فجر الأستاذ الدكتور فكري حسن أستاذ بيتري للآثار في جامعة لندن واستشاري بمركز توثيق التراث والأستاذ بجامعة واشنطن ستيت والمشرف على موسوعة تاريخ المياه والحضارة التي تصدر عن اليونسكو( برنامج المياه العالمي) ورئيس الجمعية الدولية لتاريخ المياه قنبلة من العيار الثقيل بكشفه لمشروع ممر التنمية للدكتور فاروق الباز مؤكدا فشل المشروع تماما حيث أكد أن الدكتور فاروق الباز قد تقدم منذ أكثر من عشرين عاما بمشروع لقى حفاوة بالغه من بعض الوزراء السابقين فى الفترة من 2006 الى 2008 عندما تم طرحه فى عدة ندوات وقد أصدرت مكتبة الأسرة دار العين كتابا فى 2009 تحت عنوان ممر التنمية والتعمير وسيلة لتأمين مستقبل الأجيال القادمة فى مصر يتلخص مشروع ممر التنمية فى إختبار ممر طولى يمتد بحوالى 1200 كم من العلمين شمالا الى حدود السودان جنوبا حتى وادى حلفا على شكل ثمانية حارات على الهضبة موازيا لمسار النيل على بعد 20 و30 كم من حافة هضبة الصحراء الغربية ويتعامد مع هذا الممر محاور عرضية مجمل طولها 800- 1200 كم وتشمل 12 محور ولما كانت الهضبة الصحراوية قفرا بلا ماء ولا زرع ولم يرتادها أحد منذ عصور ما قبل التاريخ وقتما كانت تتمتع بالمطر يقوم المشروع على مسار خط مياه عذبة بطول 1200 عن طريق ( أنبوب مياه ) يمتد من بحيرة ناصر أو قناة توشكى جنوبا حتى العلمين شمالا ولما لا تواجد أى وسيلة مواصلات يقترح الدكتور فاروق الباز أنشاء خط سكه حديد على طول المسافة التى تزيد على خط السكه الحديد الحالى من أسوان الى الأسكندرية ولما لا تواجد أى مصادر للطاقة فكر الدكتور فاروق الباز فى خط كهرباء على طول المسافة نفسها ( 1200 كم ) وبالطبع ستلزم سكه حديد وكهرباء للمحاور والتى ستضيف ايضا مسافة من 800 الى 1200 كم وقد عاد طرح مشروع فاروق الباز مجددا بعد ثورة 25 يناير والتقى الدكتور الباز برئيس الوزراء وقت ذلك وهو اللواء أحمد شفيق الذى تحمس له كما ذكر عمرو موسى الأمين العام لجامعة الدول العربية سابقا المشروع بالخير وربما نسينا أو تناسينا أن الدولة قد قامت فعلا بدراسة المشروع ووقد نشرت أحد المجلات المصرية فى 22 إغسطس 2008 بنشر النتائج الأولية لدراسات الجدوى الأقتصادية والفنية لمشروع ممر التنمية التى أعدتها وزراة التنمية ووزارات الإسكان والتعمير والسياحة والثقافة والرى وهيئة المجتمعات العمرانية وأنتهى الخبراء الى الهضبة التى يجرى فيها الممر لا تتوفر بها إمكانيات أو موارد أقتصادية أو حتى فى المناطق القريبة منه مما يهدم مشروع الممر من أساسه وأضافت لجنة الخبراء أن توصيل شبكات المياه والصرف الصحى لمسار ممر التنمية سيكون باهظا من حيث التكاليف الإنشائية ومصاريف التشغيل والصيانة ودون مبرر أقتصادى رشيد كما أن ربط ممر التنمية بميناء محورى عند العلمين وهى نهاية الممر والذى ستنقل إليه البضائع ( من إين ؟) لا يصلح جغرافيا ولا يمثل مركزا مناسبا لحركة