تسببت حادثة مقتل الدولي الكاميروني ألبير إيبوسي المحترف في صفوف نادي شبيبة القبائل الجزائري في فتح نقاش إعلامي وسياسي واسع حول أسباب انتشار العنف في الملاعب الجزائرية، وعن الجهة التي تتحمل المسؤولية في ذلك. وتعد ظاهرة العنف في الملاعب الجزائرية ظاهرة قديمة لكنها متجددة. فحادثة الاعتداء على لاعب شبيبة القبائل إيبوسي في ملعب تيزي وزو، بمقذوفة أصابته في رأسه ليست الأولى من نوعها، بل هناك حوادث سابقة على غرار الاعتداء بالسلاح الأبيض الذي تعرض له اللاعب الدولي السابق عبد القادر العيفاوي وقبله مدرب فريق جمعية وهران الذي تلقى طعنة خنجر، فضلا عن حوادث أخرى راح ضحيتها المناصرون داخل الملاعب وخارجها. فخلال السنوات الخمس الأخيرة أحصت الشرطة الجزائرية وفاة سبعة مناصرين، وجرح 2717 من بينهم 1589 شرطيا، إلى جانب خسائر مادية معتبرة تتمثل في تحطيم 557 سيارة، منها 270 تابعة للشرطة مع تخريب العديد من المرافق العمومية. إجراءات وحلول حادثة اللاعب الكاميروني وما تسببت فيه من تداعيات سلبية أثرت على سمعة كرة القدم الجزائرية، دفعت وزارة الشباب والرياضة للإسراع في إقرار آليات لاحتواء الظاهرة، من خلال الإسراع في إتمام النصوص التطبيقية لقانون مكافحة العنف في الملاعب الصادر في 2013. وفي السياق كشف الأسبوع الماضي وزير الشباب والرياضية محمد تهمي أن وزارته وضعت خارطة طريق للانتهاء من هذه القوانين خلال مجلس ما بين الوزارات الأخير برئاسة الوزير الأول عبد المالك سلال، وتتضمن الخارطة ما يقارب مائتي توصية أعدتها اللجنة الوطنية لمكافحة العنف في الملاعب. ومن بين الحلول المقترحة لوضع حد للعنف: إعداد بطاقية وطنية للأشخاص غير المسموح لهم بالدخول للهياكل الرياضية، مع تعميم نظام المراقبة بالفيديو عبر كل الملاعب التي تحتضن لقاءات الدوري. من جهة أخرى، أعلنت وزارة الاتصال عن التحضير لحملة توعية بمساهمة وسائل الإعلام بمختلف أشكالها لمحاولة الحد من الظاهرة. الإعلام متهم وفي الوقت الذي تواجه فيه الحكومة انتقادات لعجزها على مواجهة الظاهرة، بلجوئها -بحسب البعض- إلى حلول ترقيعية وآنية لمعالجة المشكلة، تواجه أيضا وسائل الإعلام وخاصة الصحف اتهامات بالترويج لثقافة العنف في الملاعب. وفي السياق، أكد مدير يومية الخبر الرياضية عدلان حميدشي للجزيرة نت أن وسائل الإعلام تتحمل جزءا من المسؤولية فقط. ويعود السبب في ذلك برأيه لنقص الاحترافية لدى بعض المؤسسات وعدم قدرتها على تمحيص المادة الإعلامية وغربلتها للترويج لمسببات العنف. وقال 'هناك بعض التصريحات غير المسؤولة لمسيرين ومديرين ومدربين ولاعبين ومسؤولين في الرابطات أو اتحادات كرة القدم، يقوم الصحافيون باستثمارها من أجل الترويج لأعمالهم الصحفية'. وأضاف 'لما يتحدث أي رئيس نادٍ عن حكم ما بأنه غير نزيه ومرتشٍ، فإن أي خطأ له بأرضية الميدان يتسبب في رد فعل عنيف من طرف الأنصار'. لذلك فإن المشكلة أساسا -في تقديره- تنبع من هذه التصريحات غير المسؤولة. كما لفت إلى أن بعض مراسلي الصحف يقومون بدور سلبي ما بين الأندية، بتحولهم لمناصرين لهذه الفرق خلال أداء مهامهم الإعلامية. وقال 'بعد نهاية أي مواجهة تجدهم طول الأسبوع عوض أن يروجوا لكل ما له صلة بأخلاقيات الرياضة بين النوادي والمناصرين، يقعون في فخ الاستفزازات بين النوادي'. مشيرا إلى أن ذلك يتم 'بإيعاز من بعض رؤساء النوادي خدمة لأهدافهم في إطار الحرب النفسية بين النوادي'. التنشئة الاجتماعية من جانب آخر، يشير الأستاذ المختص في الرياضة بجامعة المسيلة فاضلي بجاوي -الذي ناقش مؤخرا رسالة دكتوراه حول موضوع العنف في الملاعب الجزائرية- إلى أن المشكلة مرتبطة أساسا بالتنشئة الاجتماعية للفرد والمناصر الجزائري. ويرى أن هذه التنشئة تتحمل مسؤوليتها مختلف مؤسسات المجتمع، بداية بالأسرة فالمدرسة فالمسجد، وصولا إلى المجتمع كله. كما اعتبر غياب الجانب المعرفي في المؤسسات التربوية أحد الأسباب، بحيث أصبحت الرياضة المدرسية مثل الرياضة التنافسية ليس لها طابع تربوي. وفي هذا الصدد شدد على ضرورة وجود كتاب مدرسي للتربية البدنية والرياضية لجميع الأطوار لترسيخ الجانب المعرفي الرياضي، مما يؤدي إلى تقليل العنف في الملاعب وفي المجتمع كله.