بقلم : د. عبد الله بوصوف / أمين عام مجلس الجالية لقد أشرنا في مناسبة سابقة الى ان جائحة كورونا قد علقت عدة أجندات و مواعيد سياسية و رياضية و فنية...و انها ألغت أو أجلت عدة استشارات و تمارين سياسية بأكثر من منطقة في العالم...و من بين الأمثلة التي سُقناها كانت الانتخابات البلدية الفرنسية و ما تحمله من معاني و رسائل سياسية في أفق إجراء الرئاسيات الفرنسية في سنة 2022 ...وهو ما أشرنا له بأن تلك الانتخابات البلدية هي في الأصل مقدمة أولى للرئسيات الفرنسية و امتحان صعب للرئيس الفرنسي الحالي ايمانويل ماكرون و لحزبه " الجمهورية إلى الأمام " و يمكن القول بان الانتخابات البلدية الفرنسية لسنة 2020هي الأصعب و الاغرب في تاريخ الجمهورية الخامسة الفرنسية...فقد تأثرت بظروف كورونا و تم تأجيل اجراء دورها الثاني... و ذلك بعد إجراء الدور الأول في 15 مارس ، أي في ظروف صعبة تميزت بالانتشار السريع لفيروس كورونا و الهلع الجماعي من العدوى.. وتطبيق إجراءات الطوارئ الصحية...وهو ما جعل السلطات الفرنسية تقرر تأجيل الدور الثاني من 25مارس ....الى28 يونيو... لقد حضرت كل مقومات الاثارة و التشويق في نتائج الدور الثاني للانتخابات البلدية الفرنسية .. كما ان نتائجها فتحت باب التكهنات على مصراعيه...وجعلت كل الاحتمالات واردة حتى إشعار آخر..وهكذا يمكننا ملاحظة... أولا ، ساند حزب الخُضر مُرشحة اليسار السيدة آنا هيدالغو ، و التي فازت بولاية جديدة على عمودية باريس ، متفوقة على كل من مرشحة اليمين " رشيدة داتي " عمدة المقاطعة السابعة بباريس و على مرشحة الحزب الحاكم " أنييس بوزين " وزيرة الصحة السابقة .... فهل يعني فوزها من جديد بمثابة اعلان عن عودة قوية لليسار... أم أن الاختيارات السياسات البيئية لعُمدة باريس السيدة هيدالغو هي التي ساهمت في تحالف الخُضر معها...؟ بمعنى هل يمكننا القول ان الفوز هو للمجهود شخصي و ليس لليسار...؟ وهل يعني من جهة أخرى، انه كان تحالف " عقابي " للرئيس ماكرون و حرمان حزبه من تدبير الشأن المحلي..خاصة عقب احتجاجات "السترات الصفراء " و المطالب الاجتماعية و الايكولوجية ...؟ ام هو اعلان عن مشروع تحالف سياسي كبير ...و تحالف برامج سياسات عمومية جديدة بين اليسار و الخُضر في أفُق كل الاستحقاقات السياسية المقبلة خاصة رئاسيات 2022...؟ خاصة و ان " الناخب الباريسي " لازال يتذكر وعد " جاك شيراك " عمدة باريس سنة 1990 بقيامه بالسباحة في نهر السين و بحضور شهود ..كدليل على ان النهر اصبح نظيفا... ثانيًا ، تعثر حزب الرئيس ماكرون "الجمهورية إلى الأمام " و عدم حصوله على عموديات المدن الفرنسية الكبرى..هل هو دق ناقوس الخطر للحكومة الفرنسية و للرئيس ماكرون نفسه ، و ضرورة الاستجابة الى مطالب " حركة السترات الصفراء " و التعجيل بحل ملفات التعليم و التقاعد و السكة الحديدية و غيرها ....قبل موعد الانتخابات الرئاسية القادمة ..؟.. مع التذكير هنا بفوز رئيس الحكومة الفرنسية ادوارد فيليب بعمودية مدينة لوهافر.. فهل كان فوزه هو مكافئة له على تدبير حكومته لفترة الحجر الصحي و محاربة فيروس كورونا...؟ ام لان لوهافر هي مدينة قريبة من مسقط رأسه برووان ، و انه عمدتها لسنوات طويلة...وهنا أيضا هل يمكننا إثارة المجهود الشخصي لإدوارد فيليب و ليس لحزب الرئيس ماكرون....