تم التوقيع على ميثاق الأغلبية الحكومية بعد مخاض طويل وشاق وصعب . والغريب في الأمر تباهي الأغلبية الحكومية بكونها حققت انجازا تاريخيا في حين ان الأمر يتعلق بميثاق شرف موقع بين زعماء الأحزاب الحكومية يدركون في أعماق ذاتهم انه مجرد ميثاق يصعب الالتزام به في غياب إرادة سياسية حقيقية عند مكونات الأغلبية الحكومية وفي غياب استقلالية في اتخاذ القرار الحزبي. ونشير ان توقيع هذا الميثاق جاء في سياق دقيق كاد ان يعصف بالأغلبية الحكومية خصوصا بعد كلمة عبد الاله بنكيران التي شكلت زلزالا داخل الأغلبية الحكومية عجزت فيه على إصدار بيان موقع من طرف جميع مكونات الأغلبية الحكومية في مقدمتهم العثماني الأمين العام لحزب البيجيدي. سياق توقيع الميثاق: جاء توقيع ميثاق الأغلبية بعد سنة من التأجيلات. واعتقد ان كلمة بنكيران والتي هاجم فيها اخنوش وحزبه ولشكر وحزبه بكيفية قاسية امام شبيبته كانت حاسمة في إخراج هذا الميثاق، وهذا ما يعني انه ميثاق أزمة والأكيد ان اكبر ضحايا هذا الميثاق سيكون العثماني ولشكر اللذان لن يتحكما في حزبيهما لان سياق توقيع الميثاق بين مكونات الأغلبية الحكومية هو اعقد بكثير من مضامينه لان شروط انتاجه الخارجية هي الأساسية مقابل شروطه الداخلية المرتبطة بخلافات وتصدعات مكونات الأغلبية الحكومية التي تحاول من خلال هذا الميثاق إخفاء تطاحناتها الصامتة لن تتوقف مع توقيعه هذا. إطار الميثاق: اعتبرت مكونات الأغلبية الحكومية بانه وثيقة تعاقدية ومرجعا سياسيا وأخلاقيا يؤطر عملها المشترك على أساس برنامج حكومي واضح، وهو اعتراف من الأغلبية الحكومية بان غياب هذا الميثاق كان احد أسباب تصدعاتها الداخلية لكن ما سكت عنه هذا الميثاق هو كيفية اشتغال الحكومة قبل توقيع هذا الميثاق والغريب في الأمر إدراج المواطنات والمواطنين في هذا الميثاق في حين ان المواطنين لا يهمهم هذا الميثاق لان ذلك يهم الحكومة بقدر ما يهمهم التزام الحكومة ببرنامجها الحكومي وأجراة سياسات عمومية مواطنة في وقت سحقت فيه الطبقات المتوسطة. مرتكزات الميثاق:حدد الميثاق على خمسة مرتكزات أساسية، تتعهد الأحزاب المشكلة للأغلبية بالعمل على تحقيقها، وهي: التشاركية في العمل-النجاعة في الإنجاز-الشفافية في التدبير-التضامن في المسؤولية-الحوار مع الشركاء. مرتكزات عبارة عن مفاهيم عامة وفضفاضة تفتقد لكثير من الدقة والضبط لان المرتكزات في عمقها هي قناعات وممارسات وثقافة وتراكمات وليست شعارات، لقد مر على تعيين هاته الحكومة سنة ولو كانت مكوناتها تتوفر وتؤمن بهذه المرتكزات لطبقتها وفعلتها دون الحاجة لهذا الميثاق الذي يبقى مجرد اتفاق أخلاقي وسياسي- لواقع سياسي وحزبي يفتقر لأدنى الأخلاق السياسية – دون أي قوة قانونية. أهداف الميثاق: المتأمل في أهداف الميثاق الجماعي يقتنع بأن مكونات الحكومة تائهة ومعترفة بعدم انضباط مكوناتها. والغريب بانها عوض ان تحدد أجندة لاجراة مضامين الدستور وتفعيل البرنامج الحكومي باعتباره إطار تعاقد مع الشعب ذهبت الحكومة لإعادة تصدير الدستور وفصله الأول . سياسيا وقانونا أهداف الحكومة محددة في البرنامج الحكومي الذي على أساسه تم تنصيبها ولا يحددها ميثاق تعاقدي جاء لطي تصدعات الأغلبية الحكومية وليس لتحديد أهدافها، وهنا يجب ان يميز بين أهداف الميثاق التي لها طابع تعاقدي اخلاقي وسياسي بين مكونات الأغلبية الحكومية وبين أهداف الحكومة مع الشعب والتي يحددها البرنامج الحكومي كتعاقد بين الحكومة والشعب. آليات تفعيل الميثاق بين الواقعية والمتمنيات:لتفعيل مضمون الميثاق