كنت أتمنى ان أتخلص من الكتابة حتى ندافع عن أنفسنا في حضور العقل، فما الكتابة إلا ترياق الذاكرة، لكن الواقع الحسي يحتم علينا، إن نتوسل بالتكليم باعتباره ترك العلامة في عرف اليونان القدماء، الدين أبدعوا شيئا اسمه الديمقراطية. لا أحد ينكر أن مجال السياسة هو مجال الفعل والممارسة وليس مجال التقوى والخضوع، كما أخبرنا بذلك تلميذ الرشيدية سبينوزا، وعليه فان العمل أبلغ وأشهد من النوايا في هذا المجال، من الوعود الكاذبة التي أتحفنا بها الحزب الحاكم قبل الحراك، وأوصله هذا الأخير على أمواجه إلى سدة الحكم لتنكشف بعد ذلك عورة التوت وينتهج نهج السطو على مكتسبات الشعب المغربي الدستورية ويسلك مسلك الاختباء وراء مفاهيم الدولة العميقة والتحكم متناسيا اختصاصاته ومهامه التي فوضها إليه المغاربة في إطار عقد اجتماعي وفق القانون الاسمي للأمة. لنعد للموضوع أن مقولة ميلاد الحزب بطريقة إكلينيكية جاءت على لسان ثلاث أطراف المستفيدين من الريع السياسي والاقتصادي باسم السياسة من جهة إلى جانب قوى الإسلام السياسي التي رفعت اللافتات والشعارات أثناء ركوبها على الحراك وهذه المسألة يعرفها مناضلو الحراك أكثر من أي متتبع للشأن السياسي خصوصا مسيرة عشرين مارس. أما واقع الحال كما يعرفه رجالات العلم والسياسة، ويتمثل في أن حزب الأصالة والمعاصرة هو نتيجة لنقاش عميق من طرف بعض رجالات الفكر السياسة ومعتقلين سابقين إلى جانب طرف يمثل الدولة وأحزاب صغيرة في إطار سياق تصالحي يحكمه توحد الجهود من أجل بناء حزب حداثي ينهل من تصورات الفكر السياسي المعاصر الذي حاول أن يقارب أزمة الايدولوجيا سواء التيارات الاشتراكية كسمير أمين على سبيل المثال لا الحصر أو الليبرالية ولنأخذ كيدنز أو صن على سبيل المثال لا الحصر، كإطار لدراسة نقدية لازمة وتيه الإيديولوجيات ونسبيتها في طرح أجوبة بديلة، نسبية تتكيف واقعا وعمليا مع الواقع المجتمعي من خلال سياسات عمومية ملموسة بعيدا عن الطوباوية والدغمائية ثم التفكير في ماهر أصيل من خلال إعادة الاعتبار للتنشئة الاجتماعية التي لها كذلك دور بناء مجتمع المعرفة. أما من جهة أخرى، فهو قراءة نقدية لمسارات تطور الممارسة السياسية بالمغرب انطلاقا من فكرة الكتلة الوطنية وامتدادها الطبيعي إلى الكتلة الديمقراطية في اتجاه الحداثة، وهي ثم من جهة ثالثة القراءة المزدوجة للفكر السياسي في شمال إفريقيا والعالم العربي، النهضة/التقدم، التقليد/التحديث، النقل/العقل، إنه سجال بين التيار يعرف بالسلفي الذي بدأ مع جمال الدين الأفغاني مع العروة الوثقى ثم محمد عبده وامتداداته مع صاحب جاهليه القرن العشرين السيد قطب ثم رشيد رضى وامتداداتهم كمنظرين لحركة الإخوان المسلمين التي وصل تأثيرها في المغرب مع حركات الإسلام السياسي التي أفرزت في النهاية حزب العدالة والتنمية هده الحركات التي توحدت مع المخزن في ضرب اليسار المغربي وقتل الفكر والسياسة معا. فالسياسة لغيرهم هي كفر والتفكير بغير منطقهم المتهالك هو حد وردة، وإن كنا نؤمن، بأن لكل فعل رد فعل ولكل لحظة تاريخية مبررتها خصوصا وأن المرحلة كانت مرحلة صراع المعسكرين الشرقي والغربي، في إطار طي صفحة ماضي الانتهاكات الجسيمة، وفي خضم محاولات الهيمنة، خرج من رحم المغاربة مفكرون أمثال عبد الكبير الخطيبي والعروي والجابري ثم أركون من الجزائر إلى جانب مفكرين مشارقه كطرابشي وقبلهم شبلي الشميل وأنطون يطلق عليهم تيار الليبرالية على اعتبار أنهم فكروا في سؤال التخلف من خلال قراءات نقدية للواقع والتراث معا وطرحوا أجوبة مستلهمة من التطور الحضاري في العالم والتي ساهمت فيه سائر الأجيال والأجناس البشرية دون تنقيص من قيمة شعب أو أمة على أخرى،أنها أجوبة عن سؤال تخلفنا كمغاربة بعقود، وما مؤشرات التنمية عنا ببعيدة . لنعد إلى بوزنيقة بل وما وقع إن القول بأن إلياس العماري مرشح وحيد هو قول لا أساس عملي له خصوصا والكل يعلم الصراع الذي دار إعلاميا بين مجموعة من المناضلين الذين لهم وزنهم داخل الأصالة والمعاصرة بل وتصريحات بدعم مناضل على حساب آخر من طرف السيد حكيم بنشماش لتخلص هده الكفاءات بمرشح وحيد في إطار تنازلات تفوز من خلالها الأستاذة المنصوري برئاسة المجلس الوطني ويتنازل الأستاذ وهبي عن الترشيح عرفانا بقوة إلياس العماري تنظيميا ثم استحضارا لشرعيته الشعبية، كتصور تجميعي، لا في اتجاه التقديس الذي جبل عليه أهل ولاية الفقيه والذي يحاولون إيهام أبناء الشعب بعكسه وتسليطه على كل أفراد المجتمع إضافة إلى استفادتنا من تجارب رفاق لنا في أحزاب نتقاسم معها نفس الهم الوطني التي كادت أن تعصف بها في الوقت التي يحتاج المغرب إلى كل أحزابه وهيئاته لتثبيت بناء دولة المؤسسات. أعتقد أنه إن كان البعض ولا يزال يراهن على تشتت الحزب فهو واهم، لأن مناضلات ومناضلي والأصالة والمعاصرة الذين أصبحوا أكثر قوة بقطاعاتهم الموازية، وبنضجهم ورغبتهم في تحقيق مشروع أخد من النقاش الوقت المستفيض ورغبتهم في مواجهة الفكر الأصولي والقوى الإسلام السياسي الموالية للشرق وتقديم مشروع علمي بديل قابل للتحقق وبعيدا عن وهم و بالأساطير والخرافات الزائفة وبيع والوهم والمتاجرة بمآسي العباد تغلب على طموحاتهم الفردية إنه طموح بناء المجتمع الديمقراطي.