كثر الحديث مؤخرا في الجزائر عن مراسلات إدارية من الوزير الأول ووزيره بالمالية، تجاه الدوائر الوزارية والمؤسسات والمديريات عبر التراب الوطني والمحلي من أجل تجسيد الكثير من الإجراءات التي تحد من المصاريف العمومية وإلغاء كافة النفقات غير الضرورية والهدايا والهبات، وتجميد المشاريع المبرمجة والتي لم تنطلق بعد، أو المشاريع التي لم تتجاوز نسبة الإنجاز بها 50% إلا بترخيص من الوزير الأول. وبالعودة إلى حقيقة الاقتصاد الجزائري الذي يعتمد على 98 بالمائة من مداخيله بالعملة الصعبة، يتضح أن الحكومة الجزائرية تعيش في أصعب فترة بعد انهيارات سعر برميل النفط، وهذه الحال ينعكس بالدرجة الاولى على جيوب المواطنين الغلابة. هذا وحذر خبراء اقتصاديون من انعكاسات التقشف على الجزائريين قبل حلول فصل الصيف الذي يتزامن مع شهر رمضان، ولعل أبرز الانعكاسات هو ارتفاع أسعار السلع والتجهيزات وتنامي مستوى البطالة بسبب تقليص نسبة التوظيف وهي السياسة التي اعتمدتها منذ أشهر قليلة مديرية الوظيف العمومي (المؤسسة التي توظف الجزائريين بالقطاع العمومي) في الكثير القطاعات أهمها التربية والتعليم والصحة، كما يتخوف الجزائريون من استحداث ضرائب جديدة والزيادة في تسعيرات الماء والكهرباء والبنزين، وهذا ما قامت به الحكومة في بداية التسعينات لمواجهة الأزمة المالية التي كانت تتخبط فيها الجزائر والتي عكستها المديونية الكبيرة مع صندوق النقد الدولي، بالإضافة إلى رفع الدعم عن المواد واسعة الاستهلاك كالخبز والحليب والزيت والسكر. وأجمع خبراء اقتصاديون وماليون جزائريون وأجانب على أنه في حال بقيت أسعار البترول منهارة على هذا الشكل خلال السنة - 2016 - ، فإن التوازنات المالية للجزائر ستختل وستكون الجزائر عُرضة لأزمة مالية واقتصادية صعبة ستأتي على الأخضر واليابس، وتوقعوا إمكانية عودة الجزائر إلى صندوق النقد الدولي في ظل الانهيار المتواصل والمستمر لأسعار الذهب الأسود في الأسواق الدولية. وحذّر الخبراء من مغبة افتقاد الجزائر لاستقلالية قرارها السياسي في حال لم تتبن الحكومة مخططا استعجاليا لمواجهة الآثار السلبية لانخفاض أسعار البترول، من خلال اتخاذ قرارات صارمة حتى ولو كانت غير شعبية لكنها مفيدة للاقتصاد الوطني، كوقف طاحونة التبذير والإسراف في الإنفاق التي باشرها الرئيس بوتفليقة منذ أزيد من 10 سنوات خلت . وفي ظل الفراغ السياسي و التطورات التي تعرفها الجزائر لا يستبعد تكرار لسيناريو نهاية الثمانينات وبداية التسعينات، حين عرفت الجزائر أزمة مالية خانقة عصفت بأمن الجزائر على اثر خروج الشعب إلى الشارع ودعوته لإسقاط النظام ورحيل الرئيس أنداك علما ان بوادر ازمة خانقة بدأت تلوح في الافق. ومن اجل تجنب موجة غضب للشارع الجزائري شدد عبد العزيز بوتفليقة، في رسالة له بمناسبة الاحتفال باليوم العالمي للشغل قرأها، محمد بن عمر زرهوني، مستشار لدى رئاسة الجمهورية، على ضرورة توخي الصرامة التامة في إدارة الأموال العمومية وإرفاق ذلك بتدابير تحافظ بقدر الإمكان على المبادئ الاجتماعية مع الاستمرار في الإصلاحات الاقتصادية وتعميقها، ودعا إلى الاستمرار في تقليص واردات البلاد، كما اكد ان التحكم في التوازنات المالية والاقتصادية في الظروف الصعبة التي تمر بها الجزائر حاليا على غرار جميع البلدان المنتجة للبترول لا يترك اي خيار آخر سوى توخي الصرامة التامة في إدارة الأموال العمومية وفي استعمال الموارد الطبيعية .للإشارة فقد اثرت تداعيات تقلبات اسعار النفط على الدينار الجزائري الذي عرف انهيارا لا مثيل له مقابل اليورو حيث وصل الى أدنى مستوياته خلال الأسبوع الجاري أمام العملات الصعبة.