وتحقيق أهدافه،حدد الميثاق الآليات الآتية: ا-هيئة رئاسة الأغلبية:تتكون هيئة رئاسة الأغلبية من رئيس الحكومة رئيسا، وعضوية الأمناء العامين للأحزاب السياسية المشكلة للأغلبية الحكومية أو من ينوبون عنهم، إضافة إلى قيادي ثان من كل حزب. تنعقد اجتماعات هيئة رئاسة الأغلبية بصفة دورية مرة كل شهرين وبصفة استثنائية كلما دعت الحاجة إلى ذلك بطلب من أحد مكونات الأغلبية. يمكن لهيئة رئاسة الأغلبية عقد اجتماعات موسعة يحضرها أعضاء آخرون من الأغلبية، كلما دعت الحاجة إلى ذلك.لكن ما سكت عليه الميثاق في هذا الباب هو آليات وأجندة تفعيل هاته الآليات بين مكونات ما يفرقها اكثر مما يجمعها عكس ما صرح به السيد رئيس الحكومة ونشير ان هيئة رسائة الاغلبية هي نفسها ما وقع هذا الميثاق باستثناء اضافة قيادي ثاني من كل حزب والذي سيعينه امين الحزب بدل انتخابه من المكاتب السياسية. اكيد ان تنصيص الميثاق على تشكيل “هيئة رئاسة الأغلبية”، وتضم الأمناء العامين لأحزاب الأغلبية التي يترأسها رئيس الحكومة، – أمين عام حزب العدالة والتنمية- يطرح غموضا لدى المختصين في العلوم السياسية والدستورية وهو الصفة الدستورية والقانونية لهاته الهيئة التي تتجاوز سلطتها سلطات السلطة التنفيذية أي الحكومة والسلطة التشريعية أي البرلمان بمجلسيه . ب-هيئة الأغلبية بمجلس النواب:تتكون هيئة الأغلبية بمجلس النواب من رؤساء فرق ومجموعات أحزاب الأغلبية، أو من ينوبون عنهم، وتكون رئاستها بشكل دوري كل سنة تبدأ حسب ترتيب عدد المقاعد بمجلس النواب. وتنعقد اجتماعاتها العادية مرة كل شهرين، ويمكنها عقد اجتماع أسبوعي للتتبع والتنسيق أثناء الدورات، أو بصفة استثنائية بطلب من أحد الرؤساء. وهي هيئة ستعرف عدة تصدعات وستبقى هيئة شكلية في ظل خلافات فرق الأغلبية الحكومية وهذا ما أثبته الدورة البرلمانية الخريفية التي بدت فيها فرق الأغلبية مشتتة ومتطاحنة ولم تستطع تقديم ولو مقترح قانون مشترك او تقديم تعديلات مشتركة او اتخاذ مواقف موحدة ومشتركة من مجموع مشاريع القوانين التي قدمتها الأغلبية الحكومية. دون ذكر علاقات النواب مع أمناء أحزابهم حيث سيادة ثقافة التمرد لسبب بسيط وهي غياب التدبير الديمقراطي الداخلي للحزب واستبداد أمناء الأحزاب. ج-هيئة الأغلبية بمجلس المستشارين:تتكون هيئة الأغلبية بمجلس المستشارين من رؤساء فرق أحزاب الأغلبية، أو من ينوبون عنهم، وتكون رئاستها بشكل دوري كل سنة تبدأ حسب ترتيب عدد المقاعد بمجلس المستشارين. وتنعقد اجتماعاتها العادية مرة كل شهرين، ويمكنها عقد اجتماع أسبوعي للتتبع والتنسيق أثناء الدورات، أو بصفة استثنائية بطلب من أحد الرؤساء. نفس ملاحظاتنا على هيئة الأغلبية بمجلس النواب نرددها على هيئة الأغلبية بمجلس المستشارين حيث الوضع أصعب نظرا لكيفية تركيبة مجلس المستشارين ونوعية بروفايل المستشار ذاته. لذلك نقول ، وهذا ما يثبته واقح الحال لا توجد أغلبية واحدة او معارضة واحدة لا بمجلس النواب او بمجلس المستشارين وانما توجد اغلبيات ومعارضات وهذه هي القاعدة الثابتة في سلوك ومواقف وخطابات وتكتيكات النواب والمستشارين منذ سنوات. دون نسيان غياب أي مساطر قانونية على اثرها يمكن لامين الحزب او رئيس الفريق البرلماني فرض ثقافة الالتزام على النواب او المستشارين. الرابحون والخاسرون من توقيع هذا الميثاق: توقيع هذا الميثاق بين مكونات الحكومة لم يكن امرا هينا فكل امين حزب وقع عليه وفق تكتيك محكم وإستراتيجية مدروسة مسبقا على أساس معادلة الربح والخسارة. شكلا وتكتيكا يبدو ان الكل خرج رابحا لكن في العمق وعلى المستوى الاستراتيجي فلأمر ليس كذلك .