تستمر رحلة كشف المستور في الأحياء الهامشية الوجدية ، رحلة تحمل أكثر من دلالة ، تسعى إلى لفت انتباه المسؤولين إلى واقع مزر غاب عنهم ، أو أرادوا أن يغيبوه، ما داموا لا يحبذون الخروج من مكاتبهم المكيفة ، فعزمنا نحن بإمكانياتنا المحدودة زيارتها و الوقوف على حجم المشاكل التي يتخبط فيها المواطنون ، مشاكل لا تنتهي منها هشاشة البنيات التحتية و غيابها أحيانا والإجرام بشتى أنواعه إلى درجة أن بعض الأحياء الهامشية تحول إلى أوكار حقيقية لممارسة الفساد و بيع الخمور و المخدرات و ما ينتج عن ذلك من استعمال للسلاح الأبيض لفض النزاعات أو لقطع الطريق على المارة و سلبهم ممتلكاتهم... رغم وعود بعض أصحاب الشأن بإعادة تأهيل هذه الأحياء و حماية المواطنين القاطنين فيها ، إلا أن وعودهم المعسولة تنتهي بمجرد ما تقول صناديق الاقتراع كلمتها ، و تتحول وعودهم إلى شعارات تزين برامج انتخابية سطرت على الورق لتحقيق أهداف شخصية آنية , عزمنا في رحلتنا هذه أن نخوض مغامرة صعود جبل أو "جرف"شاءت الأيدي الخفية التي اغتنت بفضل الترخيص للبناء العشوائي أن تجعل منه مكانا يأوي مئات الأسر المغلوبة على أمرها من النازحين من القرى و المدن المجاورة ، هربا من شح الطبيعة و الفقر و الحاجة ، شاءت الأيدي القذرة أن تجعل من فضاء لا يليق أن يتحول إلى تجزئة سكنية ، مأوى للعديد من الأسر و العائلات، اصطلح على تسميته "حي الجرف الأخضر "، اعتلت المنازل " الجرف" و تناثرت بين منعرجاته و هضباته و انحداراته و تحول المكان إلى لوحة سكنية مشوهة ، شوهتها الرشوة و قتلها انعدام الضمير و استغلال النفوذ, ارتفع الحي الهامشي بارتفاع " الجرف" و بات وسمة عار في جبين المسؤولين تتراءى للعيان من بعيد و من زوايا مختلفة ، تظهر معالمه المعلنة عن مأساة اجتماعية من حي سيدي يحيى و حي عمر البوليسي و من أسواق مرجان , بنية الحي فريدة من نوعها ، تجعل حركة التنقل به جد صعبة على الراجلين و السيارات والحافلات التي لا يمكن أن تصل إليه ، ما يجعل الساكنة تعاني الأمرين في التنقل و الوصول إلى أسواق المدينة خاصة في فصل الشتاء حينما تمطر السماء عندما تتجول بين دروبه و أزقته ، يخيل إليك أنك ابتعدت كثيرا عن الحضارة و المدنية الحديثة ، قد تتخيل أنك وسط قرية من قرى الأطلس المنعزلة غالبية الأزقة غير معبدة ، في فصل الصيف يتناثر الغبار من كل جانب وفي فصل الشتاء يمنعك الوحل من أن تحافظ على أناقتك و أعصابك ، سرعان ما تغوص رجلاك في الوحل ، و لا تجد من حل سوى أن تسب و تشتم الإقصاء و التهميش, الظلام هو السائد ، و الظلام بحي " الجرف الأخضر" أنواع و أصناف ، ظلام الجهل و الأمية و الهدر المدرسي ، فحسب جمعية الجرف الأخضر للتنمية ، يعرف الحي أعلى نسبة من الهدر المدرسي ، لآن التلاميذ لا يستطيعون مواصلة الدراسة في الإعدادي بسبب غياب وسائل النقل ، وبعد الحي عن الإعداديات و الثانويات إضافة إلى خطورته لأن الطريق التي تؤدي إلى المؤسسات التعليمية غير آمنة بتاتا و يصعب السير عليها في فصل الشتاء حينما يحل الظلام مبكرا و تكون الأجواء ممطرة ، و هنا نتساءل ما فائدة البرنامج الاستعجالي للتعليم إذا لم ينقذ أطفال حي الجرف الأخضر ؟ ما الجدوى من الشعارات الفارغة ؟ الحلول موجودة و لكن الإقصاء موجود كذلك ، و حسب جمعية الجرف الأخضر للتنمية يكفي أن تطالب النيابة أو الأكاديمية بإيصال الحافلة إلى الحي ، لكن يبدو أن انشغالات المسؤولين المحليين أكبر بكثير من هموم ساكنة حي الجرف الأخضر إضافة إلى ظلمة الجهل و الأمية ، يعرف الحي نسبة عالية من البطالة و قد حاولت الجمعية التي تنشط بالحي أن تخفف من هذا العبء حينما برمجت مشاريع في إطار المبادرة الوطنية للتنمية البشرية ، لكن المشاريع التي خلصت الحي جزئيا من العربات المجرورة لم تكن كافية لامتصاص الكم الهائل من البطالة, حي الجرف الأخضر من الأحياء التي تراكمت فيها المشاكل ، التي أدت إلى الاستسلام المسؤولين المحليين للأمر الواقع ، و الاكتفاء بالروتوشات أو الحلول الترقيعية و هذا ما نلمسه أيضا على مستوى الإنارة العمومية ، إنارة غير كافية لأزقته الضيقة ما يشجع على انتشار الجريمة و سيطرة الخوف على الساكنة ، و نسجل مرة أخرى غياب مؤسسات تعليمية باستثناء مدرسة استقرت بين مرتفع و منحدر ما يوحي بأنها تمثل نشازا بهذا الجرف ، منظرها و طريقة بنائها و مكانها لا يبعث على القراءة و التعليم و بالتالي لا نستغرب إذا نفر منها الأطفال حي الجرف الأخضر يتوفر على متنفس وحيد ، هو المركب الاجتماعي و الثقافي و الرياضي يقصده بعض السكان من أجل الترويح عن أنفسهم أو الاستفادة من بعض وظائفه وخدماته ،و تنشط به جمعية الجرف الأخضر للتنمية التي لا تدخر جهدا من أجل تأطير الشباب و الأطفال و النساء و الرجال ، و تعمل على إعادة تمدرس الأطفال عن طريق برنامج التربية غير النظامية ، إلا أن الكثافة السكانية المرتفعة و النمو الديموغرافي المتصاعد يجعل الجمعية أمام تحديات كبيرة بل يجعل الحي بكامله إمام إكراهات تستوجب التدخل العاجل من المسؤولين المحليين وهذا ما ينتظره السكان حيث ألحوا أثناء تواصلنا معهم على ضرورة رفع رسالتهم و ندائهم إلى المسؤولين للوقوف بجدية على مشاكلهم اليومية و العمل على إيجاد حلول جدية و ليس ترقيعية ,