جلالة الملك يترأس جلسة عمل بشأن مراجعة مدونة الأسرة    المغرب يستعد لإطلاق خدمة الجيل الخامس من الانترنت    حملة اعتقال نشطاء "مانيش راضي" تؤكد رعب الكابرانات من التغيير    دياز يثني على مبابي.. أوفى بالوعد الذي قطعه لي    إسبانيا.. الإطاحة بشبكة متخصصة في تهريب الهواتف المسروقة إلى المغرب    بقيادة جلالة الملك.. تجديد المدونة لحماية الأسرة المغربية وتعزيز تماسك المجتمع    فرنسا تحتفظ بوزيري الخارجية والجيوش    العراق يجدد دعم مغربية الصحراء .. وبوريطة: "قمة بغداد" مرحلة مهمة    إدانة رئيس مجلس عمالة طنجة بالحبس    إرجاء محاكمة البرلماني السيمو ومن معه    "بوحمرون" يستنفر المدارس بتطوان    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الثلاثاء            الأزمي: لشكر "بغا يدخل للحكومة على ظهرنا" بدعوته لملتمس رقابة في مجلس النواب    الدار البيضاء.. توقيف المتورط في ارتكاب جريمة الإيذاء العمدي عن طريق الدهس بالسيارة    تقديم «أنطولوجيا الزجل المغربي المعاصر» بالرباط    أجماع يعرض جديد حروفياته بمدينة خنيفرة    أخبار الساحة    أطباء القطاع العام يخوضون إضرابا وطنيا لثلاثة أيام مع أسبوع غضب    في الحاجة إلى تفكيك المفاهيم المؤسسة لأطروحة انفصال الصحراء -الجزء الثاني-    تقديم العروض لصفقات بنك المغرب.. الصيغة الإلكترونية إلزامية ابتداء من فاتح يناير 2025        بمناسبة رأس السنة الأمازيغية.. جمهور العاصمة على موعد مع ليلة إيقاعات الأطلس المتوسط    بووانو: حضور وفد "اسرائيلي" ل"الأممية الاشتراكية" بالمغرب "قلة حياء" واستفزاز غير مقبول    فيديو "مريضة على نعش" يثير الاستياء في مواقع التواصل الاجتماعي    الكرملين يكشف حقيقة طلب أسماء الأسد الطلاق ومغادرة روسيا    النفط يرتفع مدعوما بآمال تيسير السياسة النقدية الأمريكية    أسعار اللحوم الحمراء تحلق في السماء!    غضب في الجارة الجنوبية بعد توغل الجيش الجزائري داخل الأراضي الموريتانية    محمد صلاح: لا يوجد أي جديد بشأن مُستقبلي    تعيين مدرب نيجيري لتدريب الدفاع الحسني الجديدي لكرة الطائرة    الجزائريون يبحثون عن متنفس في أنحاء الغرب التونسي    نيسان تراهن على توحيد الجهود مع هوندا وميتسوبيشي    سوس ماسة… اختيار 35 مشروعًا صغيرًا ومتوسطًا لدعم مشاريع ذكية    "سونيك ذي هيدجهوغ 3" يتصدر ترتيب شباك التذاكر    تواشجات المدرسة.. الكتابة.. الأسرة/ الأب    بنما تطالب دونالد ترامب بالاحترام    أبرز توصيات المشاركين في المناظرة الوطنية للجهوية المتقدمة بطنجة    تصنيف التنافسية المستدامة يضع المغرب على رأس دول المغرب العربي    إعلامية فرنسية تتعرض لتنمر الجزائريين بسبب ارتدائها القفطان المغربي    إدريس الروخ يكتب: الممثل والوضع الاعتباري    تنظيم كأس العالم 2030 رافعة قوية نحو المجد المغربي.. بقلم / / عبده حقي    السلطات تمنع تنقل جماهير الجيش الملكي إلى تطوان    شركة Apple تضيف المغرب إلى خدمة "Look Around" في تطبيق آبل مابس.. نحو تحسين السياحة والتنقل    الموساد يعلق على "خداع حزب الله"    شركات الطيران ليست مستعدة للاستغناء عن "الكيروسين"    حكيم زياش يثير الجدل قبل الميركاتو.. الوجهة بين الخليج وأوروبا        مواجهة نوبات الهلع .. استراتيجية الإلهاء ترافق الاستشفاء    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بؤس المدرسة
