كنت ممن تحاشى في البداية التحليل وإبداء الموقف في حادثة إسقاط الطائرة المغربية في اليمن، ونشرت الخبر على حسابي في الفايسبوك دون إبداء الرأي أو التحليل مباشرة بعد الإعلام عنه من طرة القيادة العسكرية المغربية. أما الأن وقد اتضحت بعض من حيثيات الحادث، فأستطيع ان أقول في البداية بأن سرعة إعلان المغرب عن فقدان الطائرة دون انتظار الإعلان عنه من طرف المتحدث باسم العمليات العسكرية للتحالف العربي في اليمن “احمد عسيري” هو تكتيك حربي نجحت القيادة العسكرية المغربية من خلاله في تخفيف حدة الصدمة لذا الرأي العام الوطني الداخلي ( العنصر الأهم بشكل خاص في مثل هذه الأحداث) من ناحية، ومن ناحية ثانية أفقد إعلان الحوتيين فيما بعد إسقاط الطائرة المغربية عنصر المفاجئة، هذا من ناحية الإدارة الإعلامية للمشاركة المغربية في التحالف. لكن وإن كانت القيادة العسكرية المغربية قد أدارت المسألة الإعلامية في هذا المستوى بشكل تكتيكي نوعا مما، إلا ان سؤال القبول بطبيعة المهام العسكرية التي يقوم بها الطيارون المغاربة دونما سواهم من الطيارين المشاركين في إطار التحالف العربي في اليمن وسابقا في إطار التحالف الدولي في محاربة تنظيم الدولة “داعش”. المهام طبعا هي تتمثل في عملية تحيين الدفاعات الجوية “للعدو” حسب المفهوم العسكري وهي المهمة الأخطر حسب الخبراء العسكريين ، كونها أول من تشتبك في ساحة القتال (أي ارتفاع نسبة إحمال تعرضها لنيران معادية) قبل أن تتبعها طائرات القصف وتدمير الأهداف، هذه الطبيعة في المهمة العسكرية للطيارين المغاربة كان قد كشف عنها الطيار الأردني “معاذ الكساسبة” الذي أُسقطت طائرته في سوريا في اعترافاته حينما وقع في الأسر وتم إحراقه فيما بعد في الحادث المشهور من طرف تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”. الجانب الآخر طبعا هو سؤال الخطط العسكرية الموازية والتي تُصاحب تحليق الطيارين في مناطق “العدو” أي بعنا آخر عمليات التدخل السريع و”الكوماندوز” الذي يستطيع انقاد الطيار بعد سقوطه في أرض العركة خاصة إذا استحضرنا أن طائرات أف 16 تمتلك زر الأمان الذي من خلاله يتم سحب الطيار خارج الطائرة كلما تعرضت لخطر السقوط، وبالمناسبة فهذه الطائرة الثانية التي سَقطت في حرب اليمن بعد الطائرة الأولى التابعة لسلاح الجو السعودي وتدخلت البحرية الأمريكية المرابطة في خليج عدن وساعدت في إنقاد الطيار السعودي من الموت، ونتصور جميعا كيف سيكون الحمل تقيل جدا على القيادة السياسية والعسكرية المغربية لو وقع الطيار المغربي في الأسر، أي ما يعني جهدا استخباراتيا وسياسيا كبيرين قد تنجح الدولة أو لا تنجح من أجل تنفيد صفقة ما للإفراج عن الأسير، أي المزيد من الضغط الداخلي من الرأي العام وأيضا من الابتزاز والضغط المحتمل من طرف الحوثيين الذين يحتاجون إلى مثل هذه الأوراق للضغط. على الجانب الأخر أنا لا اجد أي جدوى في خوض حرب المحاججة من أجل الدفاع عن المشاركة المغربية في هذا التحالف تحت ذريعة الدفاع عن الكعبة وعن أهل السنة في اليمن ضد الشيعة لأن هؤلاء الطيارين ايضا لم يذهبوا الى بورما ولا إلى أفريقيا الوسطى ولا إلى أماكن عديدة يضطهد فيها أهل السنة من طرف طوائف أخرى أو حتى من أنظمتهم الديكتاتورية في بعض البلدان العربية (سوريا والعراق مثلا….)، في المقابل لا أفهم سبب الانتشاء وأحيانا الاحتفال من طرف البعض بسقوط الطائرة واستغلال الحادثة الأليمة من أجل تسديد الأهداف ضد المخزن بمنطق أن “الحرب ليست حربنا” و”ضد من كان الطيارون المغاربة يقاتلون؟” و”لمذا لا يحررون سبتة ومليلية؟” وما إلى ذلك من أسأله بعضها مشروع وبعضها غير ذلك، لأنني لم أسمع هذه الأصوات تتحدث وتنتقد حينما شارك المغرب بنفس الطيارين في قصف داعش، طبعا لأن مشاركة المغرب أنداك يصب بالنهاية في مصلحة النظامين السوري والعراقي ضمن محور الممانعة المزعوم حسب فهم هؤلاء طبعا. إذن كل هؤلاء المخدوعين هم ضحايا الحرب الأيديلوجية (يسارية شيعية من جهة، وسنية ليبيرالية من جهة أخرى) التي صُبغت بها هذه الحرب في اليمن، والواقع أن أسباب المشاركة المغربية في هذه الحرب هي تندرج في إطار المصالح الاستراتيجية المغربية المرتبطة بدول الخليج وتحديدا العربية السعودية ودولة الإماراتالمتحدة، ولو تأملنا قليلا في أطرافها لفهمنا القضية جيدا، ف “علي عبد الله صالح” الرئيس اليمني السابق الذي أزاحته الثورة اليمنية وفقد بعضا من امتيازاته أراد أن يرجع إلى السلطة ولهذا ليس له أي مشكل اليوم في أن يتحالف مع من كان أعداء له فقط في الأمس ومن كان قد حاربهم لمذة 30 عاما وهم جماعة الحوتي. الحرب في اليمن بعيدة كل البعد عن أن تكون حربا أيديولوجية طائفية بل هي حرب مصالح، والذليل هو أن السعودية لم تجد أي غضاضة في محاربة حليفها الاستراتيجي “علي صالح” الذي دعمته وتكلفت بعلاجه حينما تعرض لمحاولة الاغتيال إبان الثورة اليمنية في 2011، بل تحالفت اليوم (أي السعويدية) مع الإخوان المسلمين (اللجان الشعبية الموالية لهاذي حاليا) واطراف الحراك الجنوبي اليمني رغم أن السعودية نفسها هي من أسقطت الإخوان المسلمين في مصر بدعمها للعسكر وحاربتهم في ليبيا بل في أرضها وزَجت ببعض من رموزهم في السجون أو دفعتهم في أحسن الأحوال خارج أراضيها بل خارج منطقة الخليج بأسرها، ولا نحتاج لأن نسوق كثير من الأمثلة في التاريخ، ويكفي أن أدكر بأن السعودية هو النظام السني الداعم الأول لنظام الشاه الإيراني الشيعي قبل أن تسقطه الثورة الخمينية وأيضا لنظام الإمامة الزيدية في ستينات القرن الماضي (الحوتيين حاليا) قبل أن تندلع الثورة في اليمن ويُعلن عن قيام الجمهورية اليمنية.