محمد دهنون الريع الاقتصادي والامتيازات ظلت لعقود إحدى الآليات التي اشتغلت بها أجهزة الدولة المغربية لعقود.. الهدف.. الإخضاع.. التدجين.. الاحتواء.. وإرضاء "الطبقة الطفيلية" التي اعتقدت نفسها ذات مرحلة حامية للنظام بذلك الولاء المغشوش..! ولم تخرج تفاصيل هذا الريع عن تقديم الأعطيات والهبات بمنطق توزيع المقالع والثروات ومأذونيات النقل وآلاف الهكتارات على غير مستحقيها.. بشكل وسع الهوة بين جزء كبير من الشعب المغربي وبقية الشلة المستفيدة دون أدنى مجهود أو كفاءة.. أو حتى حس وطني.. مناسبة هذا الكلام لا يبتعد مضمونه كثيرا عن الواقع المعيش بآسفي.. فالسلطة ظلت لسنوات في هذه المدينة.. عاكفة ومصرة على منح الامتيازات لحوارييها.. مقالع رمال.. كريمات الطاكسيات.. رخص في سوق الجملة للخضر.. وأشياء أخرى تم توفير الغطاء القانوني لنهبها والاستفادة منها.. تحت يافطة "المنفعة العامة".. الحديث الصادم.. حديث يجر حديث.. والخلاصة الدامغة والصادمة.. هو أن المتعمق في ملفات مأذونيات النقل في شقيه المزدوج والصنف الثاني من طاكسيات المدينة كما يسمون ذلك في الوثائق والتعريفات.. لا بد أن يشده ويندهش ويستغرب لعمق الفساد والمحسوبية والزبونية الكامنة في مثل هذه الملفات التي تستقر في قسم الشؤون الاقتصادية بعمالة آسفي.. رخص توزع على المحاسيب والمقربين.. وأخرى تباع بطرق ملتبسة ومشبوهة.. عبر سماسرة معروفين ولهم أوثق العلاقات بالمسؤول السابق لذاك الذي يسمى "القسم الاقتصادي"..!.. الصورة واضحة.. شخص واحد في آسفي يملك أكثر من 50 رخصة طاكسي.. بين حيازة شخصية وكراء.. ووراءه لفيف آخر تتوزع بينهم رخص أخرى.. أقلهم يملك خمسة رخص.. السؤال ليس فقط لماذا يملكون كل هذا الأسطول لوحدهم.. بل السؤال الأهم.. كيف تحصلت لهم هاته المأذونيات..؟.. ومن سهل لهم الطريق للحصول عليها قبل سنوات قليلة خلت..؟..ما هو معروف ومعلوم لدى العامة والمسؤولين.. أن هناك "ميلودات" شغلهم الأساس هو احتكار الاشتغال على "حقل الطاكسيات".. يتكلفون بكل شيئ ..من الحصول على الرخصة.. إلى الكراء.. إلى تحديد " الحلاوة".. التي تصل اليوم إلى حدود 15و16 مليون سنتيم.. ويبلغ بهم الاجتهاد ليس فقط على المستوى المحلي.. بل اجتهادهم أصبح مركزيا.. كيف...؟ باعروب مول الكوزينة.. بكل بساطة الراغب في الحصول على مأذونية.. يكفيه الجلوس مع "باميلودات".. توفير نسخة من البطاقة الوطنية.. ومبلغ 20 مليون سنتيم.. والباقي – حسب ما صرح لنا به العديد من المهنيين- يتكفل به سي العربي ذاك الرجل القابع في " المطبخ الشريف" في العاصمة.. وماهي إلا مسألة وقت قصير حتى يتصل الوسطاء بالراغب والدافع والراشي.. ليقال له.. هيئ السيارة، فالرخصة قادمة من الرباط.. ولا عليك.. الغرض مقضي.. وفي حالة ما لم ينضبط أحد الراغبين أو الحاصلين عن رخصة سابقة.. لشروط الكراء والتجديد.. يقول هؤلاء فيما بينهم.. "إلا ما ضوا على السيد.. كنجرو ليه الطبيلة ونخلو الكويسات يتشتتو".. بالمعنى الفصيح.. لا بد من خضوع أي مستفيد لقواعد اللعبة التي يسيرها الوسطاء ويؤطرها القسم الاقتصادي في العمالة.. وأقل بحث أو تحقيق سيقود وسيكشف عمق الفساد سواء داخل الولاية أو خارجها.. ونعني بها الشبكات الطفيلية المستفيدة من هذا الريع.. فلا يمكن أن يمحوا مثلا أسماء المستفيدين.. الأطفال.. وآباء وأمهات العديد من المسؤولين.. سواء مركزيا أو الذين مروا ذات مسؤولية من آسفي.. على سبيل الحكي.. يحكي أحد المهنيين على لسانه.. بأن الأمور جاوزت حدها.. والرخص الممنوحة في آسفي قادمة من الرباط في أسماء محظوظين ورياضيين وسياسيين ونقابيين.. والسواق الذين قضوا حياتهم في العمل أمام المقود.. خرجوا في معظمهم بالسلة بلا عنب.. في حين أن الرخص توزع على