«تطلق» أحلام مستغانمي رواية جديدة عنوانها «الأسود يليق بك» (دارنوفل)، وتواصل فيها الكاتبة، الوقوف إلى جانب المرأة ودعوتها إلى «الوقوع في حب نفسها» وحب الحياة، بمزيج بين الفصحى واللهجة الجزائرية التي تطل من خلال الحوارات الخفيفة الظل. وتطرح كذلك إشكاليّات كثيرة يعيشها المجتمع العربي ويعاني منها: المال، الذكورة، الحرب، الإرهاب... وفي الرواية الكثير من آراء الروائيّة في المرأة، الحب، المجتمع، مع تدخّل ظاهر من قبلها، ما جعل الشخصيّات تبدو مقيّدة ومأسورة ضمن وجهة نظرها. بدأت الرواية من النهاية، من فراق الحبيبين، لتطغى على المشهد الأول، الملامح الذكوريّة، فالحبيب تأبى عليه نفسه أن يعترف حتى لنفسه أنه خسرها (حبيبته) بل هو يدّعي أنها هي من خسرته، وأنه هو أيضاً مَن أراد لهما فراقاً قاطعاً كضربة سيف. ما يندم عليه حقاً، ليس بما وهبها، بل ما باح به لها، لتتعمّق إيديولجيا عدم تسليم سر إلى امرأة. وتتجلّى الذكورة أيضاً في نظرة المجتمع إلى المرأة: لقد غيّر تهديد الأقارب سلّم مخاوف «هالة» وهي الشخصيّة الرئيسة، التي تغنّي كلمات والدها. إنّ المرأة لا تخشى القتلة الإرهابيين، تخاف مجتمعاً يتحكّم حماة الشرف في رقابه. ثمّة إرهاب معنوي يفوق جرائم الإرهابيين. ولا بدّ من زواج البنت في مجتمعها الشرقيّ، فما هو موقف والديها، بعد ما تخلّت عن ذلك الشاب الذي كانت ستتزوجه قبل سنتين! أثارت غضب أهلها، فخشوا أن تذبل في انتظار خطيب قد لا يأتي! متى يقتنعون أنّ «بإمكان فتاة أن تتزوّج وتنجب وتبقى رغم ذلك في أعماقها عانساً، وردة تتساقط أوراقها في بيت الزوجيّة». ترك هذا المجتمع آثاره في روح «هالة». فكلّما قدّمت لها باقة ورد، شعرت أنها تثأر لزمن قُمِعَت فيه أنوثتها. وتطرح الرواية إشكاليّة سلطة المال، وسطوته على أصحابه. سلطة المال، كما سلطة الحكم، لا تعرفان الأمان العاطفيّ. وهل أكثر فقراً من ثريّ فاقد الحب؟ وأثرى النساء، ليست التي تنام متوسّدة ممتلكاتها، بل من تتوسّد ذكرياتها. ونلمح كذلك روحيّة الصمود والنضال في مواقف البطلة. فكل ما أرادته «هالة» هو أن تشارك في الحفلة التي نظّمها بعض المطربين في الذكرى الأولى لاغتيال أبيها بأدائه لأغانيه. قرّرت أن تؤدّي الأغنية الأحب إلى قلبه، كي تنازل القتلة بالغناء ليس أكثر... إن واجهتهم بالدموع يكونوا قد قتلوها أيضاً، وهذا ما قامت به المناضلة المحرّرة سهى بشارة، عندما راحت تغني «هيهات يا بو الزلف» في المعتقلات الإسرائيلية. وفي الحالين، هي مقتولة، سواء على أيدي الإرهابيين، أو المجتمع. فحين وقفت على الخشبة لأوّل مرّة، «كان خوفي من أقاربي يفوق خوفي من الإرهابيين أنفسهم. أنا ابنة مدينة عند أقدام «الأوراس» لا تساهل فيها مع الشرف». الشخصيّة الرئيسة، إذاً، هي «هالة الوافي». فتاة في السابعة والعشرين، من بلدة مروانة، تجمع بين الألم والعمق، عزلاء وعلى قدر كبير من الكبرياء. في مدينتها تلك، الحب ضرب من الإثم، لا يدري المرء أين يهرب ليعيشه... في سيّارة ؟ أم في قافة المعلّمين؟ أم على مقعد في حديقة عامة؟ كان مجرّد جلوس الحبيبين معاً فضيحة انتشرت بسرعة «خبر عاجل». وتبلغ السخرية ذروتها عندما تقول مستغانمي على لسان البطلة: «كان يمكن أن تكون الكارثة أكبر، فيحدث أن تقوم قوّات الأمن بمداهمة الحدائق والتحقيق مع كل اثنين يجلسان متجاورين». تقع «هالة» في حب رجل فاحش الثراء «طلال»، يتقن لعبة المسافة بين الحبيبين. حاول دائماً أن يمنعها من الغناء، من خلال إغرائها بالمال، ودفع كل ما تتقاضاه من حفلاتها. وطالما قال لها «الأسود يليق بك». الأسود لون الحداد، ورفض الحياة. لكنها، رفضت، غنّت، فنجحت. ربما كان يفضّل لو خانته مع رجل، على أن تخونه مع النجاح. النجاح يجمّلها، يرفعها، بينما اعتقد أنه حين ألقى بها إلى البحر مربوطة إلى صخرة لامبالاته، ستغرق لا محالة. مَن فكّ رباطها؟ بمن استنجدت لتقطع المسافة بين القاع والسطح ؟ آمَنت بنفسها، وفكّت رباطها بيديها، وانطلقت. خلعت سوادها، فخلعت رجلها. ارتدت ثوبها اللازوردي وتألّقت. هي اليوم امرأة حرّة، صوتها الليلة لا يحبّ سواها. لأوّل مرّة تقع في حب نفسها. كان يريد أن يُديم استعبادها، وأثناء ذلك، كان يخونها مع عشيقته الأزليّة، تلك الشهيّة التي لا ترتدي حداد أحد: الحياة. ولكن يبدو أنّ مستغانمي لا تزال تأنس إلى نوع من الإنشائية في كتابة الرواية. وتتوسّع إلى درجة تشتيت فكر القارئ، وإعاقة تركيزه، مع إتباع كل موقف روائي، بمثل أو مشهد، غالباً ما يكون بطله مثلاً شعبياً، أو شخصية عالمية، أو أسطورة من أساطير الزمان، ناهيك عن التنظير: « سيف العشق كسيف الساموراي، من قوانينه اقتسام الضربة القاتلة بين السيّاف والقتيل»... «كما يأكل القطّ صغاره، وتأكل الثورة أبناءها، يأكل الحب عشاقه. يلتهمهم وهم جالسون إلى مائدته العامرة. فما أولَمَ لهم إلا ليفترسهم»... وقِس على ذلك أمثلة كثيرة: قصّة «المغني الفرنسي سيرج غانسبور» في الثمانينات، إلى نيوتن، غيفارا... بخاصة في الجزء الأول من الرواية، الأمر الذي يؤثّر في الراوية «العليمة» أو الكلية العلم (وهذا مأخذ سلبي روائياً) ويقيّد الأحداث في وجهة نظر واحدة. فتعرض ثقافتها في التاريخ، المسرح، الحضارة، الأدب، الموسيقى، الفلسفة.