نستغرب أن لا يكون مدعاة للاستغراب، إقدام الجزائر على إقرار الأمازيغية كلغة رسمية للبلاد وفق صيغة تماثل تماما نظيرتها المغربية، إذ ربط ترسيمها بقانون “عضوي” مرت إلى حدود الآن سنة كاملة دون أن يرى النور على غرار المغرب كذلك، هذا الأخير الذي يدخل سنته السادسة بعد تعديل الدستور دون أن تتم المصادقة على قانون الأمازيغية بعد أن تم تجاهل مقتضيات الفصل 86 من الدستور الذي يلزم البرلمان السابق بالمصادقة على كافة القوانين التنظيمية قبل نهاية ولايته. لعل ما أثار استغرابنا أكثر من استنساخ الجزائر للفصل الخامس من الدستور المغربي المتعلق بالأمازيغية، هو مطالبة أمازيغ ليبيا بترسيم للغتهم يماثل تماما الصيغة المغربية التي أثبتت لا جدواها، حيث طالبوا في بيان ملتقى الاستحقاق الدستوري بالعاصمة طرابلس، الذي نظمته المجالس المحلية لمدن أمازيغ ليبيا يوم 12 يناير 2013 بأن ينص الدستور الليبي لما بعد الثورة على أن اللغة الأمازيغية لغة رسمية للبلاد، وأنها متساوية مع غيرها من اللغات الرسمية في قيمتها لدى جميع الليبيين، مع ضرورة وضع (قانون تنظيمي)، يحدد كيفية إدراج اللغة الأمازيغية في مجالات الحياة العامة بالدولة الليبية، لضمان الحماية القانونية، لتفعيل اللغة الأمازيغية كلغة رسمية. ولكي لا يرتفع سقف تطلعات أمازيغ الجزائر بعد ترسيم لغتهم أو يقع أمازيغ ليبيا في نفس المأزق الذي وقع فيه إخوانهم المغاربة، يتوجب استخلاص الدروس من التجربة المغربية التي تؤكد لنا أن الحماية القانونية للأمازيغية التي من شأن القانون التنظيمي أن يوفرها هي في الحقيقة مجرد سراب، إذ أدى إلى عكس ذلك تماما في المغرب، حيث ظل طيلة خمس سنوات ورقة في يد من يعادون الأمازيغ الذين استثمروه لعرقلة أي حضور للأمازيغية في المشاريع الإستراتيجية ذات الشأن باللغات والثقافة، ونفس الشئ يبدو أنه سيتكرر في الجزائر إذ مرت سنة على التعديلات الدستورية الجديدة في البلاد التي تشرف على إجراء انتخابات برلمانية جديدة ستعطل دون الشروع في صياغة القانون العضوي للأمازيغية. إن الصيغة التي أدرجت بها الأمازيغية في الدستور المغربي غير ذات جدوى، بل الأدهى والأمر من ذلك هو ما غاب عن أذهان الكثير من الأمازيغ الذين يقولون أن لهم باعا قي الثقافة، ونقصد عدم التفكير المسبق في الجهة التي ستقوم بصياغة القانون التنظيمي للأمازيغية، ولم يستحضروا أن من يكفل له الدستور ذلك لن يتعدى مؤسسات الدولة (القصر، الحكومة، البرلمان) ومع رياح الربيع الديمقراطي فضل القصر أن يتوارى. وهكذا انفردت الحكومة حسب بعض المزاعم بصياغة القانون التنظيمي للأمازيغية في السنة الأخيرة من ولايتها، ولعل ذلك الإنفراد الظاهر لم يكن ليتم إلا بضوء أخضر من مؤسسة أخرى، وكيفما كان الحال فقد أصبح الأمازيغ على معركة أخرى تتعلق بمضمون القانون التنظيمي الذي لا يملكون حولا ولا قوة لتغييره بعد مصادقة المجلس الوزاري عليه برئاسة الملك في سبتمبر من السنة الماضية، والمتوقع أن يمرره البرلمان كما هو. وما يغيب عن الكثيرين حاليا أن قانون الأمازيغية سواء أكان بمضمون جيد أو سئ فالمصادقة عليه لا تعني تفعيله مباشرة والشروع في تنفيذ فصوله فوريا، بل الغالب والبديهي أن الأمازيغ سيصبحون على معركة أخرى وهي معركة “تفعيل القانون التنظيمي للأمازيغية”. وهكذا يتحول ترسيم الأمازيغية إلى قضية مضيعة للوقت على نحو مثير للغضب وللسخرية في آن واحد، فالأمازيغ خرجوا من معركة الاعتراف الدستوري بلغتهم ليدخلوا في متاهات صياغة والمصادقة على مشروع القانون التنظيمي لها، وبعدها سينتقلون إلى معركة تفعيل ذلك القانون، وهكذا يستهلك ترسيم الأمازيغية على الورق وقتا أطول بكثير من الوقت اللازم لتفعيل رسميتها في الواقع بل لتفعيل رسمية أي لغة حتى لو كانت أجنبية لأن ذلك رهين بالإرادة السياسية فقط، والجميع يعرف من نقصده في حديثنا عن الإرادة السياسية. يلزمنا الإعتراف بأن ثقة بعض الأمازيغ المغاربة بالدولة تعتريها الكثير من المبالغة، فجميع الأمازيغ الذين ظلوا بعد الربيع الديمقراطي يتطلعون للإنصاف والإعتراف بهم إلى جانب إقرار حقوقهم خاصة اللغوية والثقافية بل والتمييز الإيجابي للأمازيغية تعويضا عن عقود العنصرية والتمييز، عادوا بكل بساطة إلى وضع أسوأ من السابق لما يسمى بالثورات، وقد حان الوقت لبحث صيغ أكثر فعالية لترسيم الأمازيغية في الواقع بعيدا عن تلك التي يربط فيها ذلك الترسيم بقانون تنظيمي أو عضوي ولما لا بعيدا عن قرارات الدولة نفسها.