في الخمسينات والستينات عشنا طفولتنا التعيسة..،وكانت تسليتنا في الحارة لعبة السبع جور ،واللي بتحيا على ضوء القمر ،و حدر بدر ،والحيبة ،والدواحيل من أغطية الكازوز.. ،والطائرات الورقية من أطباق و بلالين نعملها بأيدينا ونلزقها بعجين ونطيرها ،و (صماتة) الصيف تشوي أقدامنا الطرية..!! كنا بالكاد نسمع عن الراديو ،وتمثيلياته ،وأغانيه ،ولم يكن التلفزيونقد وصل بعد بصوره المتحركة ،وأفلامه ،ومسلسلاته.. كان عالمنا لا تتعدى مساحته مساحة كرت التموين.. وافقه تحجبه عصا المدرس الجبار ،وفقر الحال... ،ومذاقه بطعم الدقة والفلفل الأحمر والخبز الحاف..!! أقصى أحلامنا كان خلوة شرعية مع خمس أقراص فلافل و حبتين بندوره..!! لم تكن لنا طفولة بالمعنى الحقيقي..ولكن كان لها رغم ذلك طعم أفضل من طفولة النت ،والفيس بوك ،وشوكولاته جلاكسي...!! في السبعينات ... عرفنا التلفزيون عن قرب ،وبهرنا من ضمن ما بهرنا فيلم الكرتون(توم وجيري) بعداوتهما الأزلية وحركاتهما المضحكة.. كان القط توم يعتمد على قوة أنيابه ومخالبه ،ويستضعف الفار جيري الذي كان بذكائه وحيلته يجعل توم مسخرة ومضحكة...!! كنا ونحن في العقد الثالث من عمرنا ..نحاول أن نستعيد طفولتنا الضائعة ،فنجلس مع الأطفال أمام التلفزيون ونهلل في حضرة توم وجيري..!! يبدو أننا ونحن قد توقف القطار بنا في نهاية العقد الأول من الألفية الثالثة لم نغادر هذا المسلسل الكرتوني الشهير الذي بات يعرض علينا يوميا وبشخصيات حية في إطار الصراع السياسي بين ضدين...!!يسيطران للأسف على لحظتنا ويطبقان على أنفاسنا..!!في الماضي انتصر جيري على توم بعملياته التفجيرية داخل ال48 التي قوضت أوسلو ،و انتهت بغزوة شارون الشهيرة للمقاطعة وبيت لحم وجنين وانتصر أيضا بذكائه ،ونعومة جلده على خرابيش توم في الانتخابات قبل 4 سنوات..!!أما اليوم....فنحن نعرف ،ونعايش الحقيقة ،ونواصل مشاهدة الفيلم هاهو(توم ) من بعد فشل المفاوضات غير المباشرة يقوم بضغط أمريكي ،و مباركة عربية من باب (خلصونا) بالدخول في مفاوضات مباشرة..!!مفاوضات ملغومة على حبل من صوف فوق بحيرة تماسيح بينما يظهر (جيري) النائم فجأة ،وفي توقيت ذكي بمقص (المقاومة )في الضفة .. يقطع جيري الحبل... يتدلى توم فزعا من هول ما أصابه...!!يا للأسف...انقطع الإرسال بسبب انقطاع الكهرباء..!! وتلفت كل من دفع ال170ش حوله..وكأنك يا بو زيد ما غزيت سأحاول في عتمة الحال أن أكمل الفيلم من توقعاتي القابلة للصواب والخطأ...توم الفلسطيني الذي يعاني من مغص مزمن بسبب تحيز الأمريكان وبرود الأوربيان، وجلافة الإسرائيليان ،وموات العربان..ليس أمامه إلا أن يفعل ما يفعل..، فلا بديل أخر أمام عباس إلا المفاوضات أو الاستتابة على يد حماس..!! من هنا يجد أنصار طاولة المفاوضات أنفسهم معنيين هذه المرة بانجاز شيء ملموس ،وان الفشل يعني غياب سلطة رام الله بكاملها ،واحتمال أن يصل إسماعيل هنية إلى المقاطعة في موكب النصر الحافل ..!! حزب المفاوضات سيستميت في سبيل ألا يستيقظ في صباح يوم قريب فيرى نفسه في خبر كان..!! وتصبح رام اللهغزة ثانية تعج بشرايين الحياة وبأساطيل من خيرات تركيا وجلوي وإيران ونعم طالبان..!! لذلك فان المفاوضين في رأيي سيضيقون الخناق على كل ما هو اخضر في الضفة أكثر فأكثر ،ويعصرونهم بشكل لم يسبق له مثيل خاصة بعد ضربتين مفاجئتين تحت الحزام ، وفي أشهر المفاوضات الحرام ،مما سيكون له أثرا مأساويا على خضر الضفة قطعا.. ،مع ان تصريحات قادة حماس في دمشقوغزة توحي بان تحرير الضفة بات قريبا..!! فقد تم سحب البساط ...ولم يبق إلا كنس البلاط ..!! كما ،وسيجتهد المفاوضون في تطويع نتنياهو تفاوضيا بعض الشيء في الأسابيع الأربعة الأولي القادمة..،لكي يجدوا إن وجدوا ما يقدموه للرأي العام بما يضمن لهم معنويا الاستمرار في المفاوضات دون إزعاج ،أو ضربات غير متوقعة..!! أما حزب المقاومات.. ،فانه بالمقابل سيستمر في إطلاق المزيد من صواريخ التهديدات والتخوينات باتجاه المقاطعة مصحوبة بزخات من التشكيك في نجاح المفاوضات التي تفرط حسب رأيهم في كل الشعارات ..!! وهم لن يقاوموا من غزة فهي محررة كما يقولون بالانتصار على بني يهود ،وبني عرفات ،وأعوان الحصار ..!! ولا حاجة لإزعاج ناموس الهدوء و الاستقرار ....!! لكن لن يدخروا جهدا في الإيعاز إلى قسام الضفة بالقيام بعمليات نوعية مهما كانت العواقب المهم..