نشر في آسفي اليوم يوم 11 - 09 - 2008

لقد اكتسى موضوع المقاربة بواسطة الكفايات أهمية استراتيجية في الاختيارات السياسية التربوية لمجموعة من الدول المتقدمة أو المتخلفة. غير أن هذا الاختيار في مستواه العام لم ينج من انتقادات من طرف مجموعة من المهتمين بالفعل التربوي التعليمي على المستوى الكوني، و حتى من طرف سلطة القرار داخل المجتمع المغربي، اعتبار للاختلالات التي تعرفها حاليا منظومة التربية و التكوين خصوصا على مستوى طبيعة النتائج المدرسية المسجلة، و ضعف مردودية المتعلمين كما هو وارد في تقرير المجلس الأعلى للتعليم، و أيضا في تقارير وزير التربية و التكوين من خلال مشروع المخطط الاستعجالي الذي يرنو إلى تفعيله هذه السنة لمحاربة الهدر المدرسي.......؛
علما بان هذا الاختيار البيداغوجي المعتمد في التوجيهات الرسمية و في الدعامات الكبرى للميثاق الوطني للتربية و التكوين و الكتاب الأبيض بأجزائه المتعددة و المختلفة و المتمثل في المقاربة بواسطة الكفايات، قد لا نجد له تجليات واضعة على مستوى الممارسة الفعلية بداخل المدرسة المغربية بأسلاكها المتنوعة، أولا لغياب وضوح نظري شفاف يجيبنا عن ماذا نرمي من المدرسة العمومية؟ بالرغم من بعض الخلفيات الأيديولوجية التي تحتويها بعض المواد المتضمنة في الميثاق الوطني للتربية و التكوين؛ ثانيا تملص الوزارة الوصية على التعليم من تفعيل الدعامة السادسة الخاصة بالتكوين المستمر كحق من حقوق الإنسان في مسايرة و مواكبة كل المستجدات المطروحة بيداغوجيا و ديداكتيكيا بالنسبة للتعلمات الجديدة المنوطة بالفئات المستهدفة في منظومات التربية و التكوين.
و في ما يلي نقدم ورقة نقدية مترجمة بتصرف - في الموضوع المدرج في التقديم- للكاتب نيكو هيرت، من خلال كتابه: بؤس المدرسة، [ محور الدعوة من اجل دمقرطة التربية APELD] يحاول عبره الكشف عن المنزلقات التي تحتويها المقاربة البيداغوجية للكفايات في تقرير المصير التعليمي التعلمي للمتعلمين خصوصا الذين ينحدرون من أوساط اجتماعية مهترئة؛ " إن الأمر بإعادة الإنفاق على التعليم مسألة واردة في الأخلاقيات التربوية، و لكن لماذا هذا الإنفاق من جديد؟.قبل كل شيء نشير بأن وظيفة المدرسة لا تكمن فقط في إيجاد شغل بالنسبة للشباب، و إنما الأساسي في منظورنا هو أن تساهم في تثقيفهم، و ذلك بتحويلها- أي المدرسة- من مؤسسة لتعليم كفايات الشغل، إلى مؤسسة أكثر ديموقراطية.ثمة تساؤل مركزي جدير بالطرح: ما هي الفائدة المرجوة من المدرسة؟.داخل ميتولوجية التفكير الرسمي نجد بان المنظومة التعليمية أوكل لها لعب ثلاث وظائف استراتيجية:
v الوظيفة الاقتصادية؛
v الوظيفة الاجتماعية؛
v الوظيفة السياسية؛
v بالنسبة للوظيفة الأولى، فالمدرسة موكول لها مهمة تكوين شباب قادر على الاندماج في الحياة المهنية.
v كما أن المدرسة مجبرة- في الوظيفة الاجتماعية- على ضمان تكافؤ في الفرص التعليمية، مع منح كل فرد إمكانية التحرر الاجتماعي.
v أيضا من واجب المدرسة – بناء على الوظيفة السياسية- تربية مواطنين يحملون من الوعي و الفعالية ما يجعلهم قادرين على الانصهار بشكل تلقائي داخل المؤسسات الديموقراطية القائمة داخل المجتمع.
