تحول الحديث عن تراجع الطاقات المائية بجهة سوس ماسة درعة إلى لازمة في كل المجالس الخاصة والعامة وفي كل المنتديات السياسية واللقاءات الدراسية المتخصصة، ولم تعد بيانات الأحزاب وبلاغات الجمعيات تخلو من الإشارة إلى إعادة النظر في طرق تدبير المياه بأكادير الكبير وسهل سوس ماسة عموما. إذ أصبح الخصاص في الموارد المائية شبحا يطارد الجميع ويفرض عليهم تبني رؤية إستراتيجية قبل أن تصل الأوضاع إلى حدود كارثية، كما حدث قبل الأمطار الأخيرة نهاية نونبر من سنة 2014، التي أعادت الحياة إلى الجهة، وأعفت الحكومة من إطلاق برنامج محاربة آثار الجفاف، الذي كانت تضع اللمسات الأخيرة عليه. ورغم نسبة الملء التي عرفتها سدود الجهة، فإن عدم انتظام التساقطات يجعل القائمين على الشأن المائي في حيرة من أمرهم، حيث تم طرح مشروع تحلية مياه البحر كأحد المشاريع التي يمكن أن تفتتح هذا النوع من التجارب في المنطقة أسوة ببعض الدول في حوض البحر الأبيض المتوسط. مشروع تحلية مياه البحر، الذي اختارت له الأطراف المساهمة إقليم اشتوكة وجماعة إنشادن بالضبط، يهدف إلى إنقاذ هذه المنطقة بسبب الاستنزاف الذي عرفته الفرشة المائية، والذي بلغ مستويات غير مسبوقة. كما أن مياه البحر بدأت تتسرب إلى الفرشة المائية، مما رفع من نسبة الملوحة في المياه. في هذا التحقيق سنوضح أهم مرتكزات هذه التجربة، والاطلاع على بعض الجوانب التقنية الخاصة بها، إضافة إلى سيناريوهات النجاح الممكنة، وكذا أهم الصعوبات والتحفظات التي تحيط بهذا المشروع. تعتبر منطقة اشتوكة آيت بها من أهم المناطق الفلاحية السقوية بسهل سوس من حيث البنيات التحتية المتطورة بالنسبة إلى الفلاحات العصرية. إذ تتمركز بهذه المنطقة أكثر الأنشطة الفلاحية الموجهة إلى التصدير، خاصة ما يتعلق بالخضروات البكرية. كما أن هذه المنطقة تشهد استثمارات كبيرة في مجال التقنية الفلاحية الحديثة، وهي المعطيات التي تجعل منطقة سوس ماسة درعة من المناطق الأكثر أهمية من الناحية الإستراتيجية على المستوى الوطني. إذ أن أكثر من 92 بالمائة من صادرات الطماطم إلى دول الاتحاد الأروبي تنتج في هذه المنطقة. كما أن أكثر من 500 فلاح يوجدون في هذه المنطقة يتوفرون على بيوت مغطاة على مساحة تقدر ب8.000 هكتار تمثل 50 بالمائة من المساحة التي يشملها مشروع تحلية مياه البحر لأغراض زراعية. هذه المعطيات الرقمية بدأت تعرف في الآونة الأخيرة صعوبات على مستوى الموارد المائية، التي تراجعت بمعدلات غير مسبوقة، وتنذر بالخطر، خاصة أن الفرشة المائية أصبحت تعرف تدهورا كبيرا بسبب الاستغلال المفرط وارتفاع نسبة الملوحة نتيجة تدفق مياه المحيط إلى داخلها هذه الفرشة المائية. ونظرا لحجم الخسائر التي يمكن أن يتكبدها النشاط الفلاحي بهذه المنطقة، وكذا التداعيات الاجتماعية لذلك على المنطقة بأكملها تم طرح حل تحلية مياه البحر من أجل إنقاذ المنطقة والحفاظ على هذا الحجم الكبير من الاستثمارات الموجودة بها. الخيارات الصعبة تظهر كافة المؤشرات أن الاستغلال المفرط للمياه الجوفية أدى إلى تسرب مياه البحر المالحة إلى الآبار، وفي حالة ما استمر الوضع على ما هو عليه فإن النتائج ستكون كارثية في جهة سوس ماسة درعة- حسب مراقبين للوضع الفلاحي- وبشكل أكثر بمنطقة اشتوكة التي سبقت الإشارة إليها، وهو ما سيؤدي – حسب المعطيات التي حصلت عليها «المساء»- إلى توقف النشاط الفلاحي بهذه المنطقة، وبالتالي خسارة إنتاج فلاحي بقيمة تقدر بمليار درهم، فضلا