لا يخفى على أحد بأن حزب الأصالة والمعاصرة استطاع خلال العشر سنوات الأخيرة أن يحافظ على توازن المشهد السياسي للمغرب، وتمكن من إيقاف زحف التيار الإسلامي الذي كان سيأتي على الأخضر واليابس في الانتخابات الجماعية والتشريعية الأخيرة لو لم يكن البام متواجدا في الساحة. ورغم كل الضربات التي تلقاها الحزب تحت الحزام منذ نشأته، ورغم محاولة البعض الركوب على موجة الاحتجاجات سنة 2011 لإجبار الحزب على التواري إلى الخلف، ورغم الأزمة المُفتعلة الأخيرة داخل الحزب بهدف تفتيته وتمهيد الساحة لاكتساح التيار الإسلامي للمشهد، استطاع الحزب أن يتجاوز الأزمات متقدما خطوتين إلى الأمام في كل مرة كان يضطر فيها أن يتراجع خطوة إلى الوراء. دور البام منذ نشأته لا يمكن اختصاره في إيقاف زحف الإسلاميين فقط، ولكن أجندة المرحلة كانت تفرض ذلك لأن كل المؤشرات على أرض الواقع كانت تؤكد قدوم تسونامي إسلامي مستغلا الفراغ الذي تركته وسط الساحة أحزاب منهكة بثقل الماضي وكلفة تحمل المسؤولية. واليوم، وبعد أن تجاوز الحزب أزمته الداخلية الأخيرة وكسَر أحلام من كانوا يريدون تفتيته، وبعد أن قررنا التوجه إلى المؤتمر الوطني للحزب موحدين بداية الشهر المقبل، نجد أنفسنا مجبرين على طرح أسئلة مرتبطة برهانات الحزب المستقبلية السياسية والتنظيمية والانتخابية. وأهم الرهانات السياسية في المرحلة المقبلة هو استعادة ثقة المواطنين في السياسة وفي السياسيين، وهو رهان لا يمكن كسبه إلا بتقديم عرض سياسي جديد يؤسس لبلورة جيل جديد من السياسات العمومية تجيب على انتظارات المواطنين. الشيء الذي يفرض على الحزب في المرحلة المقبلة تبني خطاب الصراحة والواقعية والجرأة، والعمل على ضمان مطابقة خطاب قيادته وبرلمانييه ومنتخبيه مع سلوكهم اليومي في مواقع القرار والمسؤولية وطنيا وجهويا ومحليا. تنظيميا، يبقى أهم رهانات المرحلة المقبلة هو إبداع أشكال تنظيمية جديدة مغايرة تماما للأشكال التنظيمية الكلاسيكية المتجمدة. فالحزب اليوم مجبر على لعب دوره في الوساطة المجتمعية جهويا ومحليا، وهذا لن يتأتى إلا بتحويل الحزب إلى منصة مفتوحة تؤطر أكبر عدد من المناضلين، وتستوعب جميع الأصوات باختلافاتها وخلافاتها، وتسِير بنفس سرعة سير المعلومة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وتستوعب مختلف الأشكال الاحتجاجية الجديدة، وتضمن أكبر درجات التداول على مناصب المسؤولية الحزبية محليا وإقليميا وجهويا ووطنيا. انتخابيا، يبقى الرهان المطروح اليوم هو الفوز بالانتخابات المقبلة، وقطع الطريق على اكتساح الإسلاميين للمشهد. وكسب هذا الرهان هو بمثابة تحصيل حاصل إذا ما استطعنا كسب الرهانين السياسي والتنظيمي. الحزب اليوم يوجد أمام مفترق طرق يفرض علينا جميعا الاختيار ما بين القيام بنقد ذاتي حقيقي يمكننا من الاستفادة من أخطائنا السابقة وتصحيحها بذكاء وبمسؤولية، وما بين الاستمرار في نفس الممارسات السابقة. والأولوية اليوم هي لإعادة الاعتبار للمناضلين الحقيقيين داخل الحزب، وتمكينهم من تصدر المشهد لاستعادة ثقة المواطنين في العمل الحزبي، وقطع الطريق على المتسلقين الذين جعلوا من السياسة مصدرا للاغتناء وللضغط وللابتزاز. الحزب اليوم يمكنه أن يستوعب كل مناضليه، باختلافاتهم وخلافاتهم، إذا توفرت الإرادة والجرأة والرؤية والصراحة. فلا يمكننا أن نقنع المغاربة بعرضِنا إلا إذا كنا صرحاء أولا وأخيرا مع ذواتنا.