وسائل إعلام؟ وسائل تضليل وإيهام؟ أم هي مراكز لإنتاج القصير من الأفلام؟ كلها تساؤلات تمسح الفكر مسحا, كلما أُجبر المرء على الغرْفِِِ مما تقدمه هذه الأخيرة من أخبار عن مسلسل" الثورات العربية", لأنه من البديهي قصدها بمجرد اندلاع هذه " الثورات" لعدة أسباب تتحكم فيها: إما الرغبة في الوقوف على الوجه الحقيقي للأحداث عند البعض (نقصد المشاهد العادي), أو نشر صورة مغايرة لما يروج من صور,وأخبار, بغية التكذيب الصريح بالنسبة للبعض الآخر( ما يقوم به النظام الحاكم) ,أو العكس الفبركة المتعمدة حينا من أجل صنع حدث لا أساس له من الصحة(ممارسات بعض المنابر),لنجد أنفسنا أمام كم مهول من الأخبار و الوقائع وهو ما يعرف بالزخم الإعلامي . لكن دعونا قبل الخوض في تفاصيل الموضوع, التعرض أولا لمصطلح" الربيع العربي" ,هذا المصطلح الذي أعتبره حاليا تسمية سابقة لأوانها, لأنه مازال إلى حدود اللحظة بمثابة اختبار لطرفين أساسيين يتقاسمان دور البطولة في مسرحية عنوانها " الثورات العربية" ,وحديثي هنا عن الشعب,ووسائل الإعلام. فعندما ينجح الاثنان في هذا الاختبار, يمكن عندها الاعتراف الرسمي بلقب "الربيع العربي"للثورات العربية. أما الآن وفي خضم كل هذه الصراعات ,والتناقضات,و التجاوزات التي تعرفها البلدان العربية ,لا يمكن الحديث عن ربيع عربي بشكل مطلق,وكمفهوم صحيح لهذا الأخير مادامت النهاية لم توقع بعد. وأظنها لن توقع مادام سائقها إعلام خفي النوايا, تراه ينقل صورا وتصريحات تفيد قرب انتصار الثوار وانتشار الهدنة داخل البلاد مسرح الأحداث,وفي اللحظة نفسها بمنبر آخر ُيفَند الخبر ويعلن عن هيمنة النظام الحاكم, و سيطرته على الوضع , مع التشكيك في جنسية الثوار ,ووصفهم بأعداء النظام في بلد ,وبالبلطجية في بلد آخر, وأنهم مزروعون لبث الفتنة,والتفرقة بين أفراد الشعب,و...و.... ليحضر التمحيص,والدحض مرة أخرى من منابر مختلفة ,وظهور أشرطة,و صور لم نعد ندري أهي من صميم الواقع,أم من نسج الخيال التقني (فبركة-المصطلح المستعرب الدخيل-), وتوظف إما لضرب المعلََََن عنه,أو التمهيد إلى فتن مستقبلية من قبيل الحروب الأهلية,أو توتر العلاقات بين البلدان,بسبب ذلك الخبث الإعلامي المحكم النسج,و الذي تعتمده بعض المنابر الإعلامية. لنجد أنفسنا أمام ثورتين متأججتين,ثورة من أجل الكرامة والحق في العيش الكريم,وثورة إعلامية مستغَِلة للحدث من أجل الدعاية الغير مباشرة لنفسها, وذلك بتقمص دور المنبر المهني,النزيه,والقوي القادر على كسر كل الحواجز من أجل تغطية الحدث,و الوصول إلى الحقيقة. هذه الحقيقة التي بثنا جميعا نعلم أنها تخفي في الأصل حقيقة مسكوت عنها ,وأن هذا الصراع الإعلامي الذي يطوقنا ما هو إلا صراع بين تيارات,تيار متفرج من بعيد يستغل الأحداث من أجل الاتعاظ , ونقل ما يناسبه لدرء الفتنة عن موطنه, وثان مناهض للنظام,ساع إلى معارضته بالبحث عن سلبياته,وزلاته ,حيثما استطاع الوصول إليها,أوصنع أخرى جديدة لما لا؟ من أجل المساهمة في الإطاحة بهذا النظام , وتيار ثالث محالف يسعى جاهدا لتكذيب وضرب ما يصدره التيار الثاني, من أجل خدمة مصالح النظام الحاكم وتثبيت وجوده داخل البلد الثائر.وخير دليل على ذلك أن الكل يتابع الثورات بعيون إعلامية خارجية لا بعيون الإعلام المحلي, كون هذا الأخير بمثابة ناطق رسمي باسم النظام الحاكم, دون أن ننسى تلك التحالفات بين المنابر الإعلامية الخارجية,وأقطاب النظام,الشيء الذي خلق تيها إعلاميا لدى المشاهد الذي لا نعلم هل فعلا يملك خلفية سياسية يبني عليها بعض أحكامه, أم أنه فقط يلوك ما تتداوله الألسن لا أكثر ولا أقل؟فتسمع مثلا من ينصحك بمتابعة أحداث الثورة المصرية على منبري "المنار",و"الجزيرة",دون منبر"العربية" لأن هذه الأخيرة حليفة النظام المصري, ونفس الشيء ينطبق على باقي الثورات كل يقترح منبرا خاصا دون الآخر, حتى بثنا أمام ما لا عد و لاحصر له من الأحكام على المنابر الإعلامية. ويبقى السر وراء هذا الحكم مبهما , وغائبا عند الجميع. فعلى ماذا بنيت هذه الإدعاءات ,وما الغرض منها .