في أٌقل من سنة أمتعنا هرم من أهرامات البحث السوسيولوجي و النقد السينمائي بمداخلة مكاشفة في احتفال تكريمي أقامه على شرفه طلبة علم الاجتماعي، كان الراحل محمد الدهان مقنعا بأن يتباها بحب العطاء بلا مقابل. وحدثنا الدهان رحمه الله حينها فقال: “إن عشق السينما جعلني أنظر إلى نفسي كمثقف عضوي وهو ما حفز نفسي على البحث”. ذلك العشق استثمره في تأسيس الفيدرالية المغربية للأندية السينمائية سنة 1973 تحقيقا لرغبة كان يعبر عنها بالقول: “ألم تكن في نظري هذه السينما تمثل ذلك الحزب السياسي الذي حلمت به … إن عشقي للسينما جعلني أتحول إلى مثقف عضوي و أضاعف من حماسي”. ولم يكن الدهان أناني بل كان حينها وديعا يجسد شخصية مغربية حالمة شخصية الفنان والمراقب وقارئ كف الفن السينمائي ومحلل التحول الإجتماعي المغربي بل وأحد مؤسسيها منذ فترة الستينيات. في حفل تكريمه الذي وصفه أحد الظرفاء حينها بالاحتفاء بسلطان البحث السوسيولوجي بالمغرب وقالها باللهجة المغربية إننا نحتفي اليوم بمحمد الدهان كعريس في لحظة الإعلان عن مستقبل الخصوبة الفكرية والأدبية والعلمية. لم نكن حينها نفكر انه بعيد شهور سيرحل عنا محمد الدهان على غير عرة، ولذلك لم نحتفي به شيخا ولكن عريسا استعد بكبريائه بإظهار القوة والاستعداد للبدايات لا النهايات، كان يتوق ويوصي بتجديد الفكر العربي والإنتاج السوسيولوجي، ويغمز بأنه في مقدمة التحدي بإنتاجات جديدة ومواصلة عبئ التكوين والتحصيل والإنتاج الفني في مجال النقد السينمائي وفي مجال البحث السوسيولوجي. في ذلك اليوم الموسوم قال عبد الرحيم العطري تلميذه في السوسيولوجيا ” إن الأستاذ محمد الدهان يعد أحد أدرع علم الاجتماع الحضري، والنقد السينمائي بالمغرب، ففضلا على أنه أستاذ علم الاجتماع أسس للنقد السينمائي المغربي من وجهة نظر سوسيولوجية، وأضاف أنه بفضل محمد الدهان تعرف الباحثون المغاربة في علم الاجتماع على السوسيولوجي الشهير “ايمانويل كاستلز” ومبادئ السوسيولوجية الحضرية بالمغرب، وقضايا السوسيولوجية الكولونيالية. وزاد بأن محمد الدهان قد جمع بين عشق الصورة والمعنى، ويمتلك القدرة على التحليل والتأويل في جمع دقيق بين علم الاجتماع والسينما، التي يرى فيها امتدادا للفضاء الحضري للمدينة. وقال فيه الاستاذ لحسن امزيان أستاذ علم الإجتماع بالكلية الآداب والعلوم الإنسانية التي يدرس بها المحتفى به “على مكانة محمد الدهان ومساهماته العلمية في مجال السوسيولوجيا المغربية التي أسست لسوسيولوجية مغربية متحررة من نزعات نظيراتها الكولونيالية. وقال الكاتب العام للجمعية المغربية لعلم الاجتماع محمد مرجان في شهادته أن محمد الدهان يعود له الفضل في تعريب العلوم الاجتماعية، فقد ظل ينادي بتعريب العلوم الاجتماعية ضمانا لبنية اجتماعية متحررة من التوجيه الأجنبي الاستعماري.وأضاف حينها مرجان أن الثراء العلمي لمحمد الدهان بحصوله على شهادة دبلوم الدراسات العليا في موضوع: “العلم والايديولوجيا في الانتربولوجيا الاستعمارية”، فإنه نوّع بين علم الاجتماع الحضري والنقد السينمائي، حتى استحق بذلك اسم عاشق الصورة والمعنى”. وقلت فيه فقدناك كما يفتقد البدر في ليلة الظلماء وداعا أستاذنا العظيم محمد الدهان كونت فأفدت وكتبت فأجدت.