أن تؤدي في النهاية إلى موت المفاوضات سريريا على الأقل ..لأن نجاح هكذا مفاوضات إن حدث سيكون على حساب وجود المتحمسين في غزة ..!! من هنا ،فان الصراع بين توم وجيري سيحتدم ،وسنشاهد المزيد من التمزقات و المماحكات والمناكفات والتجاوزات والمضايقات..لا استبعد أن تنجح المفاوضات .. ،وبنفس القدر لا استبعد أن تفشل لان احتمالات المفاوضين والمعارضين الآن متعادلة.. لا استبعد أن ينجح عباس فيما يتوقع الآخرون فشله فيه من منطق ألا مستحيل في عالم السياسة فالضرورات تبيح المحظورات في فقه المصالح.. وإلا فان الرجل سيكون خارج التغطية ،ولا يمكن الوصول إليه.. ،ولن تقام له حتى مباراة اعتزال..!!أما فياض و عريقات و أبو ردينه فسيكونوا في حالة انعدام وزن وقد يبتلعهم ثقب اسود إلى الأبد..!!ورام الله إن سقطت ستدفع مضاعفا ثمن خطاياها الثلاث في حق المقالة وهي المفاوضات ،والاعتقالات ،والصلاة دون المساجد في الساحات..،ولن يكون العقاب بأقل من النفي و التشريد كما ورد في خطبة العيد..!! لا استبعد بالمقابل ان يحتفل ليبرمان ،وتحتفل حماس قريبا -كل على طريقته- بفشل المفاوضات ، وبالتالي ستصبح حماس بلا منازع المرشح الأول والوحيد أمام الأمريكيين، والرباعية الدولية، والإسرائيليين للتفاوض خاصة ،وأنها قدمت نفسها أكثر من مرة كمفاوض فلسطيني بديل أكثر والتزاما ،وسخاء وشرعية، لأنها تستند إلى مادة 2006 من قانون االلعبة الانتخابية، وأنها كذلك جاهزة بتفاهمات د. احمد يوسف السويسرية..!!هذا السيناريو لكي يكتمل.. يتطلب فقط تقليم أظافر ايران..كيف ؟ الله اعلم..أمريكا وإسرائيل لن تخسرا شيئا في حال فشل المفاوضات الحالية لأنه في أسوأ الأحوال سيتم استبدال مفاوض فلسطيني بأخر.. ،و الخاسرون الحصريون الوحيدون فهم العباسيون والمصريون والسعوديون..!!إن ما حدث ويحدث أحيانا من تفاوض سري بين الأمريكان وطالبان بوجود كارازاي يؤكد أن الأمريكان وحماس لديهما البراجماتية الملائمة ،والكافية للوصول وبسرعة إلى طاولة مفاوضات جديدة..!! ،فحماس تعتبر نسبيا حسب الخارطة العقائدية على يسار طالبان بمعنى أنها أكثر اعتدالا وأسرع تكيفا واقل تشددا..!! وهي فرع المفاوضات الأخضر وليس اليابس كما قال احد قادتها.المهم ..أن شعبنا يسعى إلى الخلاص سواء كان من خلال مفاوضات عباس ،أو مفاوضات حماس.. بس لا أقبل من عاقل يحترم عقول الآخرين ويحترم الواقع و نفسه أن (ينط )لنا من داخل الفيلم الكرتوني ملوحا بشعارات المقاومة ..!! أما المنافقين المكروهين من طوب الأرض .. فلهم أن يهتفوا و يطخطخوا صباح مساء .. ،وقادم الأيام سيبين للأنام رائحة الطابون من رائحة الفساء..!! أنا شخصيا أموت في المقاومة لو أنها موجودة فعلا.. فدرهم مقاومة خير من قنطار مفاوضات.. ،لكن المقاومة ليست بإطلاق الشعارات فقط ،وتسخين الناس ..بصاروخ تائه هنا ،وصاروخ ممنوع هناك...!! من منا يكره أن يستيقظ صباح غد ،وقد تحررت فلسطين من النهر إلى البحر بمقاومة صادقة باسلة..!! بس بلاش نضحك على بعض ، فالمقاومة عمليا ،ومنذ سنتين (تعيشوا انتو)..!! ومن الآخر ،فان ما حدث في الخليل يندرج فقط في إطار محاولات حماس لإفساد مفاوضات عباس ..!!أنا كفلسطيني لست قلقا على مستقبل الوطن عندما اسمع زعيما فلسطينيا واثقا يتحدث عن بشائر انتصار قريب..!! بل اشرب الخروب وأقول يا رب بأ توب...!! لكني مع ذلك لا استطيع أن اخنق صوتا داخلي يقول: يا مولانا ...ستون عاما ،ونحن نسمع عن هذه البشائر..!!لم نر شيئا.. ،بل يزداد حالنا سوءا ،وكأننا نمشي على همومنا بالمقلوب.كيف نقتنع اذن بما يقال ...؟!! ،وغزة تأخذ (عيديتها) من إسرائيل بصمت وعلى قاعدة ..مقابل كل صاروخمجهول ..قصف وحشي موسع و مهولإذن هكذا تمضي الأمور ، وتتوالى الأيام والشهورومع توم وجيري نبقى رغم أنوفنا من عيد إلى عيد إلى عيد..حتى يطفح بنا الكاس..!!