رغم كل الدعوات التي أطلقها المٓلك محمد السادس منذ إستقبال رؤساء الجهات ال12، وتعيينهم، فان عدداً من هؤلاء ظلوا حبيسي مكاتبهم الوثيرة فيما آخرون فضلوا كثرة الغياب عن مكاتبهم لقضاء مآربهم بعيداً عن الاهتمام بالجهات التي أئتمنوا عليها. 2018، التي اعتبرها المٓلك سنة التطبيق الفعلي لمشروع ‘الجهوية الموسعة' وتنزيله فعلياً على أرض الواقع بقيادة مبادرات جلب الاستثمار ومواكبتها، لم تبدوا كذلك بكافة جهات المملكة ال12. فقد اقتصر نشاط رؤساء مجالس الجهات على عدد محصور جداً من بين الرؤساء ال12، كما لاحظ ذلك المغاربة طيلة السنة التي نودعها. المتتبع لحركية الجهات بالمملكة، يرى بالملموس، أنه باستثناء العاصمة الرباط التي يقف الوالي ‘مهيدية' على كل صغيرة وكبيرة في مشاريع التهيئة والمشاريع البنيوية الكبرى، في الوقت الذي يخصص رئيس الجهة ‘عبد الصمد السكال' كامل وقته للحزب ولصراعات الحزبية والقضائية، فان جهتي طنجةتطوانالحسيمة و الجهة الشرقية، خطفتا الأضواء ضمن المجالس الأكثر حركيّة خلال 2018 في البحث على جلب الاستثمارات وعقد شراكات وطنية ودولية وتبادل الخبرات مع جهات أجنبية فضلاً عن برمجة واقعية وفعلية للمشاريع الإستثمارية. فقد استطاع رئيسي مجلس جهة طنجةتطوانالحسيمة و الجهة الشرقية، و غم العراقيل التي وضعها كل من رئيسي الحكومة السابق والحالي فيً وجه تنديل الجهوية الموسعة والتي تسببت في زلزال سياسي، تحقيق تناسق في العمل داخل المجلسين رغم اختلاف تركيبته سياسياً، لينالا المركز الأول كأفضل مجلسي جهة بالمملكة، خلال سنة 2018 كما تشهد على ذلك الإنجازات. القاسم المشترك بين رئيسي جهة الشمال و الشرق هو انخراطهما لأول مرة في الترشح للانتخابات والعمل السياسي بشكل مؤسساتي وفعلي. فعبد النبي بعوي، رئيس مجلس جهة الشرق، دخل عمارة السياسة والانتخابات لأول مرة بمدينة وجدة، ليصبح من رؤساء الجهات الرائدين على المستوى الوطني، والذي سطع نجمه في الساحة السياسية في ظرف وجيز، لدرجة أصبح رؤساء جهات في المغرب يقتادون بتجربته النموذجية في تدبير الشأن العام، من خلال إيلاءه الاهتمام بمختلف القضايا التي تهم المواطنين، ووضعه قضايا الشباب والمرأة في صلب إهتمامات المجلس الذي يرأسه، مع حرصه على تفعيل وتنزيل مضامين خطب الملك على أرض الواقع. الياس العُماري بدوره، وبدخلوه غمار الانتخابات لأول مرة، عرف كيف يقود بانسجام تام مجلس الجهة بتشكيلته السياسية التي لا تخلو من تجاذبات، ورغم ذلك، فقد نجح في خلق انسجام يغيب ببقية المجالس خاصة مع تواجد أعضاء من أحزاب تشكل الأغلبية الحكومية بينما كان هو، أميناً عاماً لحزب ‘الأصالة والمعاصرة' المعارض. الجهة الشرقية – من التهميش الى الأوراش الكبرى إبن “فيلاج الطوبا”، عبد النبي بعيوي، الذي أطلق صرخته الأولى بمدينة وجدة سنة 1971، المتزوج والأب لأربعة أبناء، ظهر في الساحة السياسية، ذات يوم من سنة 2011، لما إعتلى منصة حفل غنائي، أحيته مغنية الراي “الزهوانية”، بساحة باستور، حيث دعا سكان مدينة الالفية إلى التصويت بنعم على الدستور المغربي وهو يلتحف العلم