و بناء عليه نلاحظ بأن هذه الوظائف في مستوياتها الثلاثة لا تخرج عن نطاق التداعيات النظرية كخلفيات أيديولوجية رسمية، و من ثمة تبقى بعيدة كل البعد عن الحقيقة الواقعية، كما هو بارز في السياقات اجتماعية المعيشة. و لتبرير هذا الحجة التفسيرية المقدمة يمكننا استجلاء مجموعة من الأطروحات خاصة بهذا الموضوع انطلاقا من العناوين الفرعية التالية:الأطروحة الأولى: يجب إرشاد المدرسة و هدايتها من الظلال: أكيد أن المدرسة بإمكانها ضمان العمل بالنسبة للشباب، إلا أنها عاجزة عن تحقيق الشغل للجميع. لنوضح هذه النقطة.1.
صحيح أن المنظومة التعليمية تعمل على تلبية الاحتياجات الاقتصادية "للباترونا أي للذين يملكون وسائل الإنتاج و قوى الإنتاج داخل المجتمع"، استجابة لترقبات سوق الشغل، و ذلك بتزويدهم بيد عاملة واسعة و بأقل تكلفة كذلك، و الصالحة للتوظيف المباشر، إلا أن هذا الاختيار لا يعمل نهائيا على خلق شغل بالنسبة للجميع.
إن عملية توزيع الكفايات و المعارف، يحدد بشكل جيد من له الإمكانية للحصول على الشغل، و لكنها لا تؤثر نهائيا على حجمه و نسبته و أنواعه كما هو مطروح في سوق الشغل العالمي. غير أن مثل هذا التحليل لا يجعلنا ننكر المجهودات المبذولة رسميا للحد من البطالة داخل المجتمع.2. كون المدرسة كمؤسسة اجتماعية لا تعمل على تحقيق مبدأ التكافؤ في الفرص كما هو مطروح في خطاباتها النظرية الرسمية، بل بالعكس تساهم في إعادة إنتاج اللامساواة الاجتماعية. فهي تقوم على حشر أبناء الطبقات الشعبية داخل مسالك عامة و تقنية، و تخصص لأبناء البورجوازية اختيارات متميزة تليق باهتماماتهم الطبقية و بتطلعاتهم المستقبلية داخل المنظومة التعليمية. الأخطر من ذلك أصبح النظام التعليمي يساهم – انطلاقا من خطاباته الرسمية حول الفرص المتساوية- في دفع الشباب إلى قبول فكرة العلاقة الموجودة بين مصيرهم التعليمي المستقبلي، و بين عجزهم عن النجاح المدرسي؛ و بما أن الحظوظ متساوية بين الجميع في البداية- – حسب التوجيهات الرسمية -، فالذين يفشلون في تحقيق مشروعهم التعليمي مرد ذلك لإمكانياتهم الذاتية.....، ذاك هو منطق التفسير الذي تقدمه سلطة القرار داخل المجتمعات الليبرالية الجديدة.لنتابع التحليل في هذه النقطة:3. مهما حاولت سلطة القرار على المستوى السياسي إكساب الشباب فكرة أن المجتمع قائم على الديموقراطية، و على احترام مبادئ حقوق الإنسان إلا أنها مع ذلك تخادع نفسها؛ ذلك لأن مثل هذا الخطاب الممرر بواسطة الفعل التعليمي يحمل في ثناياه نفاقا سياسيا، إذ كيف يمكنا أن نقول للشباب بأنهم يعيشون في مجتمع ديموقراطي في الوقت الذي يجد والده مفصولا عن عمله بقرار فوقي متخذ من طرف رب المعمل مثلا؟؛ كيف يمكننا كذلك أن نقر بمبادئ حقوق الإنسان و نحن نعاين مجموعة من الممارسات التعسفية و الدنيئة تمس الإنسان الاجتماعي قد تصل في بعض الأحيان إلى الإعدام و الاغتيال المتعمد؟، كيف بإمكاننا أن نتحدث عن المساواة أو عن العدالة الاجتماعية، و نحن نعاين و بشكل سافر تدخلات بعض الدول المتقدمة التي تنتمي للنظام الجديد في شأن السياسة الداخلية للدول الفقيرة لفرض قوانينها و هيمنتها؟؛ و في نفس الإطار الذي نبرز من خلاله المخادعات التي تمارسها الدولة نشير من منطلق هذه الشعارات المخادعة المرفوعة، أن سارق دراجة نارية مثلا يتم معاقبته بشكل قاس، أكثر من مسؤول متورط في غش ضرائبي بملايين من الأورو.
