الكتابة النسائية شغلت حيزا في النتاج الأدبي، سواء أكان شعرا ام نثرا، وكانت الوتر الحساس الذي يتأثر بحركة الواقع، و يؤثر فيها، و نجد نخبة من الروئيات الجزائريات أمثال"ليلى الصبار، آسيا جبار، مليكة مقدم"، وغيرهن ترى أنهن أعطوا اهتماما كبيرا للمرأة في كتباتهن، وكانوا أكثر تصويرا وتمجيدا للمرأة فصورها بعدة صور لكل منهن نظرته الخاصة بها نخص المقال برواية "الممنوعة لمليكة مقدم" ونتبع مدى تصويرها لواقع المرأة الجزائرية. كان الأديب الجزائري على وعي بمدى ارتباط حركة المرأة العربية الجزائرية بالمجتمع والقضية الوطنية؛ بوصفها قوة فاعلة ومؤثرة في مسار حركة البناء والتحرير،إضافة إلى كونها نبعا فنيا ثريا بالدلالات الموحية والمعبرة. وفي هذا التحليل نحاول الوقوف على صورة المرأة الجزائرية، وإبراز مكانتها ودورها وهي تقف إلى جنب الرجل وتشاركه رحلة الكفاح، وتؤازره في معركة الصمود والتحرير، ثم نقف على مجمل القضايا والمفاهيم والأفكار، أهم القضايا التي عالجوها في المرأة؟ هل نجحت الكتابة النسائيةفي تصويرها للمرأة عن نظيرها الكاتب؟ مدى ارتباط النصوص الأدبية النسوية الجزائرية المكتوبة بالفرنسية بمعالجة القضايا الاجتماعية للمرأة؟ تعود بدايات تجريب الكتابة الأدبية عامة بظهور نصوص ليلى بعلبكي وكوليت الخوري وغادة السمان وغيرهن من رائدات هذا النمط من الابداع الأدبي في مطلع الخمسينيات وهي نصوص رافضة لوضع المرأة العربية في مجتمعات تكرس سلطة الرجل وتستلب وجود المرأة. و قد كان لظهور هذا النوع من الكتابات عن المرأة إعادة قراءة الأدب باحثا عن صورة المرأة والرجل فيه،بغية الكشف عن مظاهر الهيمنة الأدبية أو الذكورية على حساب المرأة. وهي النقطة التي اتخذت ذريعة للبحث عن أدب نسوي ونقد نسوي. تيار النقد النسوي والأدب النسوي ينتميان إلى تيار سياسي واجتماعي أوسع هو البحث عن التغيير الاجتماعي الذي من أهدافه تحرير المرأة والانتصار لحقوقها المسلوبة؛ نتيجة تسلط الثقافة الذكورية، ويلحظ من قراءة الخلفيات الاجتماعية للحركة النسائية على تفاوت مستوياتها؛أن صاحباتها يعتقدن بأن المرأة لقيت ظلما وتجاهلا في الأدب العالمي على امتداد تاريخه الطويل في جميع المجالات الاجتماعية السياسية الابداعية. حيث لم يتح لها التعبير عن أرائها النقدية التي قد تكون مخالفة لآراء الرجل . فالمرأة هنا تبحث ابراز قدرتها في التعبير عن نفسها بلغتها الخاصة ،أي لغة المرأة وذلك بوعي وحرية تامة. تصور الناقدة يمنى العيد لإشكالية أدب المرأة أو الأدب النسائي ومقاربتها النقدية لها، تقوم على دور الواقع الاجتماعي في عملية ابداع المرأة والتعامل مع الأدب كانعكاس مباشر للواقع .وهذا لا يعني أنه المرجع الوحيد في إظهار ملامحها الأساسية، ودون اغفال المرجعية اللغوية التي تستخدمها المرأة في صياغة كتاباتها الأدبية لإثبات هويتها كأنثى وقدراتها الفكرية في مجتمع ينظر إليها نظرة دونية. أما الناقد حسام الخطيب في بحثه عن الرواية النسائية في سوريا، فهو يحدد مصطلح الأدب النسائي من خلال التصنيف الجنسي وليس من خلال المضمون وطريقة المعالجة، فيقول:"تثير المصطلحات الدارجة مثل الأدب النسائي،أدب المرأة كثيرا