مادام انه لم يتقدم لهذه الانتخابات باسم حزب الجمهورية الى الامام...؟ ثالثًا ، بعد التراجع الكبير لليمين المتطرف الاروبي على مستوي استطلاعات الرأي خلال مدة الحجر الصحي... يفوز " لويس أليوث " ممثلا لحزب التجمع الوطني لمارين لوبان ، بعمودية مدينة بيربينيون ( جنوبفرنسا ) ذات المائة الف نسمة...فهل هي إشارة للعودة القوية لليمين المتطرف الفرنسي بعد إجراءات الحجر الصحي...؟ رابعًا، فوز حزب الخُضر باغلب المدن الفرنسية الكبيرة ..في شكل " تسونامي "سياسي بلون أخضر ... في مدن كبيرة كليون و بوردو و مارسيليا و ستراسبورغ ..و في مدن متوسطة أخرى... هل هو إعلان واضح عن تغيير في المعادلات الانتخابية الفرنسية و ان الخضر والايكولوجيين هم لاعب سياسي قوي...و سيكون الرقم الصعب في كل الاستحقاقات السياسية القادمة خاصة التشريعية و الرئاسية...؟ ام ان الاختيارات الايكولوجية للناخب الفرنسي قد تقوت خلال الحجر الصحي ...والرغبة في جعلها إحدى أولويات السياسات سواء على مستوى الشأن المحلي او الجهوي او الوطني...؟ خامسًا ، النهاية السياسية لجيل سياسي عَمًر أكثر من عقديْن من الزمن ، في كل من مدينة ليون مع جيرارد لوكومب و مارسيليا مع جون كلود غودان...و نهاية اليمين بكل من مدينة بوردو بعد تسيير محلي فاق 70 سنة...و وصول الخضر الى عمودية ستراسبورغ.... سادسًا ، تسجيل ارقام غير مسبوقة خاصة في نسبة التصويت و هي اقل من 40 في المائة ، و أيضا نسبة العزوف القياسية حوالي 60 في المائة...وهو ما جعل الرئيس الفرنسي يصفها " بالمُقْلقة "... في حين ان ملاحظين آخرين ، ارجعوا الامر الى ظروف " المرحلة الثالثة " من الحجر الصحي ، و الى الحرارة المفرطة في ذلك اليوم تارة ، و الى عدم الثقة في الفاعل السياسي و برامجه و وُعُوده... تارة أخرى... سابعًا ،هل يمكننا القول ان ظروف الحضر الصحي في زمن كورونا ، قد اثرت سلبا على العملية الانتخابية في مجملها...سواء تعلق الامر بظروف الحملة الانتخابية و تسويق البرنامج الانتخابي و الاتصال المباشر بالناخبين...و هل كانت النتائج ستكون مختلفة لو لم تقتصر الحملات الانتخابية على استعمال الاعلام و وسائل التواصل الاجتماعي و الحملات الانتخابية " الرقمية "...؟ وهل نسبة عزوف الناخب الفرنسي هي رد فعل عن فشل السياسات الاجتماعية و عدم الاستجابة لمطالب الشارع الفرنسي و احتجاجات " السترات الصفراء "و فقدان الثقة في الفاعل السياسي ..؟ خاصة اذا علمنا ان بعض القراءات تتجه الى تسمية سكان الضواحي و الفئات المتوسطة..كأكبر دائرة للعزوف السياسي في انتخابات يوم 28 يونيو بفرنسا.. أغلب العارفين بالسياسة الفرنسية ، يقولون بإحداث تعديل حكومي في الأسابيع المقبلة خاصة بعد النتائج المخيبة لآمال إيمانويل ماكرون من جهة ، و لفوز ادوارد فيليب بعمودية مدينة لوهافر من جهة ثانية ..وهو ما يعني دخول ضمني لكل من الرئيس ماكرون و حكومته في أجواء مسلسل انتخابات رئاسيات 2022..بتبني إجراءات و قوانين إيكولوجية و أخرى اجتماعية...و هي الرئاسيات التي ستعرف دخول حزب الخضر كمُنافس جديد ، كما سيتوسع التنافس ليس بين الأحزاب فقط ، بل سينظم إليهم ما يُعرف بحزب " الكنبة " أو العازفين...في مشهد سياسي سيُكسركل تقاليد إنتخابات الجمهورية الخامسة الفرنسية...في زمن ما بعد جائحة كورونا....