بقلم ماجدة بطار وحده الثار كان يعنيها ، هي سيدة الشرارات الأولى للحرائق ، مراوغة متمرسة ، تعي كيف و متى تستغني بتحريك حطب الاندفاع المباغت لتوقعاته ، عبثا حاول ترويض المهرة المتمردة المتمادية العصيان ضد أنفته ، رجل امتلك متى و كيفما أراد أي شيء وقعت عليه عيناه ، هو الذي أحب الأسوار العصية لاسمها ، عشق كاريزما طلتها ، لغتها الموزونة على إيقاع متناغم يجبرك على الوقوع في شركها. لم تكن "هالة الوافي" جميلة الجميلات ، لم تكن أنيقة بما يكفي لتستدرج فضوله إلى اكتشاف خبايا فتاة عزلاء وعلى قدر كبير من الكبرياء ، بلغة منحدرة من أزمنة الفلامينكو قلبت موازين أفكاره ، هو "طلال الهاشم" ، رجل خمسيني فاحش الثراء ، متزوج من فتاة أحبته ، ناضلت من اجله فأهدتها الحياة منه فتاتين ، هو لم ينس تضحية زوجته من اجله ، لذلك اعتاد على التلذذ بمباهج الحياة سرا حتى لا يخدش بتهوره مشاعرها ، كل شيء منسق كيفما اتفق ، يتحين الفرصة للامساك "بهالته" الهاربة ، نجمه الذي عثر عليه للتو ، فاجأته رغبة جارفة لرؤيتها ، في أن يحظى بلقائها ، فقد أهدته ما كان ينقصه ليحيا "الشغف" . لم يكن رجلا عاديا بل سيدا فوق العادة ، امتلك مجموعة مطاعم في إحدى كبرى عواصم العالم ، إنه طاه ماهر، يعرف كيف يعد مائدة مباهجه بتخفيف النار حينا أو ايقاذها أحيانا أخرى ، لن يستعجل الوصول إلى قلبها سيجعل الطريق إليها طويلا فأن يستنفذ عدتك و مهاراتك ، أن تنتظر امرأة خارج الزمن والحسابات كأن لا غيرها يعنيك ، بتأن مدروس الإثارة ، بهوس الزهو بالمكاسب فتلك قضية أخرى. علمته الحياة أن يشقى من اجل الحصول على مبتغاه ، عبثا حاول قطف تلك الوردة النارية المجدلية بتتبع خطواتها ، معرفة مواعيد حفلاتها الغنائية ، و إرسال باقات التوليب المتميزة بلونها البنفسجي الأخاذ ، المضاهي في ميزاجيته لون الحداد الذي يليق بها أو تليق به على حد تعبيره ، فهو يملك " كل الوقت" ، كلاعب شطرنج محترف يتقن فن المسافة ، هو المتخرج من مدرسة الحياة ، أراد إعطاءها درسا في الغناء فأعطته درسا في الاستغناء ، ظن أن بإمكانه شراء كرامتها و كبرياء دمعها ، رجل باذخ الترف حد الثمالة ، متعجرف حد الجنون ، بإمكانه اتخاذ قرار و تحمل تبعاته أيا كانت العواقب . أدركت بدءا أنها لن تكون له ، لن يستغني عن ماضيه من اجلها ، لن يضحي ، هي أم ولده الذي لن يأتي ، في المقابل لن يمتلكها ، ستحتفظ ببراءتها و عنفوانها العنيد ، لن تتنازل لشخص أناني ، غادرت مآقيها لتطلق العنان لحنجرتها ، لتخلع عنها الحداد و ترتدي ثوب التحدي ، ابنة الاوراس تلك بإصرارها و تمنعها عن الاستسلام رافعة سقف قصتها إلى حدود الأساطير. دخلت حياته كما خرجت من شاشة تلفاز ، يوم رآها لأول مرة ما توقع أن يكون لتلك الفتاة ذات السابع والعشرين ربيعا وقع في حياته ، رجل باذخ الألم ، لفرط غيرته على دموعه لا يبكي . لم يحدث أن استباحت أعماقه امرأة ، كان غموضه إحدى سماته ، كيف استطاع الانكشاف بها ؟ كيف استطاعت النهل من بئر أسراره ؟ "هي" زعزعت ثقته بنفسه ، فليس ما نتمناه نحصل عليه دائما . لم يصدق أن بإمكانها المضي هكذا في حياتها دونما التفاتة منها ، أفحمت كل توقعاته وقلبت موازين منطقه و مواقع بيادقه على رقعة الحياة ، هو الذي امتلك حق التخلي عنها متى و كيفما شاء ، منحها حياة هامشية في الظل متناسيا أنها خلقت لتكون حرة ، لتهدي زهرة عمرها لمن يستحقها ، عنوة خلعت الأسود و عقدت قرانها على النجاح لأنها ابنة الأضواء. بالأمس القريب قبل أن تغادر موطنها هي ووالدتها ، كان صوتها حكرا على فصلها و تلاميذها ، تدندن به أناشيد و محفوظات ثم تخبؤه في محفظتها ، في زمانها الغناء جريمة عقوبتها القتل ، لكنها استطاعت تحدي العالم بأغانيها ."هالة "مثال لعزة النفس و الأنفة ، شيء من البهاء الغامض الذي فقد ، ظلت إذن لؤلؤته النادرة التي أراد التفرد بها ، جميل أن تجمع المرأة بين الذكاء و العنفوان ، بين الألم و العمق ، بين انكسار الروح و تمنعها عن الاستسلام ، بين عقلها و روحها تأرجحت أفكارها ، اتقدت قيم المعلمة القابعة في أعماقها لتوقظ فيها عناد اللبوءة الشرسة ، بشيء من التمنع و كثير من الإصرار على حفظ موروث لا يسلم عبثا لعابري السبيل ، هو قرر قتلها كي يستعيد نفسه ، فإذا به يموت معها ، فسيف العشق كسيف الساموراي من قوانينه اقتسام الضربة القاضية بين السياف و القتيل ، لم يحدث قبلا أن طعنته امرأة في كبريائه ظنا منه أن امتلاك امرأة بتبجح الغرور رجولة ، هذه الفتاة أهانته إذ رفضت ماله ، اعتقد أنها من طينة النساء الائي يتمسحن بقدميه ، لكنها كانت استثنائية حتى في حزنها ، تركته مثقلا بحسرته ، حسبها ستعتذر، تجرعت ألمها ، لفرط صدمتها وأدت دموعها و غادرته ثرية بكرامتها. صدمت إذ انكشف قناع المادة المتواري خلف بهرجة كلماته المنتقاة على ذوق التحدي ، كأنها مالت إلى رجل من طينة الوحوش ، لن تغفر له اهانته لها ، أقسمت أن لا يراها ثانية ، في المقابل أراد مقاصصتها على جرم لم ترتكبه سوى كونها خلقت لتكون حرة ، لم تكن "دجاجة" بل "غزالة" كتب لها أن تمرح في البراري ، سيختلق ألف عذر لتشويهها في قلبه ويعجل بالتالي نسيانها . كان القدر يسقط على قفاه من الضحك ، ذاك الرجل الذي انفق ماله ووقته ، ليحطم عنفوانها ، كان يحسدها على خساراتها فيما كانت تحسده على مكاسبه ، لعلها تمتلك الشجاعة و البراءة ، امرأة تضعك بين خيار أن تكون بستانيا أو سارق ورود ، بين أن ترعاها كوردة شوكية ، آو تمد يدك لقطافها قبل أن يسبقك احد إليها. لم يعد هاتفها" طلالا " ، لن تظل موصولة بمصل الهاتف تنتظر مكالمته لتحيى ، عقدت قرانها على النجاح ، بثوبها اللازوردي أعلنت العصيان عليه ، كان الغائب الأوحد في ذلك الحفل العالمي الذي كان مبهرا بكل المقاييس . عزلاء انتصرت بتلك الهشاشة التي صنعت أسطورة شجاعتها ، لقد اكسبها الظلم حصانة الإيمان فطغاة الحب جبابرة على النساء وصغارا أمام من يفوقهم جبروتا ، صغر السادة في عينها و غدت سيدة نفسها لا تخاف غير الله ، ولا تنبهر سوى بأصغر كائناته.