الوطني، الأمر الذي جعل سكان مدينة وجدة يتعرفون عن قرب على عبد النبي بعوي، المعروف في المدينة باسم “بيوي”. فترشحه في الانتخابات، لم يكن سوى في الاستحقاقات التشريعية التي جرت أطوارها يوم 25 نونبر سنة 2011، باسم حزب الاصالة والمعاصرة، على مستوى الدائرة الانتخابية لعمالة وجدة أنجاد، حيث حصل على ما يزيد عن 17 ألف صوتا، رغم شدة المنافسة التي عرفتها الانتخابات أنذاك، وهو ما جعل خصومه السياسيون يضربون له ألف حساب، ويعتبرونه رقما صعبا في المعادلة السياسية بمدينة وجدة. المقربون منه، يحكون عنه كونه إنسان، طيب، متواضع، ذكي، عصامي، وإبن الشعب..ويعد بالنسبة إلى العديد من مؤيديه، نموذجا للشباب الطموح، إذ هاجر إلى فرنسا مبكرا بحثا عن عمل شريف هناك ليضمن به مستقبله، وبعد سنين من الغربة استطاع أن يعود إلى وطنه للاستثمار ببلدته ومنطقته، وبعدها الانخراط في العمل السياسي. ففي الانتخابات الجماعية والجهوية التي جرت سنة 2015، ترشح عبد النبي بعوي، وكيلا للائحة الجهوية لحزب “البام” بوجدة، وحصل حزبه “الجرار” على 16 مقعدا على صعيد الجهة، وهو ما جعله يعلن عن ترشحه لمنصب رئيس مجلس جهة الشرق، إذ تمكن من الحصول على 32 صوتا مقابل 18 صوتا لمنافسه، عبد القادر سلامة، عن حزب التجمع الوطني للأحرار، ليتمكن حينها من التربع على كرسي رئاسة مجلس الجهة. وأثناء إنتخابه رئيسا لمجلس جهة الشرق، قال:”سنشتغل كفريق واحد للرقي بجهتنا إلى مصاف الجهات الكبرى بالمملكة، وان المجلس سيعمل كل ما في وسعه لأجل تنفيذ كل البرامج التنموية الكفيلة بجعل الجهة الشرقية قطبا اقتصاديا كبيرا”. فمنذ تولي بعوي أمور تدبير شؤون مجلس جهة الشرق، رسم إلى جانب الأغلبية المشكلة للمجلس، إستراتيجية تنموية شاملة تروم النهوض بالتنمية الجهوية، ترتكز بالأساس على دعم الفاعلين الاقتصاديين ووضع إطار استثماري وتمويلي يساهم في جذب الاستثمارات، وتنفيذ استراتيجية طموحة لترويج الجهة، فضلا عن مشاريع أخرى تتوخى تسريع وتيرة النمو الاقتصادي، وتحقيق التوازن في توزيع المشاريع على جميع أقاليم جهة الشرق، تهم النقل واللوجستيك، الهجرة، التعاون الدولي، والتعليم العالي والتكوين المهني، فضلا عن الحكامة الجهوية. وفي الوقت الذي أقدمت فيه السلطات الجزائرية على وقف أنشطة التهريب عبر الشريط الحدودي المغربي الجزائري المغلق منذ سنة 1994، سارع بعوي إلى تنمية المناطق الحدودية، من خلال دعمه للمشاريع الجماعية للسقي الموضعي وتنويع المنتجات الزراعية لفائدة فلاحي الشريط الحدودي بجهة الشرق، وإعطائه إنطلاقة مشروع غرس أشجار الزيتون باليد العاملة على مساحة 300 هكتار، وتسييجها، بهدف خلق 2500 منصب شغل. وحرص بعوي، على تشجيع التعاونيات الفلاحية بمختلف أقاليم جهة الشرق، من خلال توقيعه إتفاقيات عديدة في هذا المجال، في حين عمل على تنظيم دورتين للمعرض الاقتصادي التضامني الاجتماعي للمساهمة في التنمية المجالية بجهة الشرق، وإبراز المنتوجات الفلاحية التي تزخر بها الجهة، وتمكين العارضين والعارضات من التواصل مع المواطنين لتسويق سلعهم. وأولى بعوي، ساكنة