منذ بداية ظهور وباء كورونا، ابان مختلف الفاعلين والقطاعات والمؤسسات ببلادنا على الالتزام المسؤول والعمل والتضحية الجماعية، لإخراج بلادنا منتصرة وقوية من هذه الأزمة العالميةومواجهة تداعياتها الصحية والاقتصادية والاجتماعية تحت القيادة الرشيدة لجلالة الملك محمد السادس حفظه الله ونصره. كما شكل تدبير أزمة كورونا اختبارا حقيقيا استطاع أن ينمي وعينا بأن مصدر المخاطر والتهديدات هو متعدد القنوات والتي يمكن ان تكون نشأتها خارجية وداخلية ولها تأثيرات مباشرة على المشاريع التنموية لبلادنا وفي كافة المجالات، مما يلزم علينا بتبني مفهوم واسع للأمن ليشمل الأمن الصحي والغذائي والطاقي……وبالتالي وجب دمج الحكامة الرشيدة التي ترتكز عليها إدارة مثل هذه المخاطر أو التهديدات، التي من المحتمل أن تعطل الوضع الطبيعي للدولة ومؤسساته، في تخطيط السياسات العمومية. طلب إعمال الحكامة في المجال الأمني هو ثمرة للتحولات العميقة التي يشهدها المغرب في شتى المجالات وتفعيلا أيضا لمقتضيات هيئة الانصاف والمصالحة التي تقدمت بتوصيات في هذا البابوتتويجا لمرافعات المجتمع المدني في هذا المجال وخاصة من خلال المذكرات التي رفعتها إبان التحضير لإصدار الدستور الجديد. لقد حاول الدستور المغربي لسنة 2011 تجاوز الأمر عبر احداثمؤسسة جديدة لأول مرة، مما يؤكد على أهمية هذه المؤسسة الدستورية التي أوكل اليها التشاور والتنسيق في المجال الأمني.ويشكل المجلس الأعلى للأمن المنصوص عليه في منطوق الفصل54 من الدستور المغربي سابقة في مجال التنسيق بين مختلفالأجهزة الأمنية. وهي بذلك قناة مؤسساتية ستعمل على رسمالاستراتيجيات والتنسيق بين مختلف المتدخلين في صناعة القرارالأمني في مختلف مستوياته. كما انها هيئة لتعبئة الموارد ومواجهةالأزمات والتخطيط الرئيسيي لإدارتها وهيئة للتفكير واعدادالقرارات الكبرى وتتبع تنفيذها، المجلس الأعلى للأمن باعتبار أنه يضم كافة القيادات سواء منهاالسياسية أو الأمنية، سيكون في حالة اجتماع مستمر لدراسة ومتابعة تطور الازمة، ويقوم بتلقي الاقتراحات والمعلومات والتحليلاتوالحلول والخطط المقترحة لاتخاذ القرارات المناسبة لإدارتها ومواجهتها. ومن خلال استحضار التجارب الدولية في هذا المجال يتبين أنالمجالس العليا للأمن في مختلف التجارب تعتبر هيئات مساعدةلرئيس الدولة) أو رئيس الوزراء (في اتخاذ القرارات، ويتضح دورهذه المجالس في ظروف الازمات حيث تتحول إلى ما يشبه حكوماتمصغرة تدبر المراحل الحساسة، كما يمكن ان تضم في عضويتهاجميع الوزرات المعنية بالقضايا الأمنية كالداخلية والخارجية والدفاعوالصحة والنقل والصحة حسب طبيعة القضايا التي يتداولهاالمجلس. الملك في خطاباته كان دائما سباقا إلى تنبيه المشرع المغربي بضرورة تفعيل مؤسسات دستور 2011 ووضع اللبنات القانونية لخروج المؤسسات الدستورية حيز التنفيذ والتطبيق وأهمها المجلس الأعلى للأمن. فبعد مرور تسع سنوات، لم يتم إحداث المجلس الأعلى للأمن الذي يندرج ضمن مسلسل تنزيل الدستور الجديد الذي نص على إحداثه في فصله 54، وإخراج نظامه الداخلي، كي يضطلع بالمهام الدستورية الموكولة إليه، بما يفضي إلى تعزيز آليات دعم أمن المغرب والمغاربة وتحقيق الفاعلية الأمنية وإدارة الملفات الحساسة وتدبير الأزمات. لكن، وفي ظل التطورات الأمنية المتسارعة التي يعرفها عالم اليوم، وحجم المخاطر والتحديات الكبيرة الداخلية والخارجية التي تحيط ببلادنا أصبح من الضروري الإسراع، قبل أي وقت مضى، إلى إخراج هذه المؤسسة الدستورية وبالتالي مأسسة ضوابط الحكامة الأمنية الجديدة، في أقرب فرصة ممكنة. إن رهان تنزيل مؤسسة المجلس الأعلى للأمن اليوم رهين بمدى وعي الفاعل الحزبي والحكومي بخطورة المرحلة التي تمر منها البلاد، فالسنة التشريعية التي سيتم افتتاحها حافلة بالتحديات وتتطلب العمل الجاد والتحلي بروح الوطنية الصادقة لاستكمال إقامة المؤسسات الوطنية وتركيز النقاش في تحديد أولويات واختيارات المرحلة. تجدر الإشارة ان الدستور المغربي لسنة 2011 ينص في فصله54 على أنه: “يحدث مجلس أعلى للأمن بصفته هيئة للتشاور بشأن استراتيجيات الأمن الداخلي والخارجي للبلاد، وتدبير حالاتالأزمات، والسهر أيضا على مأسسة ضوابط الحكامة الأمنيةالجديدة. يرأس الملك هذا المجلس، وله أن يفوض إلى رئيس الحكومة صلاحيةرئاسة المجلس على أساس جدول أعمال محدد. يضم المجلسالأعلى للأمن في تركيبته، علاوة على رئيس الحكومة، ورئيس مجلسالنواب، ورئيس مجلس المستشارين، والرئيس المنتدب للمجلسالأعلى للسلطة القضائية، الوزراء المكلفين بالداخلية، والشؤونالخارجية، والعدل، وإدارة الدفاع الوطني، وكذا المسؤولين عنالإدارات الأمنية، وضباط سامين بالقوات المسلحة الملكية، وكلشخصية أخرى يُعتبر حضورها مفيدا لأشغال المجلس. ويحددنظام داخلي للمجلس قواعد تنظيمه وتسييره.”. * امل أن يكون تنزيل قرار تشكيل المجلس الأعلى للأمن هو أول قرار يتخذه المغرب، مباشرة بعد خروجنا من كارثة كورونا بإذن الله.