من التساؤلات حول مضمونها وحدودها، وفي الأغلب تتجه الأذهان لدى سماع هذه المصطلحات إلى حصر حدود هذا المصطلح بالأدب الذي تكتبه المرأة" . أي بتحديده من خلال التصنيف الجنسي لكتابه لا من خلال طريقة المعالجة فهو بهذا يرفض مصطلح الأدب النسائي أكثر من قبوله. والدليل على رفضه هنا أنه يقول :"ان هذا النمط من الكتابة ليس حكرا على المرأة حتى تختص به دون غيرها، بل هناك كثيرون أولوا القضايا الخاصة بالمرأة مثل احسان عبد القدوس" . أما الكاتبة "خناثة بنونة" حيث تقول:"اعتبر هذا التصنيف رجاليا من أجل الابقاء على تلك الحواجز الحريمية الموجودة في عالمنا العربي وترسيخها وتدعيمها حتى في الإبداع، مع العلم أنني أرفض هذا التقسيم على أساس أن الانتاج يعطي نفسه ويملك الحكم عليه فيما يقدمه، دون اعتبار للقلم سواء كان رجاليا أو نسائيا" .فهي هنا ترفض مصطلح الأدب النسائي وتعتبره تصنيف ظالم مدين للمرأة . يتفق حسام الخطيب مع يمنى العيد وخناثة بنونة بشأن اقران الأدب النسائي بالشرط الاجتماعي وتقدم الوعي فيه،أي كلما تقدم المجتمع أو ازداد الوعي الاجتماعي تضاءلت الأهمية الذاتية لخصوصية الأدب النسائي.لأن مشكلات المرأة الخاصة تصب في المشكلات العامة للمجتمع. خلاصة القول بهذا الصدد إن التذبذب في تناول مصطلح "الأدب النسائي" قد قوبل بالرفض أكثر من القبول. فمواقف النساء الكاتبات اتفقت كلا على رفض التسمية،لما تحمله من مرادف يحمل مفهوم حريمي يحتقر المرأة ويجعلها تابعة للرجل وهو المفهوم الشائع في الوطن العربي. كما أن رفض مصطلح الأدب النسوي أو أدب المرأة أو الكتابة النسائية راجع الى قصور في مقاربة هذه الكتابة وتصورها من الخارج دون السعي إلى تناولها من الداخل والبحث في انساقها الفكرية والجمالية. إن المتتبع للنشاط الأدبي والسياسي في الجزائر قبل الثورة يجد انعدام دور المرأة فيه واضح فلا أثر ولحضورها سواء في الحركة الثقافية أو في أي نشاط ذي طابع سياسي أو نقابي. فقد كانت المرأة الجزائرية تعيش في وضع اجتماعي مغلق محاصرة بالتقاليد والجهل والتهميش، تتحرك في عزلة بعيدة عن أي اتصال بمثيلتها في الأقطار العربية الشقيقة التي عرفت حركة نسائية في وقت مبكر، ولعل بروز هذه الحركة النسائية، في المشرق العربي والتي أثمرت بعد جهد كبير وعمل طويل"-أولى معالم الأدب النسائي في مصر الحديثة-فكان له الصدى الايجابي في التقليل من حدة نظرة المجتمع الدونية للمرأة في الجزائر" . ولقد ساعد النقاش الذي ثار حول المرأة آنذاك بين المحافظين والمناصرين لقضيتها على الشعور بأهميتها في المجتمع، حيث أثمر المخاض فيما بعد ظهور حركة ثقافية متواضعة باللغة العربية، بدأت ب زهور ونيسي سنة 1954 على صفحات البصائر العربية واستمرت بعد ذلك مع مجموعة من الأدبيات . إن الأدب ليس استنساخا أليا أو انعكاسا مرويا للواقع الاجتماعي ولا هو تعبير غنائي ذاتي، بحيث يحاول الأديب بواسطته اعادة تشكيل الواقع كما هو بكل ملابساته وتناقضاته أو يسعى لتأويل مستويات التداخل فيه لتقريبها إلى المتلقي. كما أنه لا يستطيع في أي حال من الأحوال أن ينتج أدبا انسانيا خارج رقعة الجغرافيا البشرية، فالتخلص من أثر الواقع يبدو أمرا