انتقل إلى رحمة الله الناقد السينمائي والباحث السوسيولوجي محمد الدهان، بعد أزمة قلبية مفاجئة ألمت به. الناقد السينمائي المغربي الراحل محمد الدهان قال رئيس جمعية نقاد السينما بالمغرب٬ خليل الدمون٬ إن جثمان الراحل ووري الثرى يوم الثلاثاء المنصرم، بطنجة. وأكد الدامون أن الفقيد٬ الذي يعد من مؤسسي الجامعة الوطنية للأندية السينمائية٬ تعرض لأزمة قلبية مفاجئة أثناء مقامه بفندق بالمدينة٬ فارق إثرها الحياة. وفضلا عن أنشطته في مجال النقد السينمائي٬ كان محمد الدهان يدرس علم الاجتماع بجامعة محمد الخامس بالرباط، ومارس التنشيط السينمائي، منذ أواخر الستينيات من القرن الماضي، داخل "الاتحاد المغربي للنوادي السينمائية"، وبعده في إطار "الجامعة الوطنية للأندية السينمائية بالمغرب". واشتهر الراحل، الذي ترأس لجنة تحكيم الدورة 15 لمهرجان السينما الإفريقية بخريبكة، ببرنامجه التلفزيوني "الشاشة الكبرى" بالقناة الأولى٬ الذي استضاف من خلاله العديد من وجوه السينما الوطنية والعربية والعالمية٬ درس تاريخ السينما بالمعهد العالي للفن الدرامي والتنشيط الثقافي بالرباط سنة 1986 ونشط برنامج "ميكرو سكوب " بالإذاعة الوطنية بالرباط سنة 1987 وحلقة دراسية حول السينما والعلوم الانسانية بكلية الآداب بالرباط. وكان حضوره في أي مهرجان سينمائي يعد مكسبا لما كان يضفيه من حيوية ملحوظة على الجوانب الثقافية للمهرجان بفضل ثقافته السينمائية والسوسيولوجية الموسوعية وتدخلاته العميقة في الندوات وجلسات مناقشة الأفلام وغيرها. ويعد الراحل الدهان، الذي شارك بحيويته المعهودة في فعاليات الدورة الأخيرة لمهرجان طنجة الوطني للفيلم ، من فاتح إلى تاسع فبراير 2013، حسب الناقد المغربي أحمد سيجلماسي، أحد كبار الأساتذة والجمعويين والنقاد السينمائيين المغاربة الذين ناضلوا على الواجهة الثقافية داخل حركة الأندية السينمائية وخارجها. يضيف سيجلماسي، أن الراحل مارس التنشيط السينمائي، بمكناسوالرباط ومدن أخرى داخل "الاتحاد المغربي للنوادي السينمائية " وفي إطار "الجامعة الوطنية للأندية السينمائية بالمغرب" ، التي يعتبر أحد مؤسسيها البارزين يوم 11 مارس 1973 إلى جانب نور الدين الصايل وآخرين، وراكم تجربة كبيرة في تنشيط جلسات مناقشة الأفلام وفي تنظيم وتسيير الندوات العلمية المرتبطة بالسينما أو بتخصصه السوسيولوجي "السوسيولوجيا الحضرية". نشأ محمد الدهان، في أحضان حركة الأندية السينمائية، منذ كان تلميذا بالثانوي في مكناس، وزاد ارتباطه بهذه الحركة عندما انتقل إلى الرباط لمتابعة دراسته الجامعية في الفلسفة وعلم الاجتماع والأنتروبولوجيا وغيرها من العلوم الإنسانية، وتحمل مسؤولية تسيير أول مكتب وطني لجامعة الأندية السينمائية برئاسة نور الدين الصايل وعضوية الراحل غازي فخر وآخرين ، وكان واحدا من الذين أسسوا تظاهرة السينما الإفريقية بخريبكة سنة 1977 إلى جانب الصايل وغازي وأطر النادي السينمائي بخريبكة والمكتب