و كخلاصة لهذه الأطروحة الأولى نرى بأن الشباب الذين ينتمون للطبقات الشعبية لم تعد لديهم القدرة على العيش في هذا المجتمع المثالي بشعاراته المخادعة. الأطروحة الثانية: يجب أن نتعلم من اجل تغيير العالم:بالنسبة لهذا الموضوع يمكن طرح التساؤل التالي:ما الجدوى من المدرسة إذا كان من واجبها فقط أن تخدم المجتمع عن طريق إنتاج يد عاملة، و المساهمة بالتالي في الاصطفاء الاجتماعي عن طريق تكريس المذهب الأيديولوجي السائد، و العمل على إعادة إنتاج نفس العلاقات الاجتماعية بشكل غير عادل؟. لتحليل هذا المعطى نشير بأن التكوين بشكل عام سيتخذ مسارا مختلفا بالنسبة للفرد الذي يموقع أنشطته و تعلماته داخل مشروع ما يسمى حاليا بتغيير العلاقات الاجتماعية؛ إلا أن المدرسة من منظورنا التقدمي العقلاني من المفروض عليها أن تعلب دورا حاسما في تبليغ المعارف و الكفايات للشباب التي تخول لهم فهم العالم الذي يعيشون فيه من اجل المساهمة في تغييره. و لذلك نعتبر الأساسيات التالية التي يجب أن تقوم عليها المدرسة الديموقراطية ذات أولوية كبرى:
Þ يجب على المدرسة أن تعلم الشباب التاريخ و الجغرافيا و الاقتصاد، بهدف فهم آليات المجتمع الذي ينتمون إليه، و تقييم التجارب التي يعيشها مجتمعهم الحالي على جميع المستويات؛
Þ أن تلقن المدرسة لكل للشباب العلوم و التقنيات من اجل تقدير رفاهية الإنسان على مستوى الاختراع، و تقدير أيضا الأخطار التي يمكن أن تترتب عنها و آثارها السلبية على حياته؛
Þ أن تعلم المدرسة الشباب التفكير الرياضي و برهان التجربة العلمية:
Þ أن تعلم المدرسة جميع أفراد المجتمع بمختلف انتماءاتهم الاجتماعية، كفايات القراءة و الكتابة و البناء و التخطيط و لم لا كيفية استعمال الحاسوب و الانترنيت؛
Þ أن تدفع المدرسة الكل لمعرفة استعمال مختلف أشكال التواصل و الفن، من أجل التحاور و التوثيق و مناقشة الأفكار الداخلية و الخارجية؛
Þ أن تكسب المؤسسة المدرسية المتعلمين و الشباب عقلية ذكية لتفكيك الأحكام المسبقة، و الطموح لثتوير العالم.