عن فقدان الاستثمارات المنجزة من بيوت مغطاة ومحطات للتلفيف ومعدات فلاحية بقيمة مالية تتجاوز ثلاثة مليارات درهم، إضافة إلى ضياع أزيد من مليون يوم عمل قار، وفقدان رصيد مهم من الخبرة التقنية والفلاحية الكبيرة، التي تتميز بها منطقة سوس ماسة في المجال الفلاحي، سواء على مستوى الإنتاج أو التحويل أو التصدير. أما على المستوى البيئي، فإن الخسائر ستكون، حسب المصادر ذاتها، كارثية نتيجة فقدان التوازن الإيكولوجي بالمنطقة، الأمر الذي ستكون له آثار وخيمة على أشجار الأركان ومنظومة الأحياء وزحف الرمال. كما أنه في حالة ما لجأ الفلاحون بشكل فردي إلى إنشاء محطات خاصة فإن ذلك سيكون له انعكاس خطير على البيئة بسبب قذف المحاليل الملحية في المحيط البيئي. لذلك فإن هذا المشروع يعتبر مشروعا مهيكلا والأول من نوعه على المستوى الإفريقي. كما أنه يهدف إلى الاستفادة من التجربة الإسبانية ،التي وقعت في خطأ إنشاء محطات للتحلية خاصة بكل فلاح. بوصلة المشروع وحسب توقعات القائمين على أول مشروع لتحلية مياه البحر لأغراض زراعية بجهة سوس ماسة درعة، فإن أهداف المشروع تتمثل في المحافظة على فرشة المياه الجوفية، وعلى المنظومة البيئية برمتها، خاصة أن هذه المنطقة قريبة ومرتبطة بالمنتزه الوطني لسوس ماسة، وكذا المحافظة على النشاط الفلاحي والتشغيل والرواج الاقتصادي عامة، فضلا عن المحافظة على فرص الشغل الحالية وتطويرها وتثمين القدرات المعرفية لفلاحي المنطقة في ميدان إنتاج الخضر البكرية بتقنيات حديثة، خاصة البيوت المغطاة، والري الموضعي، ومحطات التلفيف. كما يهدف المشروع إلى كسب أسواق خارجية جديدة وضمان تدفق مستمر للعملة الصعبة، خاصة أن المشروع سيشمل مساحة تقدر بثلاثة عشرة ألفا وستمائة هكتار، فيما يناهز عدد الفلاحين المنخرطين في المشروع ألف فلاح. أرقام ناطقة وتكشف المعطيات التقنية المرتبطة بهذا المشروع أن سعة الإنتاج عند انطلاق تشغيل هذه المنشأة الخاصة بتحلية مياه البحر ستصل إلى 111 ألف متر مكعب وبعد ذلك إلى 167 ألف متر مكعب من المياه المحلاة يوميا، اعتمادا على تقنية التناضح العكسي، حيث سيقام المشروع بين منطقتي تيفنيت والدويرة بالجماعة القروية إنشادن، بقوة طاقة كهربائية تصل إلى 34 ميغاواط، و18 كيلومترا من القنوات الخاصة بتوصيل المياه و290 من قنوات التوزيع و1360 مأخذا للمياه داخل الضيعات الفلاحية التي ستستفيد من المشروع. ووفقا لنفس المعطيات، فإن كلفة المشروع ستصل إلى 2.8 مليار درهم، حيث سيتم إنجاز المشروع في إطار شراكة بين الدولة والقطاع الخاص، ستفوض بموجبها الدولة إلى القطاع الخاص، الذي سيتم اختياره عن طريق المنافسة، جميع العمليات التي تتعلق بإنجاز واستغلال وتدبير تجهيزات ومنشآت المشروع- التحلية والري- لمدة قد تصل إلى 36 سنة. مقابل ذلك تبقى المنشآت والتجهيزات الخاصة بالمشروع ذات صبغة عمومية وفي ملكية الدولة، سواء خلال مدة الشراكة أو بعدها.
الصحراء ومياه البحر زراعة المستقبل لتلبية الطلب المتزايد على الغذاء محمد أبو خيرة الخبير في الطاقات المتجددة كشف محمد أبو خيرة، الخبير في الطاقات المتجددة، أن استمرار أسعار المواد الغذائية في الارتفاع ناتج عن تزايد السكان في العالم، وكذا الزيادة السريعة في الطلب على اللحوم والألبان، وارتفاع أسعار النفط، والانعكاسات السلبية لتغير المناخ على المناطق الزراعية الخصبة المنتجة للغذاء. وأكد أن الريادة ستكون لشعوب الدول التي ستقود ثورة زراعية مختلفة