كان لافتا خلال الحوار الاجتماعي لهذا العام، كونه مر بشكل سلسل وبدون ضجيج، في الوقت الذي كانت جولات الحوار الاجتماعي في عهد الحكومات السابقة تعرف الكثير من الصدامات والصراعات والإضرابات الوطنية، وفي الكثير من الأحيان، تعرف جلسات الحوار "بلوكاج" ولا يتم التوصل إلى أي اتفاق. ويوم أمس السبت، وبعد شهرين فقط من انطلاق أولى جولات الحوار الاجتماعي، يوم 24 فبراير 2022، سيتم الإعلان عن التوقيع على محضر اتفاق اجتماعي وعلى ميثاق وطني للحوار الاجتماعي، وصف ب "التاريخي"بين الحكومة والاتحاد العام لمقاولات المغرب والمركزيات النقابية الأكثر تمثيلية،خلال اجتماع اللجنة العليا للحوار الاجتماعي برئاسة رئيس الحكومة، عزيز أخنوش، فما الذي تغير في علاقة الحكومة بالنقابات ؟ الحوار الاجتماعي في عهد بنكيران.. سوء الفهم الكبير المتابع الذكي للحقل السياسي في المغرب، يمكنه أن يتذكر كيف أن المركزيات النقابية، كانت معتادة على خوض مسيرات عمالية، وإضرابات متكررة بقطاع الوظيفة العمومية، وكيف كان المغرب يعرف تصاعد الاحتجاجات وتزايد الاحتقان الاجتماعي. ففي عهد حكومة السيد عبد الاله بنكيران يتذكر الجميع كيف أن جولات الحوار الاجتماعي توقفت منذ بدايتها، وكانت العلاقة بين الحكومة والنقابات تتسم ب "سوء الفهم الكبير"، وأن العلاقة بين الطرفين كانت مفتوحة أمام المجهول. حيث تسببت مجموعة من القرارات الحكومية، في عهد السيد عبد الاله ابن كيران، في تزايد حدة الاحتقان الاجتماعي، منذ بداية عمل حكومته وإلى نهاية ولايتها، وظلت المركزيات النقابية تتهم حكومة الإسلاميين الأولى كونها "أغلقت كل قنوات الحوار، مقابل فرض قرارات لها انعكاسات على القدرة الشرائية للمواطنين، لعل أبرزها تنفيذ قرار تحرير أسعار المحروقات بعد رفع دعم صندوق المقاصة عنها"، وبذلك كانت حكومة بنكيران، ولأول مرة في تاريخ المغرب، قد وحدت النقابات جميعها ضد الحكومة، وخاضت إضرابات وطنية شاركت فيها جميع النقابات، باستثناء نقابة حزب العدالة والتنمية. "بلوكاج" العثماني وتدخل لفتيت في عهد حكومة سعد الدين العثماني لم تكن الأمور في أحسن أحوالها،وكانت جلسات الحوار تعرف الكثير من لحظات الصعود والنزول، فقد عرف الحوار الاجتماعي في الفترة الممتدة ما بين 2017 و2021 حالة جمود كبير،وكانت غالبية النقابات تقاطع جولات الحوار الاجتماعي. إلى درجة أن الحوار الاجتماعي في سنة 2019، لم يكتمل إلا بعدما تدخل وزير الداخلية، عبد الوافي لفتيت، ليلعب دور رئيس الحكومة، ويقوم بحلحلةالخلاف وإنهاء حالة "البلوكاج" ويلتقي شخصيا مع النقابات الأكثر تمثيلية،رغم أنه ليس رئيسا للحكومة ولا وزيرا للتشغيل، واستطاع بكاريزميته أن يخرج جلسات الحوار من عنق الزجاجة. توافقات أخنوش.. قرارا يتم اتخاذها لأول مرة خلال جلسات الحوار الاجتماعي التي انطلقت يوم 24 فبراير الماضي، وتم الإعلان عن مخرجاته يوم أمس السبت 30 أبريل، تم التواصل إلى توافقاتوصفت ب "التاريخية"، وقرارات يتم التوصل إليها لأول مرة في تاريخ الحوار الاجتماعي منذ انطلاقته قبل عقدين من الزمن بين الحكومة والمركزيات النقابية. فخلال ولاية عزيز أخنوش، التي لم يمر على تنصيبها سوى قرابة 7 أشهر، لم تخرج النقابات العمالية للاحتجاج ضد الحكومة وانخرطت بوطنية عالية في جلسات الحوار الاجتماعي، كما أن موظفي القطاع العام، لم يخوضوا إضرابات وطنية، كما كان الأمر عليه في السنوات السابقة. والملاحظ أن الحوار الاجتماعي لهذا العام، عرف تنزيل مجموعة من تعليمات الملك محمد السادس التي وردت في مجموعة من خطاباته، ففي خطاب العرش لسنة 2018 ثم خطاب العرش لسنة 2020، دعا جلالته إلى ضرورة إنجاح حوار وطني يضمن تنافسية المقاولة ويدعم القدرة الشرائية للطبقة الشغيلة، وبلورة منظور عملي شامل بما يحق التعميم الفعلي للتغطية الاجتماعية، ومحاربة أي انحراف أو استغلال سياسوي للحوار الاجتماعي،إضافة إلى تأكيد جلالته أن "الحوار الاجتماعي واجب ولابد منه وينبغي اعتماده بشكل غير منقطع"، وهو ما تم بالفعل تنزيله في عهد حكومة عزيز أخنوش، بعدما تم لأول مرة، إحداث آليات مواكبة للمأسسة، ويتعلق الأمر بالمرصد الوطني للحوار الاجتماعي ليشكل فضاء لترسيخ وتوسيع دائرة القوة الاقتراحية ويتولى مهمة اليقظة الاجتماعية وإنتاج المؤشرات وتتبع وتحيين المعطيات وتنسيق إعداد التقرير السنوي حول المناخ الاجتماعي. بالإضافةإلى إحداث أكاديمية التكوين في مجال الشغل والتشغيل ومناخ الاستثمار من أجل الرفع من قدرات الفاعلين في مجال الحوار الاجتماعي والمفاوضة الجماعية والآليات البديلة لحل وتدبير النزاعات والوساطة الاجتماعية.