ومن أطلقها في الأصل؟ هل هي من وحي المنابر الإعلامية لضرب مصداقية بعضها البعض؟ أم أنها لعبة أكبر وصانعوها قد أحكموا حبكها حتى غدا المشاهد مذبذب الرؤيا ,بعيد كل البعد عن الحقائق بسبب هذا الانفلات الإعلامي ,الذي استطاع التلاعب بأفكاره و مشاعره,إلى درجة ما عاد يدري معها هل يتعاطف مع النظام الحاكم ,أم الثوار ,أم يبقى مجرد متفرج عن بعد أم .....أم ...أم....لا ندري ماذا بالضبط؟ لنكتشف بذلك أن السبب الأول, و الرئيس وراء شحذ لهيب الفتنة, و إذكائه راجع للإعلام بممارساته الخبيثة. هذه الممارسات التي يجب أن تتوقف, و تنتقل إلى العمل بمهنية حتى نستطيع الحكم على الثورات العربية, بل الأكثر من ذلك الوقوف على حقائقها, لنرى هل فعلا تستحق لقب "الربيع العربي" أم أنها ستفشل فشل الشعب الليبي في الاختبار الأخلاقي الذي يعتبر من أهم ركائز الثورة,وذلك بعد ما شاهدناه جميعا من شناعة في اغتيال رئيسهم المخلوع معمر القذافي.والتي جعلت الشعوب العربية, على اختلاف معتقداتها الدينية وجنسياتها, كذلك الدول الغربية, تتعاطف مع من كان في وقت غير بعيد يوصف بالطاغية, والمجرم.ليتحول هذا النعث إلى الشعب الليبي الذي باث يوصف بالهمجي , و المتخلف, و الطاغي .... وغيرها من أنبى الأوصاف. كل ذلك بسبب ما بث من صور, و أشرطة بمختلف وسائل الإعلام. لتعود بنا المسألة إلى تأكيد وليس تكرار ما لأهمية هذه الأخيرة, ودورها الكبير والفعَال في قيادة الثورات العربية, بل والأخطر من ذلك إمكانية تغيير مسارها. لذلك إذا استمر الإعلام في ممارساته اللا مهنية,و الخبيثة وخططه المحبوكة هذه, قد ينعكس فعله هذا سلبا على استقرار, وأمن ,ومستقبل الشعوب العربية, أكان ذلك في علاقتها بمجتمعاتها, أو فيما بينها ,أو بينها وبين نضيرتها الغربية .ليتجاوز الأمر بذلك الحديث عن" ثورات متأججة "و يتعداه للحديث عن فتنة أكبر هناك من يعلم أسبابها,وراض عنها لخدمتها مصالحه, وهناك من يساهم في شحذها من وراء الكواليس, وهناك من وقع ضحيتها فثار, وغضب, فنزل إلى الشارع للتنفيس عن غضبه ظانا أنه بذلك يعبر عن استيقاظه من غفلته, فخرج لاسترجاع كرامته, هذه الكرامة التي باثت تطلب بسلمية وتعقل عند البعض, وبهمجية وجهل عند البعض الآخر, ولكن ممن طلبُها يا ترى؟ هنا يكمن السؤال الحقيقي ,الأكبر و الخفي , لأن منهم من خلع ذاك الذي سموه بجلادهم وناهبهم ,أو الطاغية عليهم أو... أو ...أو ..-.ما شئتم من النعوث- ومع ذلك مازال حلم الكرامة لم يتحقق بعد,بل على العكس من ذلك كل ما نتج عن الثورات حتى اللحظة هو تنامي الفوضى, و استغلالها إعلاميا من أجل نقل العدوى إلى أبعد الحدود,وتبقى الطامة الكبرى تلك الأخلاق المنحطة التي تمخضت عنها الثورات, وتلك العادات الجديدة التي اكتسبت منها. حيث فقدت الشعوب تلك المبادئ, و الخصال الحميدة في التعامل مع بعضها, أو مع حكامها,وبات كل من هب ودَب يسب, و يشتم, دون رقيب أو حسيب ويُنقل ذلك مباشرة على الهواء, حتى لو كان مجرد تصوير شخصي تلقته القناة من متمرد جاهل فتبُثه , وهي لا تدري , أو ربما تدري أنها بذلك تساهم في تشجيع البقية على القيام بنفس الممارسات اللا أخلاقية,هذا دون أن نغفل عن الإشارة إلى تلك العادة السيئة التي اكتسبتها الشعوب,و باثت بالنسبة لها أمرا سهلا, و مألوفا.وحديثي هنا عن عادة الاحتشاد والنزول إلى الشوارع, والميادين, من أجل التعبير عن السخط الشعبي كلما سولت لهم أنفسهم,أو ربما أحدهم بذلك. ليضل ستار المسرح مرفوعا, وأحداث المسرحية لا تتوقف, والأبطال في صراع دائم, أما المتفرج فهو متابع باشمئزاز حينا, مشدوه النظر حينا, أو مالاًََََََََََََََََََََََََََََََََََ من تشابك الأحداث, ولا نهايتها حينا آخر. لتبقى خلاصة القول أن كل ما تمخضت به الثورات حتى الآن هو الترقُب, والانتظار, ويبقى السؤال المطروح هو: هل ستتمكن الشعوب العربية يوما من التوقيع على وثيقة" الربيع العربي" ,وتحظى بها وساما على صدرها,أم أنها ستوقع على وثيقة" الضلال العربي" فتبقى بصمة عار على جبينها؟ صحفية متدربة