التجارة الدولية كما أن الموقع غير ملائم من الناحية البحرية والبيئية والسياحية كما توصل الخبراء أيضا الى فشل المشروع المبنية على أساس نقل البضائع من القارة الإفريقية الى البحر الأبيض المتوسط ومن المثير للدهشة كما يقول الأستاذ الدكتور فكرى حسن أن مع كل هذه الضربات القاضية للمشروع إنتهت الدراسة الى قبول المشروع فى إطار التخطيط الإستراتيجى طويل المدى لتنمية الصحراء الغربية كمركز للأستيطان بها هذا عن الممر أما عن التنمية فلا توجد على الهضبة أى أراضى زراعية تذكر أو خامات إذا ما أستثنينا فوسفات أبو طرطور وهو مشروع متعسر وله أيضا مشاكله العديدة كما لا توجد مواد غير الإحجار الرملية فى الجنوب والجيرية شمال الأقصر وتعتمد التنمية على الأماكن المجاورة للممر بالقرب من وادى النيل عند الإسكندرية وطنطا والقاهرة والفيوم والبحيرة والمنيا وأسيوط وقنا والأقصر وكوم أمبو وتوشكى وأبو سمبل وإذا كان هذا هو الحال فما هى الحاجة الى الممر خاصة وأن هذه المناطق متصلة بالنقل على الطريق الصحراوى الذى يقوم الأهالى بأستصلاح الأراضى حوله وبماذا سينفع الممر إذا لا يصلح إلا كطريق ومن هم الذين سيستخدمونه خاصة أن تكلفة المشروع تصل الى 243.8 مليار جنية وقد أقترحت الدراسة مشروعات لاستصلاح 1.87 مليون فدان فضلا عن وجود 1.6 مليون فدان صالحة لزراعة ستعتمد معظمها 1.4 مليون فدان على 9 مليار متر مكعب فى السنه من مياه النيل والباقى على 0.6 مليار متر مكعب من المياه الجوفيه ومياه الصرف الصحى بعد معالجتها وبغض النظر عن التكلفة الهائلة لهذا المشروع والتى يمكن أستثمارها فى التعليم والبحث العلمى والصناعة والخدمات فى منطقة الظهير الصحراوى فإن هذا المشروع مازال يعتمد أساسا على الزراعة وهو أمر مشكو فى نفعيته وجدواه خاصة بعد توشكى التى اقترحت فيها مشروعات لاستصلاح 1.6 مليون فدان لم يتم منها بعد أستثمارات ضخمة استصلاح ما يزيد على 9 ألاف فدان بعد مرور ما يزيد على أكثر من عشر سنوات بالأضافة الى ذلك من أين لنا بالمياه فمياه النيل محدوده ومصيبتنا تزداد يوم بعد يوم نتيجة للتزايد المطرد فى عدد السكان وزيادة معدل استهلاك الفرد ناهيك عن ما تقوم به دول حوض النيل لتقليل النسبه التى نحصل عليها ويقدر ما يحتاجه إليه مشروع الباز 9.7 مليار متر مكعب فى السنه من مياه النيل بينما نعانى من فقر مائى و0.6 مليار متر مكعب من المياه الجوفيه علما بأن أجمالى ما نستخدمه الآن من المياه الجوفية 1.5 مليار متر مكعب فى السنه ولا يمكن رفعها من الصحراء الغربية الى ما يتطلبه الممر والذى يساوى كل مصادر المياه الجوفية فى الصحارى ووادى النيل ( المياه الجوفية فى مصر وتمثل المياه الجوفية مخزونا استراتيجيا لا يصح العبث به لأنه مورد غير متجدد ولا يصح أن نسحب منه ما يزيد على طاقته كما لا يجب أن نستخدم هذه المياه عظيمة القيمة فى الزراعة ونحن فى أشد الحاجة لها فى الصناعة والخدمات