اسمحوا لي أن اعبر لكم عن سعادتي بهذا اللقاء ، لأنه يندرج تحت أكثر من عنوان، كما أنه يفرض علينا أن نفكر في آليات ووسائل مواجهة أكثر من تحد على المستويات الحزبية والوطنية والإقليمية. فاجتماعنا هذا، في إطار اللجنة الإدارية، يندرج أولا في سياق حزبي يطبعه النجاح التنظيمي الذي ميز المؤتمر الوطني غير العادي الذي عقدناه يوم 05 أكتوبر المنصرم ببوزنيقة والذي صادقنا خلاله على النظام الأساسي للحزب. وبذلك يكون اجتماعنا اليوم هو أول اجتماع للجنة الإدارية في تركيبتها الأولية ؛ أي قبل أن تُستكمل تدريجيا مع اكتمال الهياكل الحزبية الأخرى ووضع النظام الداخلي للحزب؛ وهو ما سنفرد له حيزا من اجتماعنا هذا. كما أن اجتماعنا يأتي أيضا في سياق وطني وإقليمي مطبوع بتصاعد التكالب الجزائري على وحدتنا الترابية، وبروز نزعة واضحة تجاوزت كل مستويات الاستفزاز والمضايقة لتصل الى حد الاعتداء الصريح على المغرب عبر كل مكوناته ومقوماته ورموزه، وهذا خط أحمر لا يمكن القبول بتجاوزه على الإطلاق ومهما كانت الظروف. واننا بهذه المناسبة نجدد التعبير عن تثميننا الكبير للخطاب الملكي السامي الذي القاه صاحب الجلالة نصره الله بمناسبة الذكرى الثامنة والثلاثين للمسيرة الخضراء والذي كشف بوضوح عن المخطط الممنهج لأعداء وحدتنا الترابية والمؤدى عنه، والهادف الى اضعاف المغرب. ولكن هيهات... هيهات !! فمن هذا المنبر نقول للماسكين بزمام الأمر في الجزائر والمتحكمين في مصائر الناس هناك، والغاصبين لحقوقهم في الاستفادة من ثروات البلاد والتنعم بحسن الجوار مع أشقائهم ، ''نقول لهم اللي كيحسب بوحدو كيشيط ليه!!'' ونقول لهم أيضا يمكنكم ان تسخروا أموال الشعب الجزائري لشراء التقارير الدولية واستمالة المنظمات العالمية الضعيفة الإرادة والمهزوزة القناعات ولشراء الأسلحة المتطورة. ولكن أموالكم لن تستطيع ان تحجب الحقيقة كلها. فهي بالكاد تستطيع ان تلقي بعض الظلال عليها مؤقتا، فعليكم ان تعلموا يا حكام الجزائر ان الاموال التي تصرفونها في غفلة عن الشعب الجزائري لنصرة الباطل لن تدوم. كما أنه من المؤكد ايضا ان صبر هذا الشعب لن يدوم خصوصا وأن الشعب هو الذي قهر اعتى قوى الاستعمار والاحتلال التي سعت إلى طمس هويته واستغفاله. أما عن حقوق الإنسان، هذا المبدأ النبيل الذي يرفض في عمقه أن تنطق باسمه طغمة من الحاكمين المستبدين والجاثمين على صدور الشعب، والمتحكمين بكل بطش وقهر حتى في قوت المستضعفين المحتجزين في مخيمات تيندوف؛ حقوق الإنسان، هذه، هي بالنسبة لنا في المغرب قناعة راسخة، واختيار إرادي. فاحترام حقوق الإنسان رغبة ملحة نابعة من القاعدة وقرار سام من جلالة الملك، فهي بالتالي إنتاج وطني بنيناه بالتدرج وعلى مراحل، ولازلنا نعمل من اجل تطويره وتحسينه. من اجل هذا فإننا نرفض أن تملى علينا الدروس ممن لازالوا بعيدين بأشواط كبيرة عما حققناه في هذا المجال. وقديما قال الشاعر وكأنه يتحدث عن خطيب ابوجا: ألا أيها الرجل المعلم غيره الا لنفسك كان ذا التعليمُ أخواتي وإخواني اننا نحمد الله في مغربنا المحسود على نعمه، وعلى استقراره، وعلى تعلقه بملكه، وعلى