من الامور الملفتة للنظر عناية كتب التراث الاسلامي على اختلاف توجهاتها بالجنس ، اذ يندر ان يخلو كتاب تراثي ( تاريخي او ادبي ) من مواضيع جنسية، بل ان هناك كتب ومراجع خاصة مكرسة للجنس مثل الروض العاطر في نزهة الخاطر ، ورجوع الشيخ الى صباه في القوة على الباه ، وتحفة العروس ومتعة النفوس ونزهة الالباب فيما لا يوجد في كتاب ، وغيرها كثير .. اما عن الجنس في كتب المنتخبات الادبية فحدث ولا حرج ، اذ تفيض هذه الكتب بقصص الخلاعة والمجون وأخبار الجنس والوطء والشذوذ واللواطة ، ولا بد ان يستوقف القارئ لأحد هذه الكتب (الاغاني والعقد الفريد ونثر الدر وقرى الضيف وثمرات الاوراق والامتاع والمؤانسة والبيان والتبيين وغيرها من ذخائر تراثنا الاسلامي ) عناية ملموسة بأخبار الخلاعة والجنس والمجون ، بل والجرأة في التعبير والصراحة في الوصف ، بل لم تسلم حتى المراجع والمدونات الفقهية من لوثة الجنس !! فكتبنا الفقهية مثقلة بمواضيع جنسية بحتة مثل آداب النكاح الشرعية واحكام الحيض والنفاس وعلامات البلوغ عند الرجل والمرأة وانواع السوائل الجنسية ، هذا فضلا عن التفاصيل الدقيقة للحياة الجنسية للرسول ( مص اللسان ، الملاعبة قبل المضاجعة ، الاستلقاء تحت الفراش عاريا مع زوجته ) بل ان القرآن ذاته يروي قصة يوسف التي تنطوي في احد فصولها على ابعاد جنسية ، وهذا ما حدا ببعض فرق الخوارج الى الزعم بأن قصة يوسف ليست من القرآن لأنها قصة اغراء جنسي تتنافى مع سمو القرآن ( راجع الملل والنحل : 1/154) والسؤال الذي يُطرح هنا : كيف امتلك كتاب ذاك الزمان تلك الحرية في التعبير والجرأة في الكتابة التي يعجز عنها كتاب اليوم ؟؟ وكيف انتج عصر عاش تحت ظل تطبيق الشريعة الاسلامية ادبا وثقافة جنسية صرفة كالتي نقرأها في كتب الادب ؟؟ وبعد هذا كله يحق لنا أن نتساءل : لماذا تثور ثائرة الاسلاميين بسبب عبارة هامشية في رواية ويطالبون بمنعها ومحاكمة الكاتب في حين يفيض التراث الاسلامي بركام من ثقافة الجنس والمجون ؟؟ كيف يتعامى الاسلاميون عن التراث الاسلامي المثقل بثقافة الجنس ويصبون جام غضبهم على ادباء الحداثة والثقافة الغربية تحت شعار : حماية الاخلاق ؟؟؟ واذا جاز ان نفرض رقابة على الثقافة لمنع ما نعتبره خدشا بالحياء فهل يجوز ان نمنع كتب التراث الاسلامي لذات السبب ؟؟ لماذا لا تُمنع كتب مثل الاغاني ومحاضرات الادباء وأمالي القالي ... حماية للاخلاق ؟؟ تحضرني هنا قصة حدثت معي شخصيا ولها علاقة بهذا الحديث ، اذ تربطني علاقة صداقة مع مفتش تربوي ، وكنت مرة في زيارة له في مكتبه ، فوجدت على طاولته نسخا كثيرة من كتاب ( محاضرات الادباء للراغب الاصفهاني ) وعندما سألته عنها قال لي انه قد سعى لدى وزارة التربية لشراء نسخا من هذا الكتاب وتوزيعها على مكتبات المدارس لتشجيع طلابها على قراءته والاستفادة منه ، عندها سألته : هل قرأت هذا الكتاب ؟؟ وهل هو برأيك مناسب لطلاب المدارس ؟؟فقال لي : ماذا تقول !!!!!! كتاب محاضرات الأدباء من انفس الكتب الادبية التي توسع ثقافة الطالب .. يكفي أن تتأمل في عنوانه لتعرف مضمونه ( محاضرات الأدباء ) أما مؤلفه فهو فقيه مشهور . عندها تناولت الكتاب - وانا خبير به وبمعظم كتب المنتخبات الادبية - وفتحت صفحة معينة فيه وقرأت منها هذه الابيات : النيك بالتمييز لا وجه له فلا تكن تيساً شديد البله اياك تستقذر شيئا تره ونك ولو كلباً على مزبلة صدم صاحبي لبرهة ... خطف الكتاب من يدي واعاد قراءة هذه الابيات بصمت .. نظر الي مليا ... ثم نادى مستخدم الادارة واعطاه نسخ الكتاب وقال له : اعطها لأمين المستودع كي يحفظها عنده ... قاتل الله التراث وما حوى !!!..