جهة الشرق، عناية خاصة، من خلال تفكيره في إنشاء المركز الجهوي للإغاثة والوقاية من الكوارث الطبيعية التابع لمجلس جهة الشرق، الذي يتوفر على 96 الية، والتي تظل في حالة تأهب قصوى، للتدخل العاجل لفك العزلة وفتح المسالك الطرقية بالجماعات الواقعة بالنفوذ الترابي لجهة الشرق، وتسهيل المأمورية أمام المواطنين في مجال التنقل، لاسيما ساكنة العالم القروي، وهي التي عملت على فتح ما يقارب 2000 كيلومترا من المسالك الطرقية بأقاليم الجهة. فدفاع بعوي عن قضايا المواطنين والوطن، جعله يساهم في وقف الحدود الجمركية عبر معبر “باب مليلية” المحتلة”، من خلال دعمه للميناء التجاري ببني أنصار، وتشجيعه للمستوردين والمستثمرين على نقلع سلعهم عبره دون الولوج الى ميناء المدينة السليبة، الامر الذي جعل إقتصادها يتكبد خسائر مالية فادحة قدرت ب”المليارات”، في حين قام بتوقيع إتفاقيتين ترومان النهوض بأوضاع الميناء، وحفظ كرامة النساء المشتغلات في مجال التهريب المعيشي، وتوفير ما يزيد عن 1000 منصب شغل. وأطلق بعوي دينامية كبيرة في مجال الاستثمار، جعلت مستثمرين من مغاربة الخارج اضافة الى روسي وأوروبين، وصينين، يتقاطرون على مجلس جهة الشرق، لبحث إمكانية الاستثمار بالجهة، للمساهمة في تنمية جهة الشرق، وتوفير مناصب الشغل للعاطلين عن العمل. وعلى مستوى الديبلوماسية الموزاية، نسج بعوي علاقات متينة مع العديد من رؤساء الجهات الافريقية، تفعيلا لمضامين خطب الملك محمد السادس، وهو ما جعله في الدورة الثامنة لقمة منظمة المدن والحكومات المحلية المتحدة الإفريقية “أفريسيتي” المنعقدة بمراكش، ينتخب رئيس جهة شرق المغرب الوحيد، رئيسا لمنتدى الجهات الإفريقية. جهة طنجة – نبضُ الجهات طريقة إشتغال العماري الى جانب الأغلبية المشكلة للمجلس، جعلت رؤساء جهات يقتادون بتجربته التي يضمرون كونها نموذجية في تدبير الشأن العام، من خلال تدبير ذكي للاختلاف داخل مجلس الجهة ك، و تغليبه العمل الجماعي على الحساسيات السياسية، ووضعه لمخطط تنموي يروم النهوض بالجهة، وايلاءه الاهتمام بمختلف القضايا التي تهم الساكنة، مع وضعه قضايا المرأة والشباب ومحاربة الفوارق المجالية في صلب إهتمامات المجلس الذي يرأسه، بالإضافة الى إنفتاحه على العديد من جهات دول العالم لإبرام إتفاقيات شراكة تروم النهوض بأوضاع ساكنة شمال المغرب. جاذبية الجهة، جعلت دولا عظمى تدعو العُماري اليها لتبادل التجارب والخبرات، من الولاياتالمتحدة، الى الصين، ومن العند الى بريطانيا. فخلال الأيام الأخيرة، تمت دعوته من قبل وزارة الخارجية البريطانية، حيث قاد وفدا من مجلس جهة طنجةتطوانالحسيمة إلياس العماري، لإجراء زيارة ميدانية إلى “مانشستر وكورنوال”، توجت باجتماع ثنائي بينه ومسؤول شمال إفريقيا بالخارجية البريطانية “نيكولا ويليامز”، حيث انصب النقاش على تدارس إمكانية توسيع الشراكة الموجودة بين الجانبين لتشمل مجالات التكوين والشغل ودعم المقاولات الصغرى. الدينامية التي أطقلها العماري لتعزيز علاقات التعاون، جعلت مجلس جهة الشمال يعرف توقيع اتفاقيات متعددة، أبرزها توقيع