الأمر الذى يستدعى الأهتمام خاصة ونحن لسنا فى حاجة ماسة الى مشروع ضخم يعلق آمالنا على مستقبل مشكوك فيه ويهدر أموالنا ونحن فى أمس الحاجة لها فى التعليم والنهوض بمقدراتنا الإنتاجية فلنتعلم من تجاربنا السابقة كما قال الأستاذ رشدى سعيد أن مسار الممر الذى أقترحه الدكتور فاروق الباز هو أسوأ ما يمكن وإن مشروع لن ينجح فى تخفيف الضغط السكانى أو المساهمة فى زيادة الإنتاج ونضيف الى ذلك ما ذكره فاروق الباز نفسه فى كتابه حسب رؤية بعض من عمل فى البنك الدولى عن فشل مشاريع الممرات السابقة ويشير فاروق الباز فى كتابه أيضا الى إن مشروع الوادى الجديد وهو ما يشمل تنمية الواحات وربطها بعضها بالبعض لم ينجح لأن البعد الجغرافى لهذا الواحات يحد من إمكانية أنتقال الناس للمعيشة فيها لدرجة أن أهل الصعيد الذين رحلوا إليها يفضلون الدفن فى بلدانهم الأصلية بعد الممات أى أنهم لا يعتبرونها بلادهم أضف الى ذلك أن مصادر المياه الجوفية محدودة ومن المفارقة أن مصادر المياه الجوفية فى منخفضات الواحات هى أعظم مصادر المياه فى الصحراء على محدوديتها وأن مصادر المياه الجوفية حول ممر الدكتور فاروق الباز معدومة إلا بحفر الآبار العميقة جدا والتى ستزيد كلفتها عن العائد منها أو عن طريق خط ماء يسحب المياه من النيل ليحرم منها قاطنى وادى النيل وإذا كان البعد الجغرافى عاملا لطرد السكان كما ذكر فاروق الباز نفسه فما هى مغريات السكن على هضبة فى صحراء خاوية ؟ وفى النهاية أكد الدكتور فكرى حسن أنه مع تنمية وتعمير الصحراء فى ضوء مخطط جديد للتنمية الشاملة المستدامة والمتكاملة يبدأ بالموارد المحلية ويتوسع منها مستخدما الطرق والمسارب التى تكون شبكة أنتقالات واتصالات استخدمت منذ عصور سحيقة ولعبت دورا هاما فى الحرب العالمية الثانية كما أنه من الضرورى حينما يتم وضع دراسات لتنمية الصحراء إلا تتضمن هذه المشاريع استهلاك مياه لا نملكها أصلا ولتتضمن كل المشاريع فى الصحارى ووادى النيل والمدن والقرى خطط لترشيد أستخدام المياه وتقليل الفاقد وأستخدامها لتعظيم العائد الأقتصادى من كل قطرة ماء ولا للزراعة التقليدية بمحاصيلها ( السكر والأرز ) بطريقة الغمر التى تهدر المياه وعلينا أن ننتبه لكميات المياه المهولة التى تتسرب من شبكات الرى والصرف بعيدا عن الزراعة دعنا نفكر خارج إطار منظومة الأقتصادى التقليدى من زراعة نقل تعتمد على السكك الحديدية لنفكر فى مشروعات جديدة تعتمد على الطفرة العملية التى نقلتنا الى عصر المعلومات والصناعات الإكترونية وصناعة الأتصالات والخدمات المرتبطة بها ومجالات البيولوجيا الوراثية وغير ذلك من التكنولوجيا فائقة الصغر ( النانو تكنولوجى ) فلنستثمر فى هذا ولنخطط بحيث يتواكب التعليم العام والعالى مع استراتيجية أقتصادية لتنمية هذه الصناعات ولتساند ذلك خلق مركز محورى لصرافة وتداول الأموال مع نقل مصر الى حلقة مركزية فى حركة البضائع العالمية