الجريدة باستقدام الفريق للاعب فلاني، او وقوع مشكل في الفريق العلاني، ثم ملأ البطاقة النمطية لمباراة ما ( عدد الجمهور/ الحكم/ التشكيلة/ الانذارات/ التغييرات/ الاهداف ودقائق تسجيلها/ تصريحات...)، بطاقة يتم ملأها بطرق متفاوتة بين المراسلين، بحيث لو قارنت ما كتب عن نفس المباراة بين صحف عدة لخيل لك ان تلك المباراة عجيبة، اذ قد يصل التناقض قمته... بعض الاخوة المحررين يحرصون في حواراتهم مع اللاعبين عادة على خلق اثارة غريبة جدا، فتجدهم يطلقون نعوتا مبالغ فيها على لاعبين شباب او صاعدين، من نوع : اللاعب القنبلة/ الوحش الكاسر/ طائر فريق كذا المغرد/ المدافع الاسطورة... وغيرها من النعوت التي تحطم اللاعب قبل ان تفيده، من خلال خلق مساحة غرور خاصة في حالة اللاعب الهاوي او الذي هو في بدايات المشوار، وهنا لن تجد في حوار ما ولو نقدا لعيب من عيوب ذلك الطائر الاسطورة والمغرد، سيما وان جل الاخوة الصحفيين نادرا ما يهيئون اسئلتهم قبل اجراء الحوار، فيكون للصدفة دور في الاستضافة غالبا... ولعل هذا الطابع العام الذي تعاني منه انطلاقة اعلام رياضي مكتوب وحقيقي في المغرب يبقى ظاهرة عربية بامتياز، اللهم اذا استثنينا التجربة الاعلامية المصرية تحديدا، والتي استفادت من تنظيم القطاع الاعلامي اولا وقبل كل شيء، كما استفادت من التجربة المتراكمة على امتداد عمر الصحافة المصرية منذ ما يفوق 130 سنة، عكس المغرب مثلا، والتي يمنح فيه الحق لأي فرد في ان يخلق صحيفة، دون التنصيص على اطار المقاولة والشروط الحرفية، كما ان المعهد العالي للاعلام والاتصال الذي يتخرج منه الصحفيون لا يؤمن بشيء اسمه التخصص في الاعلام الرياضي، وهو اشكال كبير جدا حان الوقت لمراجعته من خلال اعادة هيكلة نوعية الدراسة والتحصيل في المؤسسة المذكورة، لأن تأهيل الرياضة الوطنية يحتاج الى مساهمة فاعلة من قبل الاعلام الرياضي الفاعل، كقوة اقتراحية مستلزمة، بدل ابقاء الحبل على الغارب، وجعل الصحافة حرفة من لا حرفة له، مع ما يصاحب ذلك من تأثير لظواهر ارتزاقية في المجال، لا تخفى على احد، ولدينا حولها معطيات مخجلة، اقصاها ان تكتب حوارات سخيفة من قبل بعض المراسلين بمقابل مادي، او بمقابل معنوي تتعدد اشكاله.. وللحديث بقية، مع تقديري للقارىء الكريم، مع الشكر الجزيل لكل القراء الافاضل الذين بعثوا الينا برسائل الكترونية حملت عبارات طيبة، اجدني عاجزا عن الرد عنها كلها، فهذا موقعكم انتم بالاساس... بقلم : محمد بلوش .