يوما عن يوم يتزايد عدد الأطفال الذين يمتهنون بيع السجائر بالتقسيط و مواد التجميل و مسح الأحذية بمدينة آسفي. هذه الظاهرة التي بدأت تطرح أكثر من سؤال حول هذه المعضلة التي تعتبر وصمة عار على جبين المسؤولين، فمن المحطة الطرقية للمدينة إلى حدود شارع الرباط مرورا بمقاهي المدينةالجديدة "البلاطو" ينشط العشرات من الأطفال و هم يحملون علب السجائر، بعضهم أصبح شبيها بطائر الببغاء حيث لا ينقطع عن ترديد "ديطاي...ديطاي...ديطاي..." و الطواف من المحطة الطرقية إلى محطة الطاكسيات، ثم الحافلات، فالانتقال إلى الأسواق الشعبية العشوائية... و هكذا دون كلل أو ملل لعلهم يبيعون بضاعتهم ، في حين يصطف آخرون في ساحة الاستقلال أو أمام الباب الرئيسي للمستشفى الإقليمي محمد الخامس، أو يجلسون على مدرجات الكورنيش الإسمنتية الباردة بعدما أعياهم المسير. هذا المشهد لم يعد يثير الكثيرين من المارة أو الزوار لكونه أصبح من المشاهد اليومية المألوفة التي يعيشها وسط مدينة آسفي بمحاذاة الأسواق و المحطات، لكن هؤلاء الأطفال يجسدون واقعا من معاناة أطفال يبحثون على لقمة عيش لا يحس بقسوتها إلا من في قلبه ذرة حنان أو عطف.إن مدينة آسفي بمدارها الحضري و أحيائها الهامشية التي توسعت بسرعة مذهلة نتيجة الهجرة المكثفة من البوادي نحو المدينة التي تتحول شوارعها مع إطلالة كل نهاية أسبوع إلى ملجأ خصب لمئات الأطفال بحثا عن قوت يومي عن طريق بيع السجائر بالتقسيط أو الأكياس البلاستيكية و مسح الأحذية، في حين نجد البعض منهم داخل الأسواق يعملون لنقل أغراض الناس إما على أكتافهم أو بالاستعانة بعربات يدوية، إن هذا هو الوجه الآخر لهذه المدينة التجارية الصناعية بامتياز في حركيتها و معالم حياتها اليومية المرتبطة أصلا بالأسواق.الأطفال لا تلمس في عيونهم إلا الشقاء و الحزن الممزوجين بمرارة الواقع الذي يعيشونه، و عن امتهانهم لهذه الحرف و ظروف حياتهم المعيشية الصعبة التي اضطرتهم للخروج و امتهان حرف يسميها البعض هامشية في حين يؤكد بعض هؤلاء الأطفال أن هذه التسمية لا تعنيهم في شيء ما دامت توفر لهم بعض النقود، لكن الحقيقة هي أن هناك أطفال دفعتهم الظروف العائلية للخروج إلى الشارع و بيع السجائر بالتقسيط كحالة "خليل" الذي يحكي أنه يتيم الأب و أن أمه طلبت منه الانقطاع عن الدراسة ليعيلها على تكاليف الحياة، و يستطرد متابعا أن كل ما يجنيه بالنهار يسلمه لوالدته بالليل. و رغم عدم رضاه على واقعه الحالي، إلا أنه لا يتوفر على بديل حاليا ليضيف بنبرة حزينة أنه سئم هذا الوضع و نظرة المجتمع له الخاطئة غير ما يناديه البعض "بالشمكار" و هذا يحز في نفسه، و لم تكن حالة خليل إلا نموذج مصغر عما يختزله عالم أطفال "الديطاي" و "السيراج" كما يسميهم البعض، و ما يعيشه هؤلاء الصغار الذي لا تتعدى أعمارهم في الغالب 14 سنة، إن الكثيرين منهم إما انقطعوا عن الدراسة بعد انقطاع السبل عن ذلك، لينصرفوا في البحث عن لقمة العيش في الوقت الذي يعزف الكثير منهم عن تعلم مهن التجارة أو الميكانيك، و تختلف الأسباب التي تدفع الأطفال إلى الخروج لبيع السجائر أو مسح الأحذية من طفل إلى آخر، لكن المشاكل المرتبطة بالتفكك الأسري و الفقر تعتبر من الأسباب الرئيسية لانقطاعهم عن الدراسة و عدم التحاقهم بها أصلا و بالتالي خروجهم مبكرا إلى سوق العمل. و يوجد بمدينة آسفي ما يزيد عن 400 طفل يمتهنون بيع السجائر و مسح الأحذية و بعضهم يشتغل بشكل منتظم من الصباح إلى المساء ثم يعود للبيت، أما البعض الآخر فهم أشبه بالمتشردين منهم من هو فار من بيت أسرته و منهم من يغادر البيت صباحا بحثا عن اللهو و في نفس الوقت بيع "الديطاي" من دون أن يمنعهم آباؤهم من ذلك، و قد ينتج عن هذه الوضعية بروز ظواهر سلبية عند الأطفال، و تعرضهم للاغتصاب أو إدمانهم على المخدرات أو "السيليسيون" مستفيدين من وجود فضاءات عدة بالمدينة توفر لهم الأمان. و رغم ما تقوم به الجهات المسؤولة من حملات خجولة بين الفينة و الأخرى، غالبا ما تكون بحلول المناسبات الرسمية و الزيارات و الأعياد، إلا أن لا شيء يمكنه أن يتغير بين عشية و ضحاها، دون التفكير لإيجاد حلول ناجعة للحد من هذه الظاهرة و إنقاذ ما يمكن إنقاذه من طفولتنا، إذ بعد ساعات من هذه الحملات يعودون إلى مواقعهم و ممارسة حرفهم غير مبالين بالنظرة الدنيا للمجتمع اتجاههم و بقساوة الظروف الاجتماعية التي دفعتهم إلى الشارع و بالتالي اغتصاب طفولتهم البريئة رغم أنفهم في وقت كثر فيه الحديث عن تعميم التمدرس و رعاية حقوق الطفل.