فى ظل محدودية المياه العذبة في المنطقة العربية وتلوثها وسوء إدارتها، وفى ظل مشكلة عدم مواكبة المساحة الزراعية لعدد لسكان المتزايد يوما بعد، وفى ظل افتقار أكثر من 900 مليون شخص من البشر فى الدول النامية إلى الوجبات الكافية والملائمة، ويعانون من سوء التغذية بشكل خطير.. فى هذه الظلال طرح الدكتور أحمد على سليمان الباحث في شؤون البيئة والمياه، على هامش الاحتفال باليوم العربي للبيئة، وانعقاد ندوة (التحديات التي تواجه البيئة العربية في ظل الأوضاع الراهنة) المنعقدة في مقر جامعة الدول العربية الثلاثاء 20 أكتوبر، والتي حضرها عدد من الوزراء المعنيين ولفيف من خبراء البيئة في الوطن العربي، وترأسها الدكتور أشرف عبد العزيز الأمين العام للاتحاد العربي للتنمية المستدامة وحماية البيئة، طرح خطة استراتيجية لتحقيق كفاية الوطن العربي من الغذاء، وتنطوي على عدة محاور تتمثل في الاتجاه إلى البحار والمحيطات للحصول على الغذاء وتعظيم الاستفادة من خيرات الله فيها، وأيضا معالجة مشكلات البيئة من خلال المنهج الإسلامي في ظل عجز الأساليب المتبعة عن معالجة تلك المشكلات، وتبني مشروع عربي لزراعة الأشجار المثمرة على الطرق وعلى شواطئ مجاري المياه العذبة في كل مكان.. وحذر الباحث المصري من أن الرقعة الزراعية ومساحات المراعى في العالم لن تستطيع -مهما توفرت لها إمكانات الاستغلال الأمثل- أن تفي بحاجات هذا الازدحام الرهيب من الأفواه المطالبة بالغذاء، والمتزايدة كالطوفان عاماً بعد عام، وليس أمامنا إلا البحر نأخذ منه.. فرياح الأمل تهب من البحار، ذلك أن البحر مخزن عظيم لأنواع الطعام المختلفة.. فعلى الرغم من أن الدراسات الحديثة أثبتت أن البحر في حالته الطبيعية ينتج -في كل جزئية منه- بقدر ما تنتج اليابسة من الغذاء للبشر، إلا أن الإنسان لا يأخذ من مصادر المياه المالحة سوى 1% تقريباً من حاجاته الغذائية.. ومن ثم فلابد أن نوجه طاقاتنا وإمكاناتنا إلى البحر، ونعامله بالأساليب الحديثة كمزرعة عظيمة تعطى الأمل الكبير في انفراج أزمة الغذاء، وتسعد ملايين الجوعى والمحرومين!. وفي مجال معالجة مشكلات البيئة صرح سيادته أن الإسلام جاء لينظم للناس أمورهم الدينية والدنيوية، ويؤسس للسلام بين الإنسان وبين شتى مفردات الطبيعة والكون، ويضبط حركة الإنسان وسلوكه على هذه الحياة، وينظم العلاقات على أسس سليمة رشيدة، مؤكدا أن الإسلام قدم منهجا شاملا ومتكاملا وصالحا لحماية البيئة والحفاظ عليها في كل زمان ومكان، وبما يضمن إحداث التنمية المستدامة للبيئة والحفاظ على توازنها. وأشار إلى أن إغفال تطبيق منهج الله تعالى تسبب في ظهور كثير من المشكلات الاجتماعية وتفشيها في شتى انحاء العالم.. ولعل من أهمها مشكلة التلوث البيئي التي يعانى منها المجتمع المعاصر، والتي انتشرت آثارها السيئة، في كل أنحاء المعمورة، وتمثلت في ظهور عديد من الأمراض المزمنة والأمراض السرطانية وغيرها مما عجز الأطباء أن يجدوا لها علاجا حتى الآن، ناهيك عن بروز مشكلات عالمية خطيرة مثل: التغير المناخي، والتصحر، والاحتباس الحراري، وارتفاع درجة حرارة الأرض، وما قد ينجم عنها من الإخلال بالتوازن الطبيعي في الكون، وإذابة الجليد في القطب الشمالي، مما يهدد بغرق وتلاشي كثير من المدن في عدد من دول العالم وما ينجم عن ذلك من تشريد ملايين البشر... وغيرها من المخاطر البيئية التي نتجت عن طمع الإنسان وأنانيته وعدم قدرته على ضبط غرائزه، ومحاولته الدائمة للسيطرة على الموارد البشرية واستغلالها لصالحه فردًا كان أو مجتمعًا دون مراعاة لحقوق الآخرين ودون وعي لمحدودية الموارد. وتابع أن الإسلام هو الدستور الذي ارتضاه الله (عز وجل) دستورًا نهائيًّا للبشرية عامة، اهتم بموضوع البيئة، وأكد على المحافظة على كل مكوناتها؛ ذلك أن نهائية هذه الرسالة وعموميتها صفتان ضمنتا للإسلام شموليته لكل مناحي