ذاك هو مشروع المدرسة الديموقراطية و المدرسة التقدمية، إنه مشروع مدرسة لها معنى و دلالة في أفق القرن الواحد و العشرين
إلا أن المدرسة الحالية ليست بديموقراطية مائة في المائة: لماذا؟
v أولا: لأن المعارف التي تروجها ترتكز على كفايات مهنية تليق بعمال مرنين أكثر من ارتكازها على التثقيف و توسيع الآفاق الفكرية للمتعلمين كما هو موضح سابقا،
v ثانيا: لأن القضاء على الاصطفاء الاجتماعي و اللامساواة في الفرص داخل المدرسية- كطموح رسمي- ما هي إلا شعارات مرفوعة من طرف السياسويين الذي يأملون في ملاءمة التوجيه المدرسي مع الاحتياجات الاقتصادية الآنية؛ و بذلك فمثل هذا الاصطفاء الاجتماعي بصيغته المخادعة يعتبر أكبر عائق تجاه الدور التقدمي للمدرسة كما بينا ذلك.
ما الفائدة من تكوين عام بالنسبة لجميع الشباب إذا كنا نرغب فقط في تكوين يد عاملة و مشتغلين مستقبليين يتحدد عمرهم في 12 أو 14 سنة مثلا، أي بمعدل 50 في المائة من جميع الفئات المستهدفة؟. علما بأن هذه الأخيرة لم تعد ترغب في مثل هذه الدروس المبرمجة، لأنها لا تستسيغها و لا تفهمها، بل تبدو غير ضرورية في حياتها.الأطروحة الثالثة: ميكانيزمات الاصطفاء الاجتماعي: ثمة تساؤلات لا بد من طرحها في هذا السياق:
Þ لماذا نجد شبابا يفهمون و آخرون لا يتمتعون بهذه الخاصية؟؛
Þ لماذا هناك شبابا يهتمون بعملهم داخل المدرسة و أكثر تحفيزا من آخرين ؟؛
Þ لماذا نلاحظ خاصية الفهم و التحفيز مقتصرة فقط عند أبناء الأسر المتميزة اقتصاديا و ثقافيا؟؛
Þ لماذا نلاحظ محدودية أبناء الطبقات الشعبية في الوصول إلى مستوى بعيد المدى مقارنة مع أبناء الطبقات المتميزة؟ ألكونهم لا يهتمون و لا يبالون بتعلماتهم؟.
لقد أثبتت المسوحات التي قمنا بها في هذا الإطار أثر بعض الميكانيزمات في الاصطفاء الاجتماعي لدى عينة أطفال الأساتذة و المعلمين بالخصوص و هو ما يشكل استثناء في هذا الجانب، لكن لماذا هذا الاستثناء؟ بمعنى لماذا يحصل بعض أبناء الفاعلين التعليميين ذكورا و إناثا على نتائج إيجابية أكثر من أبناء الطبقة الشعبية؟، بل أحسن من ابن و بنت إطار عال أو طبيب؟.نعتقد بان سر هذا النجاح يعود لسببين
1. نعلم جيدا بأن المعلمين و الأساتذة يمررون لأبنائهم و بشكل حماسي رسائل و خطابات تركز في محتوياتها على أهمية المدرسة و المعارف في حياتهم المستقبلية، على اعتبار أن الإنسان ليس له وجود بدون مكتبة و بدون دبلومات. إن مثل هذا الخطاب الموجه لأبناء رجال التعليم يتم تشريبه للأطفال منذ سن مبكرة. كما أن هذا الرابط الخاص بالمعرفة و المدرسة، و هذا التقييم للمعرفة من أجل المعرفة و المدرسة و من اجل الفهم أولا،[ و ليس بغرض تعلم مهنة أو حرفة...]، و هذا التعظيم للذكاء المدرسي لا بد أن يكون له أثر على حياة المتعلمين، و حافزا قويا لهم لتحقيق نتائج جد إيجابية في حياتهم المدرسية.
