بقلم: الدكتور سعد بنداود. بسم الله الرحمان الرحيم. قال الله عز وجل :"لن يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم" . صدق الله العظيم. لّٙخص أحدهم ما يريده من الجامعة فقال : « إنها تضم هؤلاء الناس الذين من حقهم أن يتعجبوا . . . لديهم القدرة على أن يسألوا، والمقدرة على أن يختبروا ويستنتجوا ويلخصوا ويعمموا ويطبقوا نتائج اختباراتهم ومهاراتهم. إنها ملتقى الكفايات والكفاءات ومجمع العلماء والخبراء والحكماء والمفكرين وذوي الرأي والمستكشفين والباحثين عن الحقيقة في بيداء المجهول الذين يعتمد عليهم العالم اعتمادا كليا في حفظ المعرفة وتداولها وتقدمها، ومن تم يكونون أداة فعالة لتحقيق ما يصبو إليه المجتمع من تغييرات». ورغم أن مفاهيم كثيرة تناقش في هذا النص خاصة فيما يرجع للكفاءات والكفايات، وفي حفظ المعرفة وتداولها وفي تطبيق نتائج الاختبارات والمهارات، فإن الإطار العام يبقى صالحا لما يتوخاه المجتمع من الجامعة الذي ٙتٙحٙضُّرٌهُ رَهْنُ بانطلاقيتها، ورَهْنٌ بتقييمها وتقويمها للرؤى الحضارية والإنسانية من حولها، ورَهْن بالتالي بمدى شعورها العميق بالمسؤولية التي هي القاسم المشترك بين الناس في توجهاتهم. فما حال جامعاتنا؟ وهل تُؤدي رسالتها وفق منهاج علمي مدروس موقوت لا أثر فيه للارتجالية وما يتبعها؟ذلك ما نشك فيه. وإذا كانت جامعاتنا بما فيها أعتق جامعة في العالم، جامعة القرويين، التي أسستها امرأة وهي فاطمة الفهرية في القرن الثالث الهجري/القرن التاسع الميلادي، قد حققت الكثير من أهدافها المنوطة بها من حيث نشر المعرفة وتأصيل مقومات البحث العلمي مما نتج عن ذلك تحقيق تنمية اجتماعية واقتصادية وثقافية لا نستطيع إنكارها فإن ما نلحظه حاليا من ارتباك واضح داخل بعض المؤسسات سواء على المستوى الإداري أو البيداغوجي ومن تدني وانحطاط في مستوى التكوين، مما ينعكس أثره سلبا على سمعة مؤسساتنا الجامعية وقيمتها العلمية ونتائجها التي أصبحت لا تحقق انتظارات مجتمعنا وطلبتنا على وجه الخصوص، يفرض علينا طرح إشكالية الإصلاح الجامعي من جديد خاصة في الوقت التي تتعالى فيها الأصوات المطالبة بإعادة النظر في منظومة التعليم العالي برمتها بوضع الجامعة في قلب الانشغالات الوطنية وإعطائها الأولويات والإمكانيات اللازمة لبلوغ مستوى الجامعات العالمية حتى يمكنها من الاستجابة بشكل أخص لمتطلبات عصرنا ولرفع تحديات عصرنا وما يطرحه من مهام جديدة أصبحت من اختصاصات جامعاتنا من التكوين مدى الحياة، وإعداد النشء والتهيؤ لمهن المستقبل والانفتاح نحو الآخر والإشعاع العلمي وتطوير المعرفة ونشرها وتشجيع التعاون وتبادل المعارف والخبرات وطنيا ودوليا. إن جامعاتنا اليوم - وبالجمع المؤنث السالم - لا تلبي حاجيات المجتمع، ولا تخرج إلا موظفين يُوَد ِّعُونٙ العلم حينما يُوَد ِّعُونٙ الأساتذة. كما أنها لا تهيئ إلا أناسا تعطيهم شهاداتهم غُرُورا فكريا وقدرة على النقاش البيزنطي الميتافيزيقي . . . فهي ليست جامعة بقدر ما هي عالة تثقل كاهل الدولة وتعيش على حساب المجموع. فالجامعة أولا وقبل كل شيء مكان علمي للتكوين