مستعصيا، إذ العلاقة بين الأديب والواقع حاصلة بشكل أو بأخر وهي لا تتوقف عند حدود الكشف والتصوير بآليات معينة، بل تكمن في وظيفة خاصة تؤهل الأدب ضمن البناء الفكري العام للمجتمع لامتلاك الواقع، انطلاقه من أجزائه قصد الكشف عن تلك اللحظات والمواقف التي تعبر عن مشاعر الإنسان ومطامحه وعن مكانته في الكون ومصيره وتجاوز صورته للغوص في أعماقه . كانت المرأة في بداياتها تصارع ضعفها وخوفها، وإن بدت عنيدة متحدية من خلال ما تعبر عنه من مواقف رفض التمرد، والثورة على السائد من الأوضاع قيود، أعراف وضغوط وشعور بالعجز عن الفعل والحركة، في سبيل رسم كيان مستقل وتحقيق الذات ومحاربة كل ما هو متعلق بالتخلف. فترة احتلال الجزائر صورة المستعمر وما يمارسه من أشكال القهر وألوان التعسف، من خلال ما يقوم به من نهب وسلب لخيرات البلاد، وما يتسبب فيه من بؤس لأهاليه وقسوة في المعاملة، تدرك مدى النفس في التنكيل بهم وبخاصة المناضلين وهذا ما يفسر موقف عداء المرأة له وانضمامها لصفوف المقاومة للتخلص منه، هذا ما تقوم به من أدوار مساندة لنضال الرجل . مثل تخبئة المقاومين، أو مساعدتهم على الهروب، توزيع مناشير يكتبونها، ايصال السلاح للمجاهدين، تنظيم مظاهرات، هي أدوار جسدت في كثير من الروايات تبرز دور المرأة في المجتمع أثناء الاحتلال. المتمعن في النظر لمكانة المرأة بعد الاستقلال يلمس الفرق بين الفترتين إذ في هذه الفترة أصبح لها حقوق ومفاهيم، بعد ما كانت محرومة، كان حظها الجهل، والكبت رغم الجهود التي بذلتها لتحسين حالتها كلها، وهذا منذ حرب التحرير، لكن بعد الحرب أدانت الاستقلال فبدل أن يمثل مكسب لها جلب لها الخسارة. البحث عن الذات وتحقيقها لا يتاتى إلا بغياب البدائل فيكون السبيل الوحيد هو البحث عن العمل ومحاولة التعلم، واثبات ذاتها بنفسها، ومحاولة سماع صوتها، والدفاع عن طموحاتها، ونزواتها أحيانا، فتح أبواب الأفق للمرأة، تعلم المرأة، ودخولها حقول العمل، سهل عليها من أن تقول جهرا ما كان سرا والارتقاء لتصبح شمسا تنير درب سائرها. ندرس هنا في مسار التحليل رواية "مليكة مقدم" الممنوعة وهي رواية حاملة لتاريخ ولمراحل وفصول من حياة الكاتبة في الجزائروفرنسا، وإن كانت تركز كما في العنوان "الممنوعة" على المحرمات المفروضة على المرأة الجزائرية آنذاك، أي اختزال الحياة الشخصية كلها في صفحات محدودة، أرادت من خلالها أن يرى القارئ الرؤية الذاتية لها في مسألة الذكورة والأنوثة، في مجتمع نشأت فيه وتفتحت جسديا وفكريا، وتكونت فيه شخصية الكاتبة مع مجمل رغباتها، والموانع القائمة في بيئة قاسية في عمق صحراء الجزائر. وهي رواية تحمل ضحكات صامتة، حياة حزينة قاسية، سيرة مليئة بأحزان وخيبات، جروح، ثقل، مآسي، صورة عن ذكريات تتناثر أحرفها هنا وهناك، محاولة من خلال شخصيتها المحورية" سلطانة" أن تعيد اليها الأمل من جديد في شكل رثاء لزمن مضى، مخفى مستتر في زواية لكن بيقي مضيء تارة ومظلم اخرى. تبدأ أحداث الرواية من الخمسينات حيث تتلقى تعليمها وتتعرف على نفسها وجسدها دون أن تنسى مزالق الحياة، هي حكاية "سلطانة" الطبيبة الجزائرية التي غادرت بلدها مسقط رأسها الصحراء منذ خمسة عشر سنة إلى