كان المشهد في اليابان مأساويا بدون حدود; ولوهلة بدت الإنسانية كلها قريبة للغاية عندما قلبت الأمواج الشواطئ الشرقية للجزر اليابانية,ومعها انقلبت البيوت والعمائر كأعواد الكبريت, وانفجرت الحرائق في كل مكان في عربات ومصانع وبيوت ومفاعلات نووية. زرت اليابان لأول مرة في ديسمبر عام1986 بدعوة من وزارة الخارجية اليابانية لإلقاء محاضرتين وتضمنت الرحلة زيارة هيروشيما التي سوتها القنبلة الذرية الأمريكية بالأرض. وفي عام1999 و2000 زرتها ثلاث مرات أخري في إطار مشروع دعت له الحكومة عشرين خبيرا دوليا للبحث عن عالم خال من الأسلحة النووية. لم يكن أحد من الخبراء في العالم ساعتها يعرفون أن في الطبيعة ما هو أخطر; وأن في التكنولوجيا النووية ما هو أخطر من الأسلحة. كان التسونامي قادما كالوحش الذي يظهر في الأساطير والكوابيس المرعبة; ويأتي علي الحضارة بقسوة مروعة, وفوق ذلك كله يجعل المفاعلات النووية تهديدا خطيرا لأمن العالم كله. ولا أدري شخصيا معني أن ينتقل مركز العالم عشرة سنتيمترات; وهل يبقي الحال مستقرا والكرة الأرضية لم تبق علي حالها بعد الزلزال والإعصار؟ المشهد الانساني يمس القلوب, من ذهبوا إلي العالم الآخر, ومن بقوا يضربون كفا بكف بحثا عن سبب. كثرة من اليابانيين قابلتهم أثناء زياراتي التي ذكرتها, والأخري التي تلتها وآخرها في العام الماضي عندما أجريت لقاء مع رئيس الوزراء هاتوياما. وفي كل مرة كان اليابانيون أكثر ودا وسماحة واعتبارا لمصر والمصريين, وأكثر استعدادا للاستثمار والتعاون لما هو أكثر مما فعلوا من قبل سواء كانت دار الأوبرا أو لذلك الجسر العملاق الذي يعبر قناة السويس ويصل سيناء بمصر. اليابان تحتاج منا عزاء وتقديرا, ربما لا نكون أغنياء لكي نقدم العون المادي, ولكننا أغنياء أكثر لكي نقدم العون المعنوي والروحي.