ولنشر المعرفة والإشعاع العلمي. إننا نرى أن جامعاتنا وفي جميع الاختصاصات تجتاز محنة كبيرة وأزمة عميقة في كل المجالات لأنها لم تزد بعد على أن تكون مؤسسات تعليمية لا ترقى إلى مستويات مطامحنا وآمالنا. والمرحلة التي نمر بها الآن تفرض علينا أن نكون موضوعيين ومتوفرين على شجاعة تمكننا من وضع النقط على الحروف لرفع التحديات. وهنا وقبل كل شيء، نود أن نركز اهتمامنا على حالة المدرسة الوطنية للعلوم التطبيقية بأسفي التابعة لجامعة القاضي عياض نموذجا كما نشرتها الجرائد والمواقع الإليكترونية وتحدثت بها الألسن. فهذه المؤسسة الجامعية لتكوين مهندسين الدولة تعرف مشاكل مختلفة ومتفاوتة الخطورة منها بالخصوص : - مشاكل بيداغوجية ومنها على سبيل المثال o إسناد المواد إلى الأساتذة بدون احترام التخصصات قصد إضعافه.o عدم اعتماد معايير موضوعية في تقييم كفايات ومعارف ومؤهلات الطلبة وصلت حد منح نقط النجاح لبعض الطلبة المتغيبين ومنح النقط للطلبة بدون مراعاة مبدأ الاستحقاق .o منع الطلبة من اطلاع على أوراق الامتحانات .o جل المواد تدرس بدون أعمال تطبيقية ولا تتوفر المؤسسة ولو على تقني واحد بالإضافة إلى انعدام مختبرات أغلبية المواد . . . مشاكل التسيير الإداري ومنها o التلاعب والزبونية والمحسوبية في التوظيفات وصلت إلى حد توظيف دكتوراه في الآداب والعلوم الإنسانية تخصص تقنيات المعلومة والتواصل في مجال الشيخوخة للتدريس مواد في العلوم الحقة في الهندسة الصناعية . o الترقيات المجانية ودلك بتسليم شواهد إدارية مزيفة قصد توظيفها في ملفات الترقية .o الترسيمات التي تخضع للسلطة التقديرية لمدير المؤسسة باعتباره رئيس اللجنة العلمية والتي تساهم في توريط الموظفين الجدد في دوامة الغش والفساد. o هدر المال العام بمنع المهندسين من العمل داخل المدرسة وتعويضهم بأساتذة عرضيين وإتلاف المعدات والتجهيزات الديداكتيكية والمخبرية. ولا أثر لميزانيات الدولة والتجهيز وعائدات المنتديات والندوات والمحاضرات . . .o عدم مراقبة الأساتذة فيما يخص الغياب وأداء واجباتهم من تدريس وتأطير .o انعدام قانون داخلي بالمؤسسة . . . - هزالة البحث العلمي الجاد حتى لا نقول انعداميته .- ... إننا نرى أن جامعاتنا وفي جميع الاختصاصات تجتاز محنة كبيرة وأزمة عميقة في كل المجالات لأنها لم تزد بعد على أن تكون مؤسسات تعليمية لا ترقى إلى مستويات مطامحنا وآمالنا. والمرحلة التي نمر بها الآن تفرض علينا أن نكون موضوعيين ومتوفرين على شجاعة تمكننا من وضع النقط على الحروف. إننا نشتكي من العامل التربوي وهو أشد لصوقا بالعامل الاجتماعي لذلك نجد أسئلة كثيرة تتوالى علينا في هذا الجانب. - ما هي نوعية الأطر التي تحققها لنا الجامعة ؟ - ما هي نوعية الدراسة التي يتلقاها طلبتها ؟ - ما هي المجالات الفكرية والإنسانية التي تتكون منها منطلقاتنا ؟ - ما هي المفهومات الثورية العلمية والحياتية التي تنبثق عنها دراسة جامعية ؟ - ما هي الأجواء التي أعددنها للأفواج المتخرجين ؟ - ما هي الصلات التي تربط بين المتخرجين وبين ما يحيط بهم محليا وعالميا ؟ - ما هي الآفاق المفتوحة في وجه كل من ندر نفسه للعلم والبحث ؟ - كم من نظرية علمية أو تربوية أو أدبية أو اختراعية انبثقت عنها جدران جامعاتنا ؟ - كم دكتوراه سلمت لحاملها فكانت في المستوى ؟ وإذا انتقلنا إلى العامل الثقافي، وجدنا أن الثقافة التي يحصلها طلبتنا لا تؤهلهم لإثبات شخصياتهم وفرض قيمتهم العلمية - إلا من استثناءات - بل لا تساعدهم على تأدية رسالتهم الإنسانية. إن ثقافتهم محدودة وضحلة ومرد ذلك : - خلل في البرامج وعدم مسايرتها للواقع الحالي والظرف الحياتي، فنحن نعيش في زمن متأخر عن آخرين يقاسموننا العصر والحياة والليل والنهار، بل حتى هذه البرامج لا يسند تلقينها للمستحقين، وما أكثر ما تفوح روائح التلاعب والتهافت والمصالح. - ضعف في هيأة التدريس والتلقين، إن كثيرا ممن يتصدرونه لا يتوفرون على كفاءات علمية صحيحة مبعثها الجدية والبحث عن الجديد والخروج من طريقة التلقين الميت والإملاء المدان، والتهافت على المصالح الشخصية زيادة في حصة ربح الأستاذ. - هزالة البحث العلمي الجاد حتى لا نقول انعداميته، ونحن ما زلنا نرى هذا المجال - رغم ما بذل فيه - ترفا فكريا لا يلجه إلا الراسخون في الذات والمال والوسائط، بينما دول عريقة وغنية وكبيرة لا تدخل في حساباتها، فيما يرجع للبحث العلمي منطق الربح والخسارة، ففي الولاياتالمتحدةالأمريكية في بداية القرن الماضي الميلادي كان بها مائة ألف ممن يشتغلون في البحث العلمي، وأنفقت عليهم عشرة ملايين دولارا، بينما قفز العدد في سبعينيات القرن نفسه إلى ثلاثة ملايين وقفز الإنفاق إلى 15 بليونا دولارا. ونحن لا نرمي لأن نكون كأمريكا أو كإحدى الدول الباحثة ولكننا نقول إن ما بيننا وبين ما أنفقته أمريكا قرن كامل وبعد هذا القرن كله نجد أن أصغر ميزانية لدينا هي ميزانية الثقافة وربما لا تساوي ميزانية فريق كروي قدمي. إن هذه النظرة البسيطة توصلنا إلى نتيجة واحدة وهي : أننا في حاجة إلى إصلاح جامعي فعال سريع . . .- فما هي حدود هذا الإصلاح ؟ - وما هي سبل تحقيقيه ؟ - وما هي حظوظ نجاحه ؟ ودون مماطلة وتطويل، نرى أن الإصلاح ينبثق من عدة محاور. 1. المحور المالي الإنفاقي 2. المحور التجهيزي 3. المحور الإداري 4. المحور التربوي/ التكويني 5. المحور الثقافي الإنساني 6. المحور البحثي المتجدد 7. المحور العلاقاتي 8. المحور التكافئي الحقوقي. وقبل أي شيء وبعد أي شيء، نقول أن الدولة تنفق على المجال التعليمي بدون حدود خاصة التعليم العالي و الجامعي الذي هو المرآة الصقيلة العاكسة لكل تقدم ورخاء. ولكن ماذا تريد الدولة من هذا التعليم ؟ وكيف تريده أن يكون ؟وما الهدفية منه ؟وماذا يعطي للدولة وللمجتمع في الأخير ؟ في الظهير الشريف المتعلق بتنظيم التعليم العالي رقم 199-00-1 الصادر في 15 من صفر 1921 الموافق 19 ماي 2000 قانون تحت رقم 00-01 مبادئ وأهداف جاء في بعضها : - يدرس وينمو ويتطور في إطار التمسك بمبادئ العقيدة الإسلامية وقيمها - يمارس وفق مبادئ حقوق الإنسان والتسامح وحرية الفكر والخلق والإبداع مع الاحترام الدقيق للقواعد والقيم الأكاديمية وللموضوعية والصرامة والأمانة العلمية والنزاهة الفكرية. - يوضع تحت مسؤولية الدولة التي تتولى التخطيط له وتنظيمه وتطويره وضبطه وتوجيهه حسب المتطلبات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للأمة التي تحدد السياسة الوطنية في هذا المجال بتعاون مع المجموعة العلمية وعالم الشغل والاقتصاد، وكذلك مع الجماعات المحلية والجهات بصفة خاصة. - يعمل على مواصلة تطوير التدريس باللغة العربية في مختلف ميادين التكوين وتسخير الوسائل الكفيلة بالدراسة والبحث اللغوي والثقافي الأمازيغي وإتقان اللغات الأجنبية وذلك في إطار برمجة محددة لتحقيق هذه الأهداف . ويهدف التعليم العالي إلى : - تكوين الكفاءات وتطويرها وتنمية المعلومات ونشرها في جميع ميادين المعرفة. - الإسهام في التطورات العلمية والتقنية والمهنية والاقتصادية والثقافية للأمة مع الأخذ في الاعتبار الاحتياجات الخاصة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية. - التمكن من العلوم والتقنيات والمهارات وتنميتها بواسطة البحث والابتكار. - الرفع من قيمة التراث الثقافي المغربي والعمل على إشعاع قيمه العريقة. هذه المبادئ والأهداف وغيرها كثير، جيدة جدا وترمي إلى تحقيق حياة رغدة كريمة لشعب أبي كريم يرعاه عاهل متفتح عصري مؤمن بالشعب والإنسان والمثل والقيم والحقوق. ولذلك فهي في حاجة إلى جهود جبارة من الجميع. وفي نظرنا أن السهر على المحاور التي أشرنا إليها وإضافة أخرى إليها، بعزيمة قوية، وإخلاص كبير، ونكران ذات لا بد أن تعطي ما يتوخى منها. المحور المالي ألإنفاقي :قلنا إن الجانب المالي متوفر بكيفية تكاد تكون مرضية وأن الدولة تبذل جهودا جبارة وحثيثة بغية أن توفر لهذا المرفق حاجياته الأكثر من الضرورية انطلاقا من نظرتها للتعليم العالي وما ينتظر أن يحققه في التنمية البشرية والإنسانية وحتى النباتية والحيوانية. ولكن المشكلة تكمن في الإنفاق. وهناك شكاوي عديدة توجه ضد المنفقين والآمرين بالصرف والمستوردين من العميد إلى المقتصد إلى المستشار والمساعد والمتعامل والوسيط. وكليات عديدة وجامعات مختلفة وجدت بها اختلالات مالية وسوء تدبير وإنفاق ظاهر إما بالتبذير وإما في أشياء غير ذات بال، وإما ... وإما ... فهل يعقل أن يقدم رجل العلم للاتهام والمقاضاة؟ وهل يمكن أن يكون الآمر بالصرف مثلا رجلا تخرج من مدرسة إدارية نسائله من منطقه الإداري ونحاسبه من منطق دراسته وتكوينه ومجاله، ونحفظ لرجل العلم قيمته ونظرة الناس إليه ؟ إن الهدر الإنفاقي لا يقل فظاعة عن الهدر الإنساني والجامعات تتصرف في ميزانيات مهمة وهي بالدرجة الأولى خارجة من جيوب أبناء الشعب الذين هم في حاجة إليها. ولكنهم يدفعونها راضين حبا في وطنهم ورغبة في تقدمه وفرحة بتبوئه المكانة اللائقة ككل شعوب الدنيا.إن الهدر الإنفاقي خيانة للشعب، وللدولة، وللأجيال، وللتاريخ وللعلم نفسه. المحور التجهيزي : وهو مرتبط بالجانب الإنفاقي.