لان هناك فئة رابحة تكتيكيا واستراتيجيا وهناك فئة خاسرة استراتيجيا . اكبر الرابحين من توقيع هذا الميثاق اخنوش وحزبه لان العثماني هو رئيس هيئة الأغلبية المسؤول على تنفيذ مضامين الميثاق وبالتالي وجد اخنوش وحزبه من سيكون في الواجهة لحمايتهما من أي هجوم بنكيراني مرتقب ، واذا ما عجز العثماني على حماية مكونات الأغلبية من نيران ومدافع صقور حزبه يمكن لاخنوش قيادة انقلاب على العثماني في سياق اقليمي ودولي سقطت فيه كل الأحزاب الإسلامية من هرم السلطة باستثناء المغرب. اما فئة الخاسرون فتضم العثماني وحزبه ولشكر وحزبه لان كلا من القائدين ليس لهما سلطة مطلقة على كل اعضاء حزبيهما إضافة الى كون العثماني ولشكر يوجدان في وضعية ضعيفة .العثماني يواجه مقاومة قوية من بنكيران واتباعه ولشكر يقود حزب الاتحاد الاشتراكي بدون قوات شعبية اضافة الى خرجات بعض اعضاء المكتب السياسي غير المحسوبة ضد البيجيدي مما يضعف اكثر وضعية لشكر داخل الاغلبية الحكومية. الميثاق بين التعاقد الأخلاقي والسياسي والسند القانوني:تؤكد كل المؤشرات بان مبادئ ومرتكزات وأهداف واليات ميثاق الأغلبية الحكومية سيضع حكومة رئيس الحكومة على محك حقيقي بكونه يشكل :”وثيقة تعاقدية ومرجعا سياسيا وأخلاقيا يؤطر العمل المشترك للأغلبية على أساس برنامج حكومي واضح وأولويات محددة للقضايا الداخلية والخارجية” فاقد لأي قوة او سلطة قانونية وما دام الامر كذلك يصعب على هذا الميثاق وضع حد للخلافات والتصدعات التي تتخبط فيها الأغلبية الحكومية بالنظر إلى اختلاف المرجعيات الايديولوجية والاختيارات السياسية للأحزاب المشكلة لها. فأول محك لتفعيل هذا الميثاق هو مدى قدرة العثماني بصفته أمينا عاما للبيجيدي الحد من خرجات ومواقف بنكيران، الأمين السابق لحزب العدالة والتنمية، اتجاه قادة وأحزاب الأغلبية الحكومية واتجاه حتى هو بنفسه حيث تجري حرب شرسة بين العثماني واتباعه وبنكيران وأتباعه.. بصفة عامة توقيع ميثاق شرف بين الأغلبية الحكومية هذا موضوع يهمها ولا يهم المواطن الذي ينتظر من حكومة العثماني الالتزام بمضمون الفصل 88 من الدستور الذي ينص : “بعد تعيين الملك لأعضاء الحكومة، يتقدم رئيس الحكومة أمام مجلسي البرلمان مجتمعين، ويعرض البرنامج الذي يعتزم تطبيقه. ويجب أن يتضمن هذا البرنامج الخطوط الرئيسية للعمل الذي تنوي الحكومة القيام به، في مختلف مجالات النشاط الوطني، وبالأخص في ميادين السياسة الاقتصادية والاجتماعية والبيئية والثقافية والخارجية” في سياق عام يهيمن فيه الغموض وفقدان عدد من المؤسسات هيبتها وشعور المواطن بان الحكومة في واد وهو في واد لأسباب رئيسية نذكر منها : ا-عدم توفر الإرادة السياسية عند مكونات الأغلبية الحكومية لتفعيل البرنامج الحكومي. ب- عدم الاستقلالية في اتخاذ القرارات الحكومية والحزبية. ج- عدم ممارسة رئيس الحكومة مهامه الدستورية كاملة دون أي خوف او تردد . د- عدم وضع رئيس زعماء الأحزاب الموقعين على الوثيقة مصالح الوطن فوق مصالح الأحزاب والحسابات السياسوية الضيقة. وعليه، وبعد توقيع هذا الميثاق الذي لا يحتاج الى هاته الضجة الاعلامية نقول ان الانسجام الحكومي ليس بحاجة لتعاقد أخلاقي وسياسي وتكتيكي عابر تزول فاعليته بزوال شروط انتاجه لكونه فاقد للقوة القانونية ، بل بحاجة الى زعماء أحزاب ديمقراطيين لهم إرادة وقناعة وثقافة ووعي بثقل المسؤولية الحكومية والتحديات التي تواجهها البلاد في سياق وطني صعب واقليمي مهتز ودولي مضطرب.