مرة أخرى يحاول الاعلام العمومي والمسؤولون الحكوميون تضليل الرأي العام الوطني، بخصوص مستجدات قضية الصحراء المغربية، حيث نفس البروباغندا الرسمية التي سمعناها خلال صدور حكم محكمة العدل الاوربية الابتدائي يتم تكراره بعد صدور الحكم النهائي من نفس المحكمة بخصوص اتفاق الصيد البحري بين المغرب والاتحاد الأوربي والذي أكد بشكل قطعي التزام دول الاتحاد بالقانون الدولي واعتبار أن “واقع ان الصحراء ليست جزءا من اراضي المملكة المغربية، فإن المياه المحيطة بأراضي الصحراء لا تعتبر ضمن منطقة الصيد المغربية المعنية باتفاق الصيد”. تستمر الدعاية الكاذبة بانتصار المغرب في أورقة الاتحاد الأوربي،بناء على تصريحات عبر عنها كل من وزير الخارجية ناصر بوريطة ووزير الفلاحة والصيد البحري عزيز أخنوش، والقائمة على سياسة الهروب إلى الأمام، وكأن جمهور عريض من الشعب المغربي لا يمتلك لا حاسوبا ولا أنترنيت أو أقله هاتف متصل بالشبكة العنكبوتية، حتى يطلع على الحكم كما هو دون تحريف أو تزييف. بعد صدور قرار محكمة العدل الأوربية يطرح السؤال التالي: ألم يحن الوقت بعد أن يقدم من يشرفون على هذا الملف داخل أروقة الاممالمتحدة والاتحاد الاوربي اعتذارهم للشعب المغربي وللملك، وأن يعترفوا صراحة أنهم فشلوا،خاصة وأن المرحلة المقبلة اكثر حساسية وأكثر صعوبة، إذا تم ربطها بانضمام المغرب الى الاتحاد الافريقي؟ وألا تتطلب المرحلة المقبلة نفسا جديدا ومسؤولين جدد واستراتجيات جديدة؟ ألم يحن الوقت للوقوف على مكامن العطب التي تجعل المغرب يخسر في قضيته العادلة في أغلب المحافل الدولية والإقليمية؟ اعتمد المغرب في سياسته الخارجية سابقا على سياسة “إدريس البصري” القائمة على سياسة الريع والامتيازات، وأبناء العائلات والأقارب وعلى الأتباع عوض المؤمنين بقوة بقضية الوحدة الترابية، وهي سياسة استمرت تجلياتها حتى بعد تقديم المغرب لمقترحه القائم على الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية، ولكن دون أن يتم تغيير الوجوه والعقليات التي دبرت كل المراحل السابقة، والتي اعتبر أن مجال تدبير ملف الصحراء مجال محفوظ لها ولا يحق لأي مغربي أن يساهم فيه أو حتى أن يفكر فيه. هكذا أصبح المغرب خلال عشر سنوات الاخيرة في موقع دفاع عن الوحدة الترابية واعتماد سياسة ردود الفعل بدل الفعل واتخاذ المبادرة، فإذا ما تجاوزنا بسرعة السنوات الاولى التي تلت تقديم المغرب لهذا مقترح الحكم الذاتي، الذي حضي بقبول واستحسان من طرف المنتظم الدولي ووصفه بالجاد والمعقول، فإن السنوات الأخيرة، استنزف في رفض مقترح توسيع صلاحيات المينورسو لتشمل مراقبة حقوق الانسان، كما تعثر في استكمال بناء المشروع التنموي الخاص بالاقاليم الجنوبية كجواب على سؤال “الثروات الطبيعية المحلية”، وغرق في المواجهة القضائية مع بعض الدول للسماح بمرور سفن فوسفاط بوكراع عبر بعض موانئ والبحار الاقليمية لهذه الدول، وكثف جهوده الديبلوماسية والعسكرية من أجل عودة الامر الواقع إلى ما كان عليه في المناطق العازلة لسنة 1991 … إن استراتجية الجمهورية الوهمية قائمة على فرض سياسة الامر الواقع من خلال ثلاث محددات، خلق سوابق قضائية عبر محاكم الاتحاد الاوربي أو الدول الاوربية (بريطانيا، فرنسا، اسبانيا …) والافريقية (جنوب افريقيا ..) وامريكا اللاتينية (باناما… ) أفق تشكيل