فرنسا ، فما عرفته من قسوة الحياة في تلك المنطقة الجافة وسنوات مراهقتها المتمردة ودراستها الجامعية القائمة على التحدي كان كافيا لتفهم أن تحقيق كيانها كامرأة وانسانة بالعيش ببلد أكثر انفتاحا وعدم مغادرته نهائيا، ولكن مفارقات الحياة، ماضي يعود، استفاقة من سبات عميق، حنين لذكرى ياسين الصديق، الشخص الذي تنتمي إليه حينما يملأ حياتها الحزن والأسى، حينما تصفعها الدنيا بقسوتها وظروفها، هو المكان الذي يجد قلبها فيه الراحة من التعب، هو من تبوح له بأسرارها وتناهيد آهاتها ويضمد جروحها. لكن نتصدم بألم عميق، سواد يسبغ قلب سلطانه وفاة ياسن قبل يومين بسكتة قلبية لتكون العودة للصحراء لمنطقة الرمال. العنوان :هو الشفرة بين المرسل والمتلقي، هو البوابة الأولى التي يعبرها المتلقي نحو النص وهو مفتاح يقودنا إلى تحديد موضوع الرواية. يربط بين الروائية ونصها سواء حمل عبارات دالة أو غيرها من ألفاظ تحيل إلى الروائية وتجعلها متلاصقة بنصها. يحمل عنوان "الممنوعة" L'interdite لمليكة مقدم كثيرا من الأبعاد والدلالات تفتح العديد من التساؤلات هل اختيارها لهذا العنوان فيه ما يقنع القارئ؟ فالكاتبة باختيارها لصيغة المعرف في عنوان روايتها تبدو وكأنها تنسب المنع إلى نفسها أو تجعلها تدور في فلكها بالذات، وهو دلالة على خروجها من عقدة النقص التي تحكم البعض في مجتمع ذكوري. كما أرادت أن تري القارئ الرؤية الذاتية لها في مسألة الذكورة والأنوثة في مجتمعها وهي تؤكد ب "أل" و"التاء" لتأكد على مدى قهر وحرمان والظلم الذي تعيشه المرأة في ظل مجتمع قاهر متخلف، لتظل الأحداث أكثر التصاقا بها وبهن. الذاكرة هي المحرك الأول الذي تبدأ به الروائية لتستهل به الرواية، مرارة الفراق واستحالة العودة للوطن، موت ياسين يحي ذاكرة سلطانة، ويطلق حرارة اللسان ويعيدها من المنفى للقهر و لأرض السودا تقول:"لم أكن أتصور أبدا بأنني أستطيع العودة يوما إلى هذه المنطقة. ومع ذلك لم أبتعد عنها بشكل نهائي أبدا كل ما فعلته هو أنني ألحقت الصحراء و الحزن الشديد إلى جسمي المهجر وبقيت مجزأة بينهما" . فهذا يعيدها حاملة الجرح الأليم، العودة إلى بلد رغم الانفتاح المزعوم إلا أن معظم دوائرها تسودها الهمجية و العقد والنظرة الدونية للمرأة ولا تسامح، مجتكع اسلامي يمقت المرأة ويحتقرها. يبدأ الصراع و المواجهة مع أطفال بألسنة جارجة يعبونها بألفاظ بذيئة، تشبههم بأطفال الشوارع،تقذفها بألعن الأوصاف "العاهرة" تقول في نفسها:" لم أنس أن أطفال بلادي يملكون طفولة مريضة، منحلة، لم أنس أصواتهم الشفافة التي لا ترن إلا بأغلظ الفواحش. لم انس انهم، و منذ الطفولة المبكرة، لا يكتسي الجنس الآخر في رغباتهم إلا صورة شبح مبهم يهددهم. لم أنس عيونهم الملائكية، في حين أن أفواههم لا تلفظ إلا أقذر الحماقات. لمة أنس أنهم يضربون الكلاب ضربا مبرحا. لم أنس أنهم عدوانيون لأنهم لم يتعلموا المداعبة و لو بالنظر فقط، لأنهم لم يتعلموا الحب. نعم، لم أنس و لكن الذاكرة لا تقي ضد شيء." سائق السيارة لا يمل من التحديق فيها باحتقار"..