إتفاقية مع مؤسسة DA Europe Ltd لوضع مذكرة تفاهم شراكة مؤسساتية بين الطرفين، تهدف تعزيز سبل التعاون اللامركزي ودعم الجهوية المتقدمة عبر برنامج وزارة الخارجية FCO الذي تبلغ تكلفته الإجمالية 7 مليار سنتيم. ويعرف المجلس توافد أعداد مهمة من المستثمرين الاسيويين للانخراط في مجال الاستثمار بشمال المغرب، في مجال النسيج والبناء والصناعة، وانشاء المستشفيات، والصناعات الكهربائية الصديقة للبيئة، وتطوير زراعة القطن، فضلا عن الصناعة السينمائية. ويعتبر العماري، أن التعاون الثنائي المغربي الصيني، الذي مرت عليه ستون سنة، والذي تعزز بتوقيع الإعلان المشترك المتعلق بإرساء شراكة استراتيجية بين البلدين من طرف جلالة الملك وفخامة رئيس جمهورية الصين سنة 2016، يشكل حافزا إيجابيا لتعميق التعاون وتبادل الخبرات الجيدة بين الطرفين في جميع المجالات. ويلعب المجلس الذي يرأسه العماري، دورا مهما على مستوى الديبلوماسية الموزاية، القائمة على أساس استراتيجية الانفتاح على المؤسسات المنتخبة داخل وخارج الوطن، وهو ما جعله يصادق خلال إحدى دوراته على اتفاقية شراكة بينه وبين جهة “بروفانس آلب كوت دازير” الفرنسية (PACA) من أجل تعزيز الشراكة بين الطرفين، تروم النهوض بأوضاع ساكنة كلا الجهتين. ويحرص العماري، على تنزيل مضامين وخطب الملك، وتجسيدها على أرض الواقع، خاصة وأنه كان ثاني رئيس جهة في المغرب يحظى بتلاوة رسالة الملك محمد السادس، أمام عدد كبير من المسؤولين السياسيين والامنيين والعسكريين والحكوميين، بحضور الأمير الأمير مولاي رشيد، وهو ما اعتبره متتبعون تعزيزاً لثقة المٓلك في الرجل، أثناء افتتاح الدورة الثانية لمؤتمر الأطراف لدول المتوسط حول المناخ "ميد كوب المناخ"، بطنجة. ويضع العماري، قضايا ساكنة القرى في صلب إنشغالاته، إذ يحرص على تنمية العالم القروي، عبر تزويد الجماعات الواقعة بنفوذ أقاليم الجهة بالماء الصالح للشروب، وربطها بالكهرباء، وفك العزلة عنها، مع خلق تنمية مجالية تروم النهوض بأوضاعهم الاجتماعية والاقتصادية، عبر إيلاء الاهتمام بمنتوجاتهم الفلاحية، وتسويقها عن طريق الاقتصاد التضامني الاجتماعي. ويعمل العماري بمعيّة مجلسه، على الوقوف شخصياً لمواجهة شبح البطالة الذي يخيم على منطقة الشمال، من خلال إقناعه للمستثمرين، المغاربة والاسيويين، ومستثمري الولاياتالمتحدةالامريكية، بجهة الشمال، وذلك للمساهمة في إمتصاص شبح البطالة وتوفير مناصب الشغل للعاطلين عن العمل. ومن بين أهم المشاريع الكبرى التي يراهن عليها المجلس للتقليص من نسبة البطالة بالجهة، هو مشروع “طنجة تيك” الذي من شأنه أن يحقق العدالة المجالية على مستوى التشغيل، ويوفر ما يزيد عن 100 ألف منصب شغل، لاعتباره سيضم وحدات صناعية، وإدارات، وفنادق، وتجمع سكني يحتوي 300000 نسمة، وإستقرار 200 شركة صينية تنشط في صناعة السيارات، وصناعة الطيران، وقطع غيار الطائرات، والإعلام الإلكتروني، والنسيج، وصناعة الآليات وهو من ثمار المشاريع الضخمة لانفتاح المملكة على التنين الأسيوي بعد الزيارة التاريخية للملك محمد السادس الى بكين.