عبد اللطيف سندباد* هيمنة السواد في تشكيل لوحات الفنان نعيم اشماعو الفهري هي فضاء للتجربة الصميمية للذاكرة والمعيش، لفنان مسكون بالحق في حضور الجسد الموضوعي للأنثى، وهي عارية في جل لوحاته، وأنا أتأمل معه في بعض من إبداعاته التشكيلية بمدينة الصويرة، تملكني الافتتان والتوتر في ما تعيشه تجربة الفنان اشماعو من قلق انطلوجي يلتحم باستمرار بجمالية جسد المرأة، ليس جسد الأنثى في مسارات لوحاته اعتباطية لغة أو تشكيلا بل هي ضرب لمعيته الوجودية ومشاركته الامبريقية، لأن الجسد يتواجد معه في عالم التشكيل، ولا يدرك اشماعو العالم إلا من خلال اللطخة السوداء النازلة بقوة حركة اليد / الجسد الموجع الذي يخترق الظلمة بنور رهافة الحس إلى عمق السند موضوع التشكيل. ولعل التكوين القانوني في سلك القضاة والمحاماة ... للفنان اشماعو وخصوبة علاقاته مع مختلف شخوص الدولة المغربية في وضعيات مختلفة سلبا أو أمنا أو هدوء ... مكنته من التمتع بروافد ابستيمية وجمالية ... جعلت أعماله تعبر إلى عالم السواد لتؤسس الندرة من أجل التحرر من كل سلب لانجاز وجوده الخاص، ولم يجد اشماعو معادلا موضوعيا يحتضن تلاشيه ويهشم جفاء مساطره القانونية غير اختراق طابو الجسد الأنثوي المجرد كموضوع للتشكيل باللون الأسود، فامتثل له الأسود كسلطة للحضور الإبداعي والانبعاث من جديد كلما هم وفجّر التجربة التشكيلية على أعماق الأسناد. إن السواد الذي يضعه أمامنا الفنان عالما موضوعيا من الأحداث والأفعال، يعبّر عنها بالممكنات الحميمية المجسمة لتفاصيل جسم الأنثى، ومن خلال لوحاته الجميلة والمثيرة يبدو مسكونا بوعي الجسد الموضوعي، في بعده النسائي، حيث تتحول الأنثى في أعماله إلى ذات مستقلة، تلهمه بمفاتنها لتصير موضوعا مفكرا فيه، وتربطه بها علاقة تعاطف ومشاركة في الزمن، إذ زمن الأنا / اشماعو ليس معزولا عن زمن الغير الجسد العاري، ذلك أن التجربة الفنية عنده هي ضرب من المعية والمشاركة، لأن الجسد يتواجد مع ذاته في هذا العالم ، إن اشماعو يدرك العالم مثل الجسد العاري. وحبه في التعبير عن الجسد بالسواد إحالة إلى مبدأ الخلق، والإصرار على كشف السوءة بوصفها حضورا للجمال المعتم في زمننا، وتفجيرا لبركان جواني محايث لتجربة الفنان، أراد أن يعايشه المتلقي في ما به من شتات وتلاشي في الحضور.
عند استدامة النظر في لوحات العري لدى اشماعو تتحول العتمة والسكون على أسنادها إلى نور وتموج حي كما يراه المتصوفة في مدارج الحلول والفناء والبرزخ ... الجسد يلج عالم التوحد بالإنسان، ويغدو للأخير تفرده وأصالته ليكون حرية حميمية مغرمة بالحب والحلم والسكون ... في تغلب سلس على الثنائيات الوجودية بين والأنا والآخر.