تماما عن النهج الذي سارت عليه الزراعة في السابق. وأضاف أن الصحراء ستكون هي المرشحة للتوسع الزراعي مستقبلا خلال العقد القادم نتيجة لأربعة تطورات هامة، هي: أولا، إمكانية زراعة بعض المحاصيل الهامة من مياه البحر مباشرة. إذ هناك تجارب بدأت تظهر نتائجها في مراكز البحوث الغربية على هذه النوعية من المحاصيل. والأمر الثاني هو نجاح الهندسة الوراثية في إنتاج محاصيل تتحمل الملوحة ويجري تحسين الجيل الثالث منها. أما الأمر الثالث بالنسبة إلى محمد أبو خيرة فهو إعادة النظر في استغلال المياه الجوفية بطريقة أكفأ من الماضي وسرعة اتخاذ بعض التدابير لحماية هذا الاستنزاف. فيما الأمر الأخير هو نجاح التكنولوجيات الغربية، خاصة في إنتاج محطات لتحلية مياه البحر بتكلفة أقل. ويشير الخبير في الطاقات المتجددة إلى أن الدول الغربية قطعت شوطا كبيرا في اتجاه التوسع في هذا المجال، من ناحية تخفيض التكلفة والتقنيات المستخدمة مع بساطة المعدات وتركيبها وصيانتها ونقلها من مكان إلى آخر. وقال أبو خيرة إن الزراعة بمياه البحر فكرة قديمة، وقد حظيت بالاهتمام الجدي لأول مرة بعد الحرب العالمية الثانية. وأوضح أن عددا من الباحثين في مراكز البحوث المتخصصة في الخارج اختبروا جدوى الزراعة باستعمال مياه البحر، فوجدوا أنها تصلح جدا في التربة الرملية من البيئات الصحراوية. ويعرّف أبو خيرة الزراعة بمياه البحر بأنها تنمية المحاصيل المتحملة للملوحة في أراض تُستعمل فيها المياه المأخوذة من المحيطات بالضخ. ولكي تكون الزراعة بمياه البحر مجدية من حيث الكلفة، أكد أبو خيرة على أن ذلك مرتبط بتحقق شرطين: أولهما، أن تنتج محاصيل مفيدة بمردود عال بما يكفي لتبرير تكاليف ضخ مياه الري من البحر. وثانيهما، ضرورة تطوير تقنيات زراعية لتنمية محاصيل مرويَّة بمياه البحر بطريقة مستدامة، وبدون الإضرار بالبيئة. وأضاف أن بعض الباحثين حاولوا إدخال صفة تحمُّل الملوحة إلى بعض المحاصيل التقليدية كالقمح والشعير، وتدجين نباتات برية متحملة للملوحة، تدعى النباتات الملحية، قصد استعمالها محاصيلَ غذائية أو علفية أو زيتية. ومن ثم تم جمع بضع مئات من النباتات الملحية عبر العالم وتصنيفها حسب درجة تحملها للملوحة وكذلك محتواها الغذائي. ويشير الخبير في الطاقات المتجددة إلى أن هناك ما بين 2000 و3000 نوع من النباتات الملحية على شكل أعشاب أو شجيرات أو أشجار. لكن الزراعة بمياه البحر تتطلب، حسب الخبير ذاته، تقنيات زراعية تختلف عن الزراعة بالمياه العذبة. ولتحقيق المتطلب الأول لجدوى كلفة الزراعة بمياه البحر، كان يجب بحث إمكانية إحلال النباتات الملحية محل المحاصيل التقليدية من أجل استعمال معين، وعليه تم اختبار مدى صلاحية النباتات الملحية لتغذية الماشية، انطلاقا من أن توفير الكفاية من العلف لقطعان الماشية والأغنام والماعز والإبل يُعَدّ واحدا من أكثر المشاكل الزراعية تحديا في الأراضي الجافة من العالم، ويتصف العديد من النباتات الملحية باحتوائها على مستويات عالية من البروتين والكربوهيدرات القابلة للهضم. وتحتوي هذه النباتات على كميات كبيرة من الملح. ويشكل تراكم الملح فيها أحد أساليبها لتتلاءم مع البيئة المالحة. ويمكن، حسب أبو خيرة، التوسع في زراعة القمح وفي محاصيل الأعلاف باستخدام محطات تحلية المياه، واستخدام الري بالتنقيط وبالضخ المباشر للمحاصيل الرعوية الملحية. ويمكن أن نشهد، كما يقول أبو خيرة، تطبيقا تجاريا للزراعة بمياه البحر خلال العقد القادم، مشيرا إلى أن عدة شركات أنشأت مزارع اختيارية للنباتات الملحية في كاليفورنيا بأمريكا والسعودية والمكسيك وباكستان والهند. وأوضح أن هذه الشركات تعتبر شركات لعلوم الحياة. وهذا الأمر، يقول نفس الخبير، عبارة عن تحول سريع غير عادي من خلال هذا التحكم الجيني. وأضاف أننا سنشهد محاصيل تزرع بماء البحر مباشرة، وأننا سنري قريبا ثورة زراعية تنطلق من الصحراء لتكون سلة الخبز لشعوب الدنيا.