2. إن ابن الفاعل التعليمي يجد بداخل أسرته كل الإمكانيات الضرورية لإكساب المعارف، و الاستماع لتجارب آبائه، و هي حوافز من شأنها نسبيا الدفع به إلى الانخراط الفعال في الوضعية التقويمية التي يواجهها. ذلك لكونه يعرف بواسطة آبائه قوانين لعبة المدرسة... بتعبير آخر هؤلاء الآباء ينقلون لأبنائهم ما هو مفقود بالنسبة للآخرين، بمعنى: · التأطير الشخصي؛· المساعدة الفردانية؛· الاهتمام و الكفايات المعرفية اللازمة؛
إن هذه الحلول المعالجة بالنسبة لموضوع ميكانيزمات اللامساواة الاجتماعية تعتبر ذات أهمية قصوى في النجاح المدرسي و في التأطير و التحفيز الذي يجب أن يرصد للشباب.1. الأطروحة الرابعة: تنشيط التحفيز كاختيار شخصي:
لا يمكننا أن نفعل التحفيز إلا بواسطة الخطاب الذي يجب أن نقدمه للشباب المستهدف في العمل التعليمي التعلمي، و هذا المعطى العام سيرجع بنا للحديث عن أهمية المدرسة في حياة شبابنا؟
فإذا ما تكلمنا لهم عن فعالية الشغل في حياتهم المستقبلية، فأكيد أنهم سيعرفون بأننا نفتري عليهم؛ فعندما أقول لمتعلم مثلا، يجب عليك أن تبذل جهدا كبيرا لكي تأخذ فرصتك في الحصول على شغل، فأنا اعني بذلك، أن يحاول الاجتهاد أكثر من زميل له داخل الفصل أو خارجه، و إلا سيفقد طموحه في الحصول على عمل مستقبلا. كما أننا كذلك إذا ما تحدثنا لهم عن الديموقراطية من الناحية النظرية فأكيد أننا سنفشل في إقناعهم اعتبارا لمعايشتهم اليومية للأحداث الواقعية، لذلك نعتقد بان عملية إعادة تحفيز الشباب – خصوصا الذين ينتمون للأصل الاجتماعي الشعبي– و تصحيح مواقفهم العنيفة حيال المدرسة التي لم يعودوا يثقوا في مستقبلها، ترتبط - من وجهة نظرنا - بدعوة الشباب إلى اعتبار المؤسسة المدرسية كطرف مساعد لهم على ما يرغبون في تحقيقه، كحاجة من جهة، و كطموح و رغبة ذاتية من جهة أخرى؛ و مع ذلك نتوقع بأن مثل هذا الخطاب قابل للإقصاء هو الآخر من طرف الشباب.
صحيح أن بإمكانهم أن يعبروا عن استيائهم- كمتعلمين- من هذا العالم الظالم، و لكن لا يجب عليهم أن يتخذوا مواقف بليدة و سوداوية إذا كانوا يرغبون في عالم أحسن من العالم الذي ينتمون إليه، و لذلك وجب عليهم الثقة في النفس، و تطوير تعلماتهم بشكل جيد.