اكتشفت عيونا أخرى لا تأبى مفارقتي. إنها عيون سائق التاكسي" ، وحاكم القرية السيد بكار وتابعه علي مرباح من جناح الاسلامين،"بكار، أمير الفيس في المنطقة،…علي مرباح، شريك بكار. ترابيندست مسوس" . يرفضان، أن تسير في جنازة ياسين،تقول:" كان رجل يلتفت خلفه باستمرار، في عصبية ظاهرة. كانت نار عينيه بلا غموض. توقف و عاد على عقبيه، متجها نحوي…سيدتي، لا تستطعين المجيء.ممنوع…الله يحرم ذلك" ،وفي النظرة المزدرية للمرأة لإمرأة ، جاءت من الخارج وتحمل معها فكرا مغايرا لتقاليد بينها تلك تعيد هذه المواجهة سلطانة إلى الماضي نفسه، وهي تتحاور مع زميل لها صديق ياسين اسمه صالح، عن تلك الفترات القديمة وما الذي حدث بعدها ، ويقول لها صالح:" نعم، و قبل كل شيء كي نسمم أنفسنا في المنبع. لم نتوقف عن قتل الجزائر شيئا فشيئا، امرأة بعد امرأة. إن طلبة جيلي من الذكور، النخبة الزعيمة". أما هي فتسخر منه بلا مبالاة، ولكن بقلب مصدوم دائما بألم نافذ وجرح مشرع على التأهل واليأس، تستقر سلطانة في عين النخلة رغم الظروف تتعرض سلطانة في أيامها الأولى في القرية لحرب دعائية يشنها حاكم قرية بكار، أشاعات وتهديدات، تقول:" أنت محظوظة لأنني بحاجة إليك و إلا لبعثت لك الدرك! .. تشربين الكحول و تنامين معه! قال مشيرا إلى صالح بحركة رأس متعالية،…يكفي بتهديداتك! اخرج من هنا". غير أنها تقاوم ذلك ببسالة لسبب بسيط هو أنها ترفض أن تكون ممنوعة في وسط قريتها في بيتها، ولأن المعركة التي جعلتها تقر منذ خمس عشرة سنة والاشاعات التي لاحقتها كل هذه الفترات لا بد من مصارعتها بحدة وبقوة ولا تستسلم رغم نصح الناس لها في رأس النخلة، " واش حبيت اديرلها لسلطانة مجاهد؟ تشربلها المرار كيما يماها المسكينة؟ – هي ما تقدلهاش سلطانة امرأة حرة متعلمة، وهذا الي ردك مكلوب؟ رغم الحقرة كاين جزائريات فحلات هاه هاه، هذا يدوخك" ، لأنه لا يمكن أن تعيش امرأة حرة تكون نموذجا لنساء قابعات في ظلام الهامش وسواده المخيف تقول:" لم يكفيك تعذيب نسائك و رميهن في الشارع؟" . هي هنا وهذا ما نجده عند "ناديا سليمان" في مقالتها الموسومة بالنظرة النسوية في كتابات "مليكة مقدم"حين قالت:"وفق سلطانة،ان الحياة الاجتماعية للمرأة و التي وصلت الى درجة من التهميش.و ذلك بسبب المجتمع الذي عظم من سيادة الرجل على المرأة و بسبب جنس الرجال الذين دنسوا المراة بطرحهم غير العادل" . هي دلالات عن جبروت الرجل والعتادا والتقاليد التي تجزم بمثالية الرجل ودونية المرأة. احتارت حروفها من وضع يمتص من المرأة الحياة بدل اعطاءها ليبقى جرح الزمان. على لسان "سلطانة مجاهد" و"فانسان" بطلا الرواية تسرد مليكة واقع يشوب خطابه الخوف من مستقبل غامض مبهم، وتنهي روايتها ببصيص أمل، فعندما يحرق حاكم القرية بيت خالد، تقوم النساء بالقرية بإحراق مركز البلدية الذي يترأسه،"لا تبقوا هنا، الوضع خطير. لقد أحرق مرباح وجماعته منزل الطبيب. والنساء، بعد أن أخبرهن الأطفال بما حدث، أحرقن بدورهن مقر البلدية. توجد معركة ساخنة بوسط القرية". بداية وعي، أم أمل خافت في التغير.