كان تشرشل أعظم قادة بريطانيا العظمى ، وأخطر ساستها وقد عبر بها مرحلة الحرب العالمية الثانية التى خرجت بريطانيا منها منتصرة وقوية . ومع أول انتخابات فى بريطانيا بعد الحرب سقط تشرشل وحزب المحافظين وجاء الناخبون بحزب العمال وحكومة منه برئاسة كليمنت آتلى. ولم يكن الشعب الفرنسي بعيدا عن هذا الموقف من شارل ديجول قائد النصر ضد النازية ومحرر فرنسا ، حيث أسقطه في الانتخابات . لماذا أسقط البريطانيون تشرشل؟ هل لأنه فاشل؟ هل لأنهم شعب ناكر للجميل؟ لقد اقتنعوا وقتها أن عبقرية تشرشل في إدارة معارك القتال لا تقابلها عبقرية مناسبة لقيادة معركة البناء ، ولم يكن هذا جحودا من الشعب البريطاني لدور تشرشل التاريخي ، لكن هكذا الشعوب لا تدين لأي شخص بأي دين بل على العكس الأشخاص هم الذين يدينون للشعوب دائما.. وهكذا بقيت بريطانيا كبيرة وظلت فرنسا متقدمه ، وربما كان الوضع سيختلف كثيرا لو أن الفرنسيين نصبوا من ديجول إلها ورفع البريطانيون تشرشل إلى مرتبة فوق البشر. وحدهم فقط المتخلفون ينساقون وراء الكاريزما ويجعلون الكل من أجل واحد ..وقد دفعت شعوب العالم الثالث ثمنا باهظا لانسياقهم وراء الحكام واقتناعهم المريض أن الشعب بأكمله ممكن أن يدين لشخص الرئيس . وإن كان حزب الوفد معقل الديموقراطية ومدرسة لتخريج الكوادر الليبرالية فكيف إذن يخرج علينا من يطالب بأباظة رئيسا لدورة ثانية بحجة أنه قاد سفينة الوفد بسلام أثناء المعارك الطاحنة مع الدكتور نعمان جمعه ؟ بل ونجد من يحرضه على أن يخلف عهده الذى قطعه هو على نفسه بألا يترشح لدورة جديدة؟ والأخطر من ذلك أن أسمعها بأذني من أحد أعضاء الهيئة العليا للوفد بأن " أباظة هو القادر الأوحد على قيادة سفينة الوفد"!!! هل يعقل أن يحدث هذا فى حزب ديموقراطى عريق؟ وهل هذه الجملة تعتبر اعترافا ضمنيا بوجود أزمة قيادات فى الوفد؟ لقد جاء أباظة رجلا لمرحلة محددة وقد انتهت تلك المرحلة بمقتضياتها – وأشهد للرجل أنه قادها بنجاح – ولكنه للأسف بقدر ما كان ناجحا فى قيادة الوفد فى المعارك لم ينجح فى قيادة نفسه والسيطرة على هواه ورد مريديه عن إيهامه أنه القادر وأنه الأوحد فلا قادر سواه ولا قائد غيره ، كما أنه لم يتحرك فى اتجاه الكفاح والانتشار الشعبى قيد أنملة . لقد فشل الرجل فى الوفاء بكلمته وخرج علينا بحجة لا تختلف كثيرا عما يقوله مبارك أو أى مستبد آخر : أنه لا يطمئن على مستقبل الوفد من بعده!!!!!!!!!! وقد قال بالحرف : " كنت قد أعلنت فور نجاحى فى انتخابات رئاسة الحزب عن عزمى ألا أعيد ترشيح نفسى لدورة أخرى، وأكدت ذلك فى أكثر من مناسبة، وكان رائدي فى هذا اطمئناني على مستقبل الحزب" يا الله وأين كنت يا سيدى منذ 1918 حتى 1979؟ أذكرك أنك لست الأوحد فمن قبلك كان عظماء رحلوا وبقى الوفد .. دفنوا ولم تدفن مصر خلفهم .. إن الوفد ليس زوجة هندوسية يحرقونها مع جثة زوجها الراحل ولكنه كيان قائم بذاته قادر على أن يعيل نفسه ويخرج من الكوادر ألف محمود أباظة وألف سيد بدوى . وعلى الوفديين أن يدركوا تلك الحقيقة وأن يعرفوا أن هناك عدة أسباب لإسقاط المرشحين ليس الفشل من بينها بالضرورة وإنما أحيانا يكون النجاح أخطر على صاحبه من الفشل عندما يورده موارد الغرور والخيلاء ويزين له البقاء فى منصبه والحنث بعهوده والاستمتاع بأهازيج الأتباع عن مهارته وألمعيته وقدرته . نعم أنا من محبى الأستاذ / محمود أباظة وتلك حقيقة يعرفها المقربون منى وأشهد له بالنجاح فى الفترة الماضية ، ولكن عشقى للوفد وإيماني بالممارسة الديموقراطية الحقيقية يفوقان حبى لأى شخص وإيماني بأى مرشح ومن أجل ذلك أطالب جموع الوفديين بأن يضربوا للأحزاب العربية بأسرها مثالا يحتذى وأن يسقطوا محمود أباظة فى انتخابات الرئاسة .