يتابع السيد عبد الاله بنكيران الرئيس المكلف بمهمة تشكيل حكومته، مشاوراته مع الاحزاب السياسية، ولكن في سياق دعايات تتحدث عن وجود أزمة سياسية أو “بلوكاج” و أيضا في سياق تسريبات حول مشاوراته مع بعض الاحزاب السياسية، وأيضا في ظل خروج حوارات وتصريحات وافتتاحيات لجرائد ومقالات رأي تطرح سيناريوهات متعددة. وفي هذا الصدد نطرح ملاحظات أولية: الملاحظة الاولى، وتتعلق بالاعمال التحضيرية لدستور 2011، والتي كان من المفروض أن يتم الافراج عنها ونشرها قبل إعداد القوانين سواء منها التنظيمية أو القوانين ذات الصلة بإعمال الدستور، ولكن اليوم فإن هناك حاجة قوية لهذه الاعمال التحضيرية حتى يتبين للباحثين وللفاعلين المقاصد من فصول الدستور ولاسيما منهما الفصلين 42 و47 منه. ومع غياب هذه الوثيقة فإن أعضاء اللجنة المكلفة بصياغة الدستور تحت رئاسة السيد عبد اللطيف المانوني، مطلوب منهم لزوم الصمت صونا لسر أعمالهم، وأن يتحدثوا بكل الصفات الا صفة “عضو سابق”، حتى لا نجتهد على اجتهادات كل واحد منهم، ونذكر بالنقاش الذي دار حول القانون التنظيمي للتعيين في المناصب العليا، حيث صرح بعض أعضاء اللجنة أن المقصود بالمجال الاستراتيجي للملك وفق الفصل 49 من الدستور لم يكن يتعدى خمسة إلى ستة من “المسؤولين عن المؤسسات والمقاولات العمومية الاستراتيجية”. الملاحظة الثانية، وهي تتعلق بصناعة “وهم” وجود أزمة سياسية أو حالة “بلوكاج”، في حين أن هذا “الوهم” مردود عليه، وأن الزمن التفاوضي للسيد بنكيران من أجل تشكيل حكومته هو عادي، ويمكن أن يمدده إلى شهرين أو ثلاث أو أكثر ولا يعبر ذلك عن وجود أزمة سياسية، مادامت مؤسسات الدولة مستمرة من خلال الاحتياطي الدستوري والقانوني. الملاحظة الثالثة، وهو النقاش اليوم حول الفصل 42 من الدستور، يعيدنا إلى ما قبل دستور 2011، وإعادة استنساخ تجربة الفصل 19 السابق، بمعزل عن الوضع الاجتماعي والسياسي والاقليمي الحالي، وهو وضع لا يسمح بالرجوع للوراء في ظل المكتسبات في مجال الهامش الديمقراطي، ونذكر بنموذج المجرم دانيال كالفان وأخيرا الشهيد محسن فكري. وعلى اساس ذلك فإن القراءات التي أعطيت للفصل 42 من الدستور من قبل مجموعة من الفاعلين والباحثين، والتي تسمح للملك بالتدخل من أجل تشكيل الحكومة بشكل مطلق، هي قراءة مجانبة للصواب، رغم كل تلاوينها. فالفصل 42 هو بنية متكاملة، وليس صلاحيات للملك معزولة عن بعضها البعض، فالفقرة الاولى التي تؤكد أن الملك هو “رئيس الدولة، وممثلها الأسمى، ورمز وحدة الأمة، وضامن دوام الدولة واستمرارها، والحكم الأسمى بين مؤسساتها، يسهر على احترام الدستور، وحسن سير المؤسسات الدستورية، وعلى صيانة الاختيار الديمقراطي، وحقوق وحريات المواطنين والمواطنات والجماعات، وعلى احترام التعهدات الدولية للمملكة.” رهينة بالفقرة الثالثة من نفس الفصل والتي تقول صراحة “يمارس الملك هذه المهام، بمقتضى ظهائر، من خلال السلطات المخولة له صراحة بنص الدستور”. وبخصوص تشكيل الحكومة فإن الملك “مقيد” دستوريا وفق الفصل 47 من الدستور ب أن ” يعين رئيس الحكومة من الحزب السياسي الذي تصدر انتخابات أعضاء مجلس النواب، وعلى أساس نتائجها”. وهو من بين الظهائر التي يصدرها الملك ولا توقع بالعطف من قبل رئيس الحكومة وفقا للفقرة الرابعة من الفصل 42. وبالتالي نحن أمام ثلاث سيناريوهات: إما أن يشكل رئيس الحكومة المكلف حكومته وأن يتم تنصيبه من قبل مجلس النواب؛ إما أن يعلن بن كيران فشله في مهمته ويطلب الاعفاء من الملك، وتبقى للملك صلاحية إما أن يجدد الثقة في السيد بنكيران لمباشرة إعادة تشكيل الحكومة أو أن يعين شخص أخر ولكن من نفس الحزب أي العدالة والتنمية، وليس هناك خيار دستوري ثالث نهائيا. إما أن يعلن الملك حل مجلس النواب وفق الفصل 51 من الدستور، وهو خيار جد مستبعد لتكلفته السياسية والمالية والادارية. كما نشير أن هناك من يتحدث عن تحريك الفصل 174 من الدستور وخاصة الفقرة الثالثة ” للملك، بعد استشارة رئيس المحكمة الدستورية، أن يعرض بظهير، على البرلمان، مشروع مراجعة بعض مقتضيات الدستور” ، وهو حديث مهووس باللعب على الفصول وقراءات متسرعة، لانه لم يتم أصلا تشكيل مجلس النواب، لان هذه المراجعة مقيدة ب “ويصادق البرلمان، المنعقد، بدعوة من الملك، في اجتماع مشترك لمجلسيه، على مشروع هذه المراجعة، بأغلبية ثلثي الأعضاء الذين يتألف منهم” ، ومن جهة أخرى فالقاعدة الفقهية صريحة “لا يطبق القانون بأثر رجعي”. ختاما، وهو ليس دفاعا عن شخص أو حزب وإنما عن المؤسسات وعن الخيار الديمقراطي، ودفاعا عن النفحة البرلمانية في الدستور، فإن رئيس الحكومة المكلف ابتداء من قبل الملك والمعين انتهاء من قبل مجلس النواب لن يكون إلا من الحزب السياسي الذي تصدر نتائج الانتخابات. وتبقى الجملة الاخيرة من الفقرة الاولى من الفصل 47 “يعين الملك رئيس الحكومة من الحزب السياسي الذي تصدر انتخابات أعضاء مجلس النواب، وعلى أساس نتائجها.” ، أي ” وعلى أساس نتائجها” جملة “ملغومة” إلى أن تنشر الاعمال التحضيرية للجنة المكلفة بصياغة الدستور. نحن أمام “بلوكاج” سياسي وليس دستوري والجواب عنه سياسي وليس قانوني.