تقول سلطانة لخالد:" سأسافر غدا، قل للنساء بأنني أتضامن معهن حتى وأنا بعيدة". هنا هي تكتفي بالحلم، وترك الواقع لتبحر وتغوص متأملة بمستقبل قادم. فعودتها (سلطانة) من الماضي إلى الحاضر، التغيير غير المتوقع والحال على حالها تشبه السماء الغائمة لا هي ممطره ولاهي صافية حال غير معروف نتاجها، رغم ذلك. بعد هذه الرحلة البسيطة في رحاب عالم المرأة ، و بعد رصد صورتها، و تتبع أبرز قضايا وأفكار المرأة التي و إن كانت لا تستمد من عمل واحد وإنما من أعمال وأثار معظم الكتاب الجزائريين، وتظافر أهم الأعمال الأدبية الجزائرية للكتاب، لرسم هموم ومشاكل ومطامح المرأة، وبالتالي تقديم صورة متكاملة للمرأة من النواحي النفسية والاجتماعية، والجسدية. إن هذه الدراسة قد ألقت الضوء على موقف الروائية الجزائرية "مليكة مقدم" من المرأة، وقد اتسمت مواقفها بالرفض، خيبة الأمل… وترتبط صورة المرأة بالواقع المعيش، وتجاوزه إلى جوانب مثالية، ورمزية فالصورة العامة للمرأة صورة فكرية وفنية، في الوقت نفسه، نرصد هنا مجموعة جوانب توصلت إليها من أهمها: - ارتباط الأعمال الأدبية الجزائرية المكتوبة بالفرنسية بمعالجة القضايا الاجتماعية، وفي مقدمتها المرأة، وحريتها، مثل الممنوعة لمليكة مقدم. - انطلاقا من رؤيتها التحررية، والثورية. نجد أنها صورتها مكافئة للرجل، في كثير من الأحيان، في وعيها وسلوكها وطموحها وقدراتها. - اهتمام الكاتبة بالصراع الطبقي في المجتمع، الجرأة في الطرح وتحطيم التابوهات، إذ تناولت قضايا الدين، والجنس، والسياسة، وخاضت في الأمور المسكوت عنها. - ابراز دور المرأة المتمم لدور الرجل على المستويات جميعها، الاجتماعية، الاقتصادية،السياسية، الثقافية.. فهي تقف إلى جانبه ، تتقدمه حينا وتلحقه أحيانا أخرى. - وجود بعض العلاقات السلبية المأزومة بين الرجل والمرأة، التي سلطت عليها الكتابة سهام النقد فأدانتها، ودعت إلى تجاوزها. يبقى موضوع المرأة من أهم الموضوعات استقطابا من قبل كتابنا، ويحتل العنصر النسائي في الكتابات الجزائرية المكتوبة بالفرنسية أهمية ومكانة لا تقل عن مكانة الرجل. أخيرا فإن هذا التحليل، ما هو إلا جهد متواضع، يضاف إلى الجهود التي بذلت من أجل دراسة صورة المرأة في الأدب الجزائري المكتوب باللغة الفرنسية، وتناول بعض الظواهر الفكرية والفنية فيه 1- ينظر بسام قطوس.المدخل الى مناهج النقد المعاصر،دار الوفاء اسكندرية.ط1 2006.ص220. 2-ينظر المرجع نفسه ص18. 3- المرجع السابق. ص18. 4- المرجع نفسه .ص19. 5- المرجع نفسه. ص21 -6 ينظر باديس فوغالي، التجربة القصصية النسائيةفي الجزائر، منشورات اتحاد الكتاب الجزائريين، ط1، 2002 .ص 9. 7- المرجع نفسه ص 9. -8 المرجع السابق ص 63. 9- عايدة أديب بامية، تطور الأدب القصصي الجزائري(1925-1967)، ترجمة محمد حقو، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، دط، 1982 .ص 210. 10 – مليكة مقدم ، الممنوعة، ترجمة محمد ساري، منشورات الاختلاف، ط1، .2008 ص 7. 11 – المصدر السابق ، ص 12. 12- المصدر نفسه ص 22 13- المصدر نفسه ص 22. 14- المصدر نفسه، ص 22. 15- المصدر نفسه ص 52. 16- المصدر نفسه ، ص 60. 17- المصدر السابق ، ص 174. 18- المصدر نفسه، ص 174. 19- Bahia Ouhibi Ghassou. Le statut et la fonction du personnage féminin dans la litérature d'expression francaise p3l 20- مصدر سابق ص 190. 21- المصدر نفسه ، ص 191.