مقربي السلطة.. وأولاد الحنطة تعيش أسرهم أوضاعا مأساوية.. لا تقاعد ولا صندوق ولا حماية صحية.. مثل أحد قيادمة السواق الذي يقبع اليوم بدار العجزة.. أسماء من مثل " دابز، الغليمي، الغياط".. اليوم بلغت أعداد الرخص بالمدينة 511 طاكسي.. أغلبيتها لا تعود لذوي احتياجات خاصة.. أو مقاومين أو عائلاتهم.. بل اللوائح والأسماء تكشف عن المخبوء والمخفي. وأخيرا أصدرت جمعية أرباب الطاكسيات بلاغا منددا على الطرق التي تمنح بها الرخص، وأيضا رخص أخرى تسرب حسب بيانهم.. أنها تعود لعدول وزلايجي ومول الدجاج.. أكملوا من رؤوسكم.. جزاكم الله خيرا.. رخص الثقة التي لا تحوز الثقة.. فيما يتعلق برخص الثقة التي تمنح لسائقي الطاكسيات بهذه المدينة.. فالأمر يشوبه وتخترقه نفس الممارسات.. الباشوية وبعض الموظفين فيها خصوصا الذين غادروا إلى مواقع أخرى أو أخذتهم لعنة التقاعد.. كانوا منخرطين في تحويل مساطر منح هذه الرخص إلى سوق بيع وشراء، لا تراعى فيه سوى بعض الحالات التي ترد من عند نافذ أو برلماني فاسد أو مسؤول سلطوي.. رموا عليه بالعار فيما يشبه عقلية القبيلة والمزاوكة والرشاوي التي توزع انطلاقا من "الكرسي الدوار الأول" داخل باشوية آسفي.. هذا كل ما يمكن أن يقال حول الرخص والطاكسيات.. ونحن بطبيعة الحال.. نحتفظ بالوثائق والأسماء.. والعلاقات المتشابكة بين الماضي والحاضر.. والتي لا تكون نتائجها في المحصلة العامة.. سوى الفساد الذي يمشي على رجليه وبالوجه المكشوف.. نعتقد أنها جزء من الأسباب الوجيهة التي تجعل حركة 20 فبراير تحتج وتندد وتطالب بإسقاط الفساد. المقالع "النافذة".. أما مقالع الرمال بإقليم آسفي.. يتقاسمها برلمانيون قدامى وجدد.. ومجموعة من الذين ولدوا وفي أفواههم ملاعق وبالات من رمل وذهب.. هناك النافذون وأبناؤهم القادمون من مناطق أخرى.. والذين يستغلون رمال وثروات الإقليم تحت أعين السلطة.. واستغلال بشع للملك البحري العمومي بدون ضوابط ولا احترام دفاتر التحملات.. المراقبة غائبة.. والفوضى سيدة المكان.. انطلاقا من الصويرية القديمة.. وتعريجا على خميس ولاد الحاج ومرورا بسوق عام إلى حدود منطقة البحيبح، وسيدي بزرقطون.. المكان والقرية والأرض التي ولدت المقاوم الكبير محمد الزرقطوني.. وليت الأمر قد توقف هنا.. فالبعض يشتغل على الرمال "المخلوطة" بالمخدرات في عرض سواحل المنطقة الجنوبية لآسفي.. الدليل القاطع هو القوارب التي ضبطت في السنوات الأخيرة.. تدخل وتخرج الكيلوات ديال الحشيش.. وبقية الحقائق يعرفها بعض المسؤولين المتواطئين. ومثل ذلك في سوق الجملة.. فيما يتعلق أيضا بسوق الجملة للخضر والفواكه.. هناك أشخاص حصلوا على امتيازات.. ومكثوا داخل السوق لسنوات طوال حائزين على رخص الامتياز.. ولم يقدموا شيئا للوطن أو للمدينة.. وجلسوا فقط يعدون دنانيرهم وملايينهم التي يأخذونها كمكس على صناديق الخضر ونسب المنتوجات الداخلة إلى سوق الجملة.. استنتاجات عامة.. هي معطيات لا يمكن أن يكذبها مسؤول أو مستفيد أو سمسار.. تشكل بناء قائم الذات وهيكل حقيقي لاحتضان اقتصاد الريع وعرابيه.. وإذا كانت البلاد اليوم سواء على مستوى رئيس الدولة الذي تحدث صراحة عن محاربة اقتصاد الريع والدفع بالحكامة الديمقراطية في الاقتصاد.. وإذا كانت الطبقة السياسية الرصينة في هذه البلاد.. نادت في أكثر من محطة بضرورة القطع مع هذه المستويات الريعية.. وإذا كانت حركة 20 فبراير رفعت شعارات ضد الفساد والريعية والمحسوبية.. فإن المطلوب اليوم.. وهذا سيكون من ضمن إجراءات تعزيز الثقة.. هو إعادة النظر في الوسائل والصيغ التي أنتجت هذا الوضع الفاسد وغير المقبول داخل حراك سياسي يقول بدولة الحق والقانون والعدالة الاجتماعية والتوزيع الأمثل والديمقراطي للخيرات والثروات.