تحلية مياه البحر باشتوكة أحد محاور مخطط المغرب الأخضر لإنقاذ الاستثمارات الفلاحية اهرو برو من الإشكاليات المطروحة على هذا المشروع أن توقعات المتخصصين تقول إن تكلفة المتر المربع الواحد من المياه المحلاة ستكون مرتفعة. أولا يجب أن نعرف هذا المشروع الذي يستهدف منطقة اشتوكة آيت باها على اعتبار أنها من بين المناطق السقوية بجهة سوس، وتعتبر أول منتج ومصدر للخضر والفواكه، إلا أنها أصبحت تعرف تراجعا مهولا في الفرشة المائية، إضافة إلى تسرب مياه البحر إلى هذه الفرشة. وبالتالي، فإن الاستثمارات الفلاحية الكبرى الموجودة بهذه المنطقة أضحت مهددة، مع ما يستتبعه ذلك من تداعيات اجتماعية في حالة توقف النشاط الفلاحي بهذه المنطقة. لذلك فالمشروع الذي يندرج ضمن أولويات مخطط المغرب الأخضر يهدف إلى إنقاذ منطقة فلاحية ذات أهمية إستراتيجية بالنسبة إلى الجهة والوطن ككل. أما بخصوص التكلفة، فإن الدولة، بحكم الاتفاقيات التي تم توقيعها مع جميع الشركاء في هذا المشروع، بمن فيهم الفلاحون، ستخصص دعما لهذه التجربة. وبهذا سيتم تخفيف الضغط على الفرشة المائية التي بدورها سيكون لها تأثير وانعكاس إيجابي على الفلاح الصغير من خلال انتعاش الفرشة المائية، وسيكون الجميع رابحا. وأين وصلت الاستعدادات لإنجاز هذا المشروع؟ أجدد التأكيد على أن الهدف من المشروع هو الحفاظ على النشاط الفلاحي بالمنطقة وما يرتبط به من مناصب شغل، وكذا وقف الخصاص الكبير في الفرشة المائية، الذي وصل إلى 60 مليون متر مربع، وعدم تعويض هذه الفرشة سيؤدي إلى تسرب المياه المالحة، وبالتالي موت المنطقة كما وقع بعدد من المناطق. ولتجنب هذا السيناريو السيئ جاء المشروع الذي يحظى بإجماع جميع المتدخلين. أما بخصوص سير المشروع، فقد تم توقيع جميع الاتفاقيات الخاصة بالمشروع، بما فيها الحكومة والجهات التي ستمول المشروع. كما تم توقيع الاتفاقيات مع الفلاحين والهيئات الممثلة لهم، بما فيها غرفة الفلاحة بجهة سوس ماسة درعة. ومن المتوقع أن تعلن طلبات العروض المتعلقة بالمحطة، وكذا مد شبكة توزيع هذه المياه في يونيو القادم بحول لله. وماذا عن دراسة التأثير عن البيئة، خاصة بعد أن تعالت بعض الأصوات بالمنطقة محذرة من الانعكاسات السلبية المحتملة؟ هذا المشروع ليس له أي تأثير على البيئة، وأول ما تم القيام به هو دراسة التأثير عليها. وقد أظهرت الدراسة بأن المشروع سيتم إنشاؤه وفق أحدث المعايير الدولية، التي وصلت إليها التكنولوجيا الحديثة، والتي لن يكون لها تأثير على مستوى البحر ولا على مستوى البيئة المجاورة. وقد تمت الاستفادة من تجارب الدول التي سبقتنا إلى هذه التقنية، حيث إن مشروع تحلية مياه البحر، الذي سيقام بمنطقة اشتوكة، يعد الأول من نوعه في العالم لأنه مشروع مهيكل ويضم عددا كبيرا من الفلاحين، ويتم الإعداد له بطريقة جد متقدمة، سواء من حيث التتبع أو من حيث اختيار الشركات، التي ستشرف على إنجاز المشروع، على اعتبار أنه تحد كبير والمغرب ليس أمامه خيار إلا أن ي نجح فيه.