هوية قانونية كأحد أشخاص القانون الدولي، وتأسيس لتراكم في التقارير الحقوقية عبر لجن المعاهدات والاجراءات الخاصة والاستعراض الدولي الشامل، للدخول من باب واسع في إطار القانون الدولي لحقوق الانسان وأيضا القانون الدولي الانسان (المصادقة على اتفاقيات جنيف لسنة 1949، حيث وجهت وزارة الخارجية السويسرية سنة 2015، رسائل إلى الدول الأعضاء في الاتفاقيات بما فيها المغرب تعلن من خلالها انضمام جبهة البوليساريو والتزامها بتطبيق اتفاقيات جنيف الاربعة والبروتكول الملحق)، وأخيرا إعمار المنطقة العازلة وإحيائها ببعض الانشطة المدنية والتنموية. إن كان موضوع المنطقة العازلة، موضوعا عسكريا صرفا، ومرتبط بالاتفاق العسكري رقم 1 لاتفاقية وقف إطلاق النار وتشكيل المينورسو، وقد استطاع الجيش المغربي إنتزاع مكتسب أممي قوي إبان أزمة “الكركارات”، فإن المحددين الباقيين من اختصاصات الحكومة والديبلوماسية المغربية، التي راكمت فيها أخطاء وانكسارات الواحدة تلو الاخرى. وهنا يطرح سؤال عن آليات الترافع عبر المؤسسات والديبلوماسيىة الموازية؟ إن مقترح الحكم الذاتي المقدم من قبل المغرب، والذي حضي بقبول دولي باعتباره حل واقعي وله مصداقيته، يتطلب جيل جديد قادر على التسويق لهذا المقترح دوليا وإقليميا وتبيان عناصر الجذب فيه لدى خصوم الوحدة الترابية، جيل جديد يدبر ملف الصحراء بمنظار ما بعد 2007، وليس بمنظار ما قبل 2007، والقطع مع ثقافة وممارسات الريع والفساد في ولوج مراكز الدفاع عن القضية الوطنية وهنا نستهدف ثلاث مجالات أساسية: المجال الرسمي، والمتمثل اساسا في وزارتي الداخلية ووزارة الشؤون الخارجية، حيث يتطلب ضخ دماء جديدة مسلحة بالأدوات القانونية والقضائية، والقادرة على الترافع في المحافل الدولية والاقليمية، بحجج وحيثيات مقنعة للمنتظم الدولي وليس للمغاربة؛ المجال المؤسساتي، وهي المؤسسات الوطنية المعنية بهذا الملف، سواء منها المجلس الوطني لحقوق الانسان أو المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، والذي يتطلب ثورة “غير هادئة”، داخل هذه المؤسسات للقطع مع الرواسب القديمة في تعاطيها مع ملف الصحراء، وهي ثورة قائمة على سياسة حقوقية وطنية بأبعاد دولية، تستطيع استثمار الرأسمال الرمزي والمعنوية الذي تحضى به داخل شبكات وتحالفات حقوقية عالمية. وأخير، مجال الديبلوماسية الموازية، وأساسا الاحزاب السياسية والمجتمع المدني والفعاليات الحقوقية، حيث يعتبر هؤلاء الفاعلون، ضمير المجتمع والصوت الاخر غير الرسمي الذي له مصداقيته، وهو ما يفرض وضع حد للعبث في دعم جمعيات بعينها وأشخاص بعينهم للحضور الى الملتقيات الدولية كديكور مزين باللباس الصحراوي التقليدي، عوض فسح المجال للجمعيات المحترفة والواعية بأدوار الديلوماسية الموزاية وبآليات الترافع الدولي والاقليمي، لاسيما عندما تكون هؤلاء الفاعلون، غير مرتبطون بالريع والفساد الذي تعرفه بعض القطاعات في تدبير هذا الملف، كما أنها تحضى بقبول ومصداقية لدى المؤسسات الدولية والمنظمات غير الحكومية الدولية. وأخيرا لا يكفي أن تكون القضية عادلة لكسبها، بل لابد من “محامي شاطر” ومؤمن بالقضية، للأسف الانكسارات التي عرفها تدبير ملف الصحراء المغربية تبين أن “محامونا” فاشلون. فقد حان الوقت ليعرف ملف الصحراء هو الاخر “زلزالا” في وعلى جميع المستويات.