إن الجامعات محتاجة لكثير من الأجهزة والمعدات الكثيرة من خزانات ومنح وأحياء، وقاعات، ومخابر مجهزة، وبحوث، ووسائل، ورحلات، واتفاقات. وهذه وغيرها من وسائل إيصال المعرفة للطالب، والعمل على تمتيعه بالراحة النفسية والمادية والمعنوية حتى يستوي إدراكه ويكون قابلا للأخذ والعطاء. وهذه أغلبها موجودة ومتوفرة ولكنه مركون في الدهاليز. والدولة صرفت بدورها الكثير. ولكن الأساتذة يشتكون مر الشكوى، فقد يكون الجهاز غير متوفر وميزانيته موجودة ولا يحضره المسؤولون. وقد يكون به عطب كبير أو صغير قابل للإصلاح ولا يصلح. وقد يبقى محبوسا في صناديقه يتناثر عليه الغبار مع الحاجة إليه حتى يبلي ويتلاشى ... والطلبة بدورهم يشتكون حتى من الكراسي المكسرة أو عديمة الوجود بالمرة، وقد يستعمل الطالب ركبتيه طاولة يضع عليها دفتره ويكتب. وما قلناه في الإنفاق نقوله في التجهيز، فكم آلة أو عملا مسجلا في دفتر النفقات بالشراء أو بالإصلاح ولا أثر له؟ وكم أجهزة ثمنها في السوق معروف وسجلت بثمن خيالي ادعاء بأن نفقات وصوله أضيفت إليه ... وكم ... وكم ... المحور الإداري : ولعل الجانب الإداري أخطرها جميعا ، وتتجلى الشكاوى منه في : - ضعف التسيير وفشل الأساليب المتبعة، وهذا ناتج عن جهل تام بالتسيير الإداري من قبل المسؤول، وعدم خضوعه لتدريبات تفيده، فلا يكفي هنا الجانب الإنساني، فكثير من الناس يفتقدون هذا الجانب ولا تكفي الشهادة العالية ليكون الأستاذ عميدا ناجحا أو مسؤولا موفقا. فكم من دكتور يعتقد أن دبلوم الدكتوراه تخول له خرق القانون أو افتعال قوانين تناسبه لكي يترقى في السلم الإداري. وهاهي الجرائد والألسنة تحدث عن أشياء غريبة ومتنوعة تقع بالمؤسسات الجامعية بأسفي التابعة لجامعة القاضي عياض بسبب الغش والفساد وسوء التسيير على سبيل المثال. - فساد الجهاز الإداري الذي يقوم عليه موظفون غير واعين وغير مدركين لنفسيات الآخرين من موظفين وأساتذة وطلبة وحتى زوار. إن فشلا كبيرا قد لحق عددا من الإدارات التي يسيرها مثل هؤلاء فعرضها للنقد والقيل والقال، وتسببوا في اتهامات خطيرة لمن هم أعلى منهم وأوفرهم تجربة وأنضجهم تعاملا. إضافة إلى هذا، فهؤلاء وأمثالهم لا يستجيبون للرغبات الطلابية ولا يبحثون عن حل المشاكل بقدر ما يبحثون عن كيفية التستر عنها مما يجعل التفاهم عسيرا، والود مقطوعا والفارق بين العقليتين والتفكيرين والطموحين شاسع عظيم وكبير.- عدم العدل والمساواة بين الموظفين. وهذه لا ترجع إلى علم ولا إلى ثقافة بقدر ما ترجع إلى إحساس داخلي بثته فيه تربية جيدة منطلقة من أن الناس جميعا من ذكر وأنثى، وكلهم يحسون بالظلم ويتأذون منه، ويحبون العدل ويضحون من أجله. وقد تطرقت إلى هذا الأديان السماوية نادى بها الفلاسفة والعلماء والمصلحون والشعراء. وفي إطار عدم عدل المسؤول، وفي إطار ظلمه تروج قضية من أغرب القضايا منذ سنتين، كما نشرتها الجرائد وتحدثت بها الألسن، وهي توظيف دكتورة في الآداب والعلوم الإنسانية تخصص تقنيات التواصل والمعلومة في مجال الشيخوخة للتعطي دروسا في الكيمياء والفيزياء والصيانة والجودة . . . في مجال الهندسة الصناعية بالمدرسة الوطنية للعلوم التطبيقية بأسفي - جامعة القاضي عياض. ومعلوم أن الدكتور في اللسانيات لا يدرس قضايا الفقه العالي، وأن الدكتور في الفلسفة لا يدرس الجغرافيا، فما بال هذه الدكتورة في العلوم الإنسانية(TIC de la gérontologie) والميتريز في التغذية الفلاحية (agroalimentaire) والإجازة في البيولجيا (Biologie) تدرس الهندسة الصناعية وصاحب الاختصاص محروم ؟