الحياة المادية والمعنوية، وشموليته لكل ما يؤدي به إلى السعادة الدنيوية والأخروية. وأن البيئة بكل جوانبها تقع ضمن هذه الشمولية ذلك لأن البيئة هي مسرح تحقيق خلافة الإنسان على الأرض، فما لم تتحقق شروط السلامة الكاملة للبيئة لا تتحقق الخلافة التي دعي الإنسان لتحقيقها. وأضاف أن الإسلام ركز على المسؤولية الجماعية والمشتركة في حماية البيئة والمحافظة على توازنها وعدم العبث بالموارد الطبيعية وحفظ حق الأجيال الحالية والقادمة في استغلالها واعتبار أن الحياة مسؤولية عامة إذا أخل بها نفر سار ضرره على الباقين، كما حثَّ على الغرس والزراعة واستغلال الأرض التي سخرها الله للإنسان والكائنات الحية، والاهتمام بموارد المياه وعدم احتكارها وجعل الناس شركاء فيها، والمحافظة على الحيوان ومراعاة حقوقه والرفق به، والعناية بالنظافة العامة والخاصة، والعمل على الوقاية من الأمراض قبل وقوعها، (من خلال ما يعرف بالطب الوقائي في الإسلام)، والسعي للعلاج منها عندما تحل بالإنسان... وجعل ذلك كله من المقاصد الكلية للشريعة الإسلامية. وأشار الدكتور أحمد علي سليمان إلى أن الماء معجزة إلهية عجز البشر حتى هذه اللحظة عن الوصول إلى صنعه، موضحا أن الماء ورد في القرآن 63 مرة وأن الإسلام اعتنى بالماء عناية فريدة بما يؤكد عالمية الإسلام، وشموليته لكل جوانب الحياة في عصورها وبيئاتها المختلفة، فخصائص الماء والميزات التي يتميز بها تمثل إعجازا عظيما حيث ركبَّ الله عز وجل الماء في حالاته الثلاث الصلبة (الثلج) والسائلة (الماء) والغازية (بخار الماء)، وأن الله عز وجل حفظ الماء المالح بإضافة الملح إليه، وحفظ الماء العذب بالحركة الدائبة فالشمس يسلطها الله سبحانه وتعالى على المسطحات المائية الكبيرة في البحار والمحيطات لتبخر جزءا من الماء فيتحرك صاعدا إلى السماء، ثم يتحرك الماء في السماء في صورة سحاب، ثم ينزل إلى الأرض في صورة أمطار، ثم يتحرك على سطح الأرض في الأنهار والترع والقنوات والمصارف.. وغيرها، ويتحرك أيضًا في باطن الأرض ليشكل المياه الجوفية؛ ليخرج إما من الآبار أو العيون في إطار حركة دائبة ودائمة تتم بإرادة الله تعالى لمصلحة البشر والكائنات الحية. ونبه سيادته أن القرآن سبق إلى إقرار واكتشاف الدورة المائية (الدورة الهيدرولوجية hydrologic cycle) قبل الغرب بمئات السنين، وأن الإسلام حارب الإسراف في الماء حتى ولو كان الإنسان على نهرٍ جارٍ، ونهى عن تلويثه بأي صورة من الصور، وحذر من الإسراف في زراعة نباتات الزينة -التي تستنزف كميات كبيرة من الماء الصالح للبشر- في حالة احتياج الأمة إلى الماء والغذاء، موضحا علاقة الماء بالعبادة ودورهما في ترسيخ السلام الروحي والنفسي للإنسان، وأن الحضارة الإسلامية في عصرها الزاهر والعلماء المسلمين أبدعوا وتفردوا في استثمار المياه بصورة فريدة، ومواجهة مشكلات المياه قبل حدوثها، وسبقوا العالم كله في اكتشاف أماكن المياه الجوفية، ومعرفة أماكنها على وجه الدقة بالاستدلال على وجودها بوجود نباتات معينة وحيوانات معينة وأحجار معينة، وبما يفوق الأقمار الصناعية وأجهزة الاستشعار عن بُعد حاليًا والتي تعطي مؤشرات فقط عن وجود شقوق معينة قد تحوي مياها جوفية وقد لا تحوي. واختتم سليمان تصريحه مطالبا بالتوسع في زراعة النباتات المثمرة وتنميتها وتنسيقها بشكل جمالي، بدلا من زراعة ملايين الأشجار غير المثمرة المنتشرة في عموم الطرق ببلادنا، كما طالب بالبدء في تبني خطة طموحة لزراعة شواطئ الأنهار والترع والقنوات وشتى مجاري المياه العذبة وغيرها بمليارات الأشجار المثمرة وأشجار الفاكهة والنخيل بدلا من الحشائش وأشجار الغاب المنتشرة على شواطئ مجاري المياه العذبة والتي تستنزف مياهً كثيرة وأرضا خصبة بلا فائدة- وذلك في إطار مشروع عربي كبير تتبناه جامعة الدول العربية؛ لتحقيق كفاية الأمة من الغذاء. وبالله التوفيق.