الشريف للفوسفاط كعبد الحق بوزيد وغيره. كرم علميا في ماي 2012 بكلية الآداب والعلوم الإنسانية أكدال بالرباط، حيث كان يعمل أستاذا للتعليم العالي متخصص في السوسيولوجيا الحضرية، وبقي تكريمه سينمائيا من طرف أصدقائه النقاد والسينفيليين عبر التفكير في تجميع نصوصه النقدية ودراساته المبعثرة هنا وهناك في كتاب وإثارة نقاشات حولها ليستفيد منها عشاق السينما وطلبتها والباحثين في قضاياها وجمالياتها وتاريخها وعلاقتها بالمجتمع الذي أنتجها. ترجم الدهان مقالات حول جاك بريك، وليفي ستراوس، ومانويل كاستلز، وجون زيغلر، في إطار تقريب رموز علم الاجتماع الكبار من الأكاديميين المغاربة. وقال الكاتب العام للجمعية المغربية لعلم الاجتماع محمد مرجان "يعود الفضل للدهان في تعريب العلوم الاجتماعية، فقد ظل ينادي بتعريب العلوم الاجتماعية ضمانا لبنية اجتماعية متحررة من التوجيه الأجنبي الاستعماري، وعليه فإن استعمال اللغة الأجنبية بشكل أحادي يعيق عملية دراسة واقع المجتمع المغربي. ويؤدي إلى استلاب البحث العلمي وإسقاط النموذج الغربي على المجال المغربي، مادام الباحث لا يستعمل مقولات المجتمع". وأضاف مرجان أن الثراء العلمي لمحمد الدهان بحصوله على شهادة دبلوم الدراسات العليا في موضوع "العلم والايديولوجيا في الانتربولوجيا الاستعمارية"، مكنه من أن ينوع بين علم الاجتماع الحضري والنقد السينمائي، حتى استحق بذلك اسم عاشق الصورة والمعنى. وأوضح أن السينما كانت تمثل بالنسبة إلى الراحل الصورة الثانية لبنية المدينة من منطق علم الاجتماع الحضري، إذ كثيرا ما يركب صور معالم المدينة، انطلاقا من صور السينما. ولم يكن ارتباط الدهان بالسينما أقل من اهتمامه بعلم الاجتماع الحضري حتى أنه أبدع في نقده السينمائي، حيث يقول "كل ذاكرة عاشقة تحمل أحزانها ذاكرة السينمائي، هي عبارة عن عناوين وصور متتالية". وفي سياق آخر، يقول الدهان عن السينما "إن عشق السينما جعلني أنظر إلى نفسي كمثقف عضوي وهو ما حفز نفسي على البحث". ذلك العشق استثمره في تأسيس الفيدرالية المغربية للأندية السينمائية سنة 1973 تحقيقا لرغبة كان يعبر عنها بالقول: "ألم تكن في نظري هذه السينما تمثل ذلك الحزب السياسي الذي حلمت به ... إن عشقي للسينما جعلني أتحول إلى مثقف عضوي وأضاعف من حماسي". من جانبه، قال الباحث محمد العطري، في شهادته حول الراحل إن الدهان يعد أحد أذرع علم الاجتماع الحضري، والنقد السينمائي بالمغرب، ففضلا على أنه أستاذ علم الاجتماع أسس للنقد السينمائي المغربي من وجهة نظر سوسيولوجية، مضيفا أنه بفضل محمد الدهان تعرف الباحثون المغاربة في علم الاجتماع على السوسيولوجي الشهير "ايمانويل كاستلز" ومبادئ السوسيولوجية الحضرية بالمغرب، وقضايا السوسيولوجية الكولونيالية. وأبرز أن الراحل جمع بين عشق الصورة والمعنى، وامتلك القدرة على التحليل والتأويل في جمع دقيق بين علم الاجتماع والسينما، التي يرى فيها امتدادا للفضاء الحضري للمدينة.