بل هناك آخرون حرموا بدورهم من قبل إدارة مدرسة المهندسين بأسفي لأنهم وقفوا ضد اللعب والظلم والتهافت. ومن المآسي أن تصير الجامعة إدارة من إدارات وزارة التعليم العالي فتفقد شخصيتها وقدسيتها واستقلاليتها وأخيرا حريتها ومن العار أن ينصب على رأس الجامعة أناس أنانيون من حماة الغش والفساد الذين يشجعون تبذير المال العام ولا يهمهم التدني في تكوين أجيال المستقبل. المحور التربوي التكويني : إن الجميع يلاحظ ضعفا مهولا في أداءنا التربوي وتكويننا الأكاديمي ويلاحظ بصفة خاصة في محددين رئيسيين : أ – ضعف أخلاقي سلوكي استهتاري حتى يعتقد الإنسان أن الجامعة لم تنشأ إلا له، فانفصلت عن مجتمعها وكونت لنفسها أخلاقيات جديدة وتعاملات أخرى خدشت سمعتها وسمعة أطرها، وأصبح لا يقصدها إلا من لم تكن ظروفه مواتية لتبديلها بغيرها.ب – ضعف تربوي تكويني مريع لا يستجيب للحاجيات المجتمعية الملحة ولا يواكب التطور السريع للحياة، ومرد هذا الضعف أسباب كثيرة تراكمت طوال عقود وباتت تهدد العملية كلها، ومن أهم الأسباب التي ينبغي إعطاؤها الأولوية :- إعطاء الحرية للجامعة مع اقتران المسؤولية بالمحاسبة، واستقلالها المادي والمعنوي حتى تضطلع بمسؤولياتها وتحقق التفاهم والانسجام بين مكونات المجتمع وتهيئ أطرا كفأ قادرة على تحمل الأعباء التي تنتظر منها والتي تفرضها أوضاع شعب ينشد الحرية والكرامة والرغد. إن عدم استقلال الجامعة يقلل من فرص نجاح التكوين والتلقين والإبداع والتحصيل وبالتالي يشوش بل يفجر قيمة المجهودات العلمية والفكرية الهادفة إلى تغيير النظرة السطحية عند الطالب، وإلى تعميق أفكاره ومدركاته، وإلى دفعه للعمل الجاد بعيدا عن العراقيل والمثبطات. واستقلالية الجامعة لا يمكن أن تتحقق إلا بمحاربة الغش والفساد، واضطرار وزير التعليم العالي والبحث العلمي وتكوين الأطر، السيد لحسن الداودي، إلى استعمال الأرقام السرية لوزارة المالية للوزارة لمعرفة ما يجري من اختلالات مالية في الوزارة والجامعات والمؤسسات الجامعية لبادرة حسنة في الاتجاه الصحيح. - إن بلورة شخصية الطالب بالبحوث والمشاريع التي تعطاه حول التكوين والخرجات والمناقشات والتلخيصات والمشاهدات الميدانية والتجارب العلمية وحتى إلقاء بعض الدروس أو المساهمة في إعدادها ودفع الطالب لأن يمس ويحس ويعيش التجارب العلمية . . . أهم بكثير من شحن دماغه وذاكرته بالمعلومات النظرية. إن ربحنا الكامل هو أن يعرف الطالب محيطه، فيتفاعل وإياه بالمنظار العصري الواقعي المنبثق عن شخصية قوية متماسكة شاعرة مستعدة للمساهمة بدون تقوقع على الذات من الآخر أو خشية من الآخرين. - إشراك الطلبة في تسيير الجامعة لأنهم المعنيون بالدرجة الأولى بما يدور داخلها. وفي وضع البرامج حتى يكون تكوينهم ذاتيا ومنبثقا منهم وبالتالي سيكونون بدورهم مسؤولين عن النجاح والإخفاق. زيادة على هذا فما ذكرناه يشعر الطلبة بشخصياتهم ويقيهم