بمعنى أن يقرأ أكثر، أن يتابع دروسه بانتظام، حتى داخل قسم معلم يكرهه، كما أنه كلما كبر كلما استطاع أن يشعر بقدرته على العمل أحسن، و أن يكون أكثر فعالية عوض أن يكتفي بكسر زجاج مدرسة أو هدم سيارة مدير مؤسسة. و لكن لا يجب أن ينسى أبدا بأنه لا يعيش بمعزل عن الآخرين للوصول إلى النجاح في هذا العالم. فإذا عملنا على تكوينه و على تعليمه كيفية الحديث و الخطاب، و أخذنا موقع المستمع لحاجياته، فذلك لأننا نعول عليه في التحرر سواسية. فمثل هذا النوع من الخطابات أو الرسائل الموجهة للشباب يصعب هضمها بدون دبماغوجية، و بدون ضمانات شرعية، لأننا لا يمكن المراهنة عليها بواسطة اللفظيات المجردة من أي حس واقعي، و إنما وجب تعزيزها بواسطة الأنشطة اليومية التي يتمحور حولها نظامنا التعليمي، و يمكن أجرأة ذلك بإعطاء أمثلة من واقعنا الحالي، أو من خلال طريقة تأويلنا لبرنامج دراسي معين، أو عبر القيام بزيارات خارج المؤسسة المدرسية، أو بناء على الأمثلة التي نقدمها له و لغيره حول تجربتنا الشخصية.فالمسألة إذن تتعلق بالرفع من المعنى الاجتماعي للمعرفة، و من قوتها الثورية. إلا أن التحفيز الأكثر فعالية، لا يمكنه أن يقاوم – وحده - تراكمات الفشل الدراسي، فلكي نضمن لكل متعلم الاستمرارية في العمل التعليمي بهدف تجاوز الفشل الدراسي هناك حلين في تصورنا لهذا الإشكال:
* الحل الأول: يرتبط بالتخفيض من متطلبات المدرسة[ بمعنى التقليص من عدد المواد المقررة، و من عدد الواجبات و الدروس المبرمجة]؛
* الحل الثاني: أن نتيح لكل متعلم إمكانية التأطير الذاتي لتعلماته بمساعدة – بطبيعة الحال- أطراف أخرى [ الأسرة- المدرسة- شركاء في العمل التربوي...]؛
بالنسبة للحل الأول لا يمكن المراهنة على معالجته للمشكل بنسبة دالة إحصائيا، لأنه قد يفضي بالآباء الذين يملكون إمكانيات مادية، إلى البحث عن تعويض ما يعتقدونه صالحا للرفع من المستوى الدراسي لأبنائهم، و مثل هذا الاختيار من شأنه أن يعمق من جهة الهوة بين المدرسة و بين الأطفال الذين ينحدرون من أوساط اجتماعية غير متساوية، و أن يعمل بالتالي على تشجيع التعليم الخصوصي من جهة ثانية. لذلك يبقى الحل الثاني اكثر ملاءمة خصوصا على مستوى تنمية التأطير الذاتي للمتعلمين، و ذلك عن طريق:
* التقليص من عدد المتعلمين داخل الفصل الواحد، خصوصا التعليم الابتدائي؛
* جلب أطر مؤهلة [ بيداغوجيا و ديداكتيكيا] من اجل ضمان القيادة الشخصية للأطفال خارج أوقات الدراسة؛
* إنجاز الواجبات المدرسية داخل الأقسام، مع تخصيص مساعدات بيداغوجية لكل متعلم بشكل فرداني؛
* إعطاء حيز من الوقت لكل الفاعلين التعليميين و التربويين للتركيز و الإعداد و القيادة و الرسكلة الذاتية؛
* تنمية التكوين الذاتي و المستمر للفاعلين التعليميين[ بما يستجيب للمستجدات المطروحة بيداغوجيا و ديداكتيكيا؛
* ضمان مجانية حقيقية بالنسبة للوازم المدرسية و الأنشطة الخارجية [ خصوصا على مستوى الدعم...]؛
* تنظيم أنشطة مجانية خلال العمل[ عن طريق القيام بتداريب و رحلات مدرسية و أنشطة رياضية..]؛
* تزويد المؤسسات التعليمية بعدة ديداكتيكية ملائمة؛
* تجنب بناء مدارس عشوائية لا تتوفر فيها الشروط الموضوعية و الذاتية...
الأكيد أن هذه المستلزمات المقترحة في هذه الموضوع، باهضة الثمن و تتطلب مصاريف كثيرة، بحيث يمكننا تقدير نفقاتها الإجمالية بلغة الأرقام، بما يناهز مليارين من الاورو، لتحقيق برنامج تعليمي ببلجيكا كمثال.رقم ضخم صحيح، و لكن فالمسألة تتعلق باختيار سياسي، لأن الأموال موجدة بدون شك، و لكن ما هو الحل الذي نملكه في هذه الوضعية إذن؟
· هل يجب علينا أن نكون بائعين في سوق كبير؟، أم وجب علينا العمل على تعليم التاريخ لعمال الغد؟.ذلكم بشكل واضح و جلي الوضع الذي يحتله هذا الاختيار.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.