نتائج الاجتماعات التي تعقد في غيبتهم، ويعفيهم من الترسبات النفسية السيئة التي كثيرا ما تبقى مصاحبة لهم، فتجني على مواهب وعقول. - مراجعة سياسة التقويم والتوجيه والتنقيط والمحاباة التي كثيرا ما تكون في صالح فآت معروفة. وليس خافيا أن ثالوث : التوجيه والتقويم والتنقيط وإعادة التوجيه لا يخضع للمقاييس العلمية التربوية عند بعض الأساتذة ولا لحاجياتنا الظرفية الملحة بل إنه يعتمد على الارتجال والعاطفية. إن الإخفاقات في الدراسة الجامعية لا يعني أن طالبنا متأخر فكريا أو أن اجتهاده لا يرقى إلى المستوى المطلوب المؤهل للنجاح وإنما القضية ترجع إلى أشواك ومثبطات، وما سطرناه جزء منها. ولا بد أن نقول أن التكوين الجاد القوي الفارض للشخصية غير متأت عند عديد من المكونين. ففاقد الشيء لا يعطيه . . . ولا بد من مراعاة آليات أخرى في التدريس بالجامعة، فليس كل حاصل على دكتوراه بقادر على التدريس وتربية الأجيال وليس كل من أملى محاضرة بناجح في تهيئه الأجيال. إن ضعف مكونين في لغة الوطن - العربية - ظاهر بارز، وعدم استطاعتهم التواصل مع الطلبة بلغة سليمة التركيب والتعبير زاد الأمر انتكاسة وهولا.فكيف بالطالب أن يكون في المستوى إذا كان أستاذه غير ذلك.وللأسف، فإن كثيرا من المحصلين على دبلوم مهندس دولة في العلوم التطبيقية أو الإجازة حتى في المواد الإنسانية لا يحسنون كتابة فقرة دونما أخطاء ...ولا يستطيعون التحدث دونما تلعثم أو سقطات ... هذا على مستوى لغتهم ... أما على مستوى اللغات الأجنبية فالخطب أفدح ... ولن يستقيم الأمر بدون قلع جذور الأمراض المسببة للآلام. أيها السادة الأفاضل والسيدات الفضليات. بالإمكان أن نتحدث عن كل المحاور التي ذكرناها وبالإمكان إضافة أخرى . ولكن الأهم هو : هل انطلقنا ؟ هل بدأنا ؟ هل عزمنا على تغيير حال الجامعة بعد قرابة ستين سنة من الاستقلال ؟ ولقد مرت أمم من قبلنا من وضعنا ولكنها تغلبت على معوقاتها ...ونحن كذلك واصلون لا محالة إنشاء الله. وعلى الله نجحنا في ختام إن ثبتنا وصح منا ابتداء وفي الأخير نريد أن نفتح قوسا لننوه بالمجهودات الجبارة التي يبدلها وزير التعليم العالي والبحث العلمي وتكوين الأطر، السيد لحسن الداودي والدي شرع بالفعل في محاربة الغش والفساد وتبذير المال العام في الوزارة والجامعات وقد استجاب لبعض مطالبنا المتعلقة بالإصلاح الجامعي، أيضا صرح أمام البرلمان يوم الاثنين 04 يونيو 2012 بأن جميع التوظيفات والترقيات ستصبح وطنية ابتداء من السنة المقبلة. لكن اليد الواحدة لا تصفق وفي انتظار ترجمة أقوال وزير التعليم العالي على أرض الواقع، نود أن ننبه الجميع إلى تركيز الاهتمام على الدور العظيم الذي يلعبه الأستاذ في المجتمع وتربية وتكوين الأجيال. وقد كاد الشاعر أن ينزل المعلم منزلة الرسول قائلا : قم للمعلم ووفيه التبجيل- كاد المعلم أن يكون رسولا. وإن إصلاح التعليم ببلادنا سوف يتم إن شاء الله بصلاح الأستاذ الذي قبل تحمل أمانة تربية وتكوين الأجيال. والسلام بقلم :الدكتور سعد بنداودأستاذ باحث بالمدرسة الوطنية للعلوم التطبيقية بأسفي - جامعة القاضي عياض.