تمسكه بوحدته. نحمد الله أننا بنينا ديمقراطية تعددية يجمعها الخيار الدمقراطي الذي اقره الدستور. ونحمد الله أننا وضعنا أسس إقلاع اقتصادي وتنموي يقوم على الثروة البشرية والكفاءة والخبرة العلمية ، وهو منجمنا الذي لا يفنى. نحمد الله أننا أسسنا مجتمعا اخترنا له ان يقوم على القيم، وهذه احزابه، ومنظمات مجتمعه المدني، تقوم بدورها في التاطير وحماية هذه القيم ، ومن ضمنها حقوق الانسان في ادق تفاصيلها. نحمد الله ان جعل بلدنا مقصدا ومحجّاً للوافدين عليها من جميع القارات، واعتبارا لكون امتدادنا نحو إفريقيا سلوكا طبيعيا ترسخ عبر التاريخ، وإننا ندعو جادين الى الرفع من وتيرة التواصل مع هذه القارة الواعدة خصوصا على المستويين الاقتصادي والسياسي. نحمد الله، أن جعل بيننا وبين الشعب الجزائري الشقيق مودة لم تستطع ولن تستطيع أبواق الحاكمين الدعائية في الجزائر ان تؤثر على صفائها، ومع ذلك فإن كل هذا لن يثنينا عن مواصلة التعبئة وراء جلالة الملك من اجل مزيد من اليقظة ومزيد من العمل ومزيد من تحقيق النصر لقضيتنا العادلة. اخواتي إخواني تحدثت في مستهل كلمتي هذه، عن السياقات التي ينعقد فيها اجتماعنا اليوم، وقلت ان هناك سياقا داخليا يستوجب منّا الوقوف عنده. وهو الدخول السياسي الجديد، الذي تميز هذه السنة بالخطاب الملكي السامي البليغ العبارة والبعيد الدلالة الذي افتتح به جلالته الدورة البرلمانية. وإننا نغتنم فرصة هذا اللقاء للتأكيد مرة اخرى على مسؤولية ممثلي الشعب في تحديد مصائر المواطنين، وظروف عيشهم ومستوى مواردهم ومداخيلهم المادية، لذلك فإنني أتوجه اليكم باعتباركم هيأة تدبيرية لتعمقوا النظر في كيفية مواجهة هذه الادوار، وتحملها والنجاح فيها من طرف منتخبي الاتحاد الدستوري، كما ادعو المنتخبين الدستوريين الى تكثيف الجهود من اجل إبراز خطة عمل وطنية قادرة من جهة، على المساعدة على تصحيح الاختلالات الحاصلة، ومن جهة أخرى على التهييء للاضطلاع بالمهام التي يفرضها إنجاح الجهوية المتقدمة. كما يتمز الدخول السياسي الجديد ايضا بخروج النسخة الحكومية الجديدة التي جاءت مخيبة للآمال، وإذ وقعت رغم تحذيرنا، فيما كان يجب أن تتفاداه، وهو انها جمعت كل المقومات التي يمكن ان تعطل عملها من كثرة العدد. وتداخل الاختصاصات، ودخول فيلق التقنوقراط، و تخصيص المرأة بالمناصب الحكومية الرديفة ، وكأنها مكمل للرجل فقط. وهذا ما لا نرضاه لحكومة مغربية في القرن الواحد والعشرين ولمجتمع خاض نضالات كبيرة من اجل اعطاء المرأة كامل حقوقها. وكأننا امام مسلسل مستمر من الاختلالات المتتالية ، نجد ان الحكومة وضعت ايضا مشروعا للقانون المالي اقل ما يقال عنه انه خارج عن طموح المغاربة، ضارب لقدرتهم الشرائية، ومهدد لاستقرارهم الاجتماعي، ومتنكر لمطالب رجال الاعمال والمستثمرين. بعيد عن ان يؤسس لميلاد جيل من القوانين المالية التي كان من المفروض ان تنتجها حكومة باختصاصات واسعة خولها لها الدستور الجديد، وهو بالتأكيد مشروع لاقرار مزيد من التضريب والتقشف وحجب الرؤية في المستقبل. وبالتالي فإنه نسخة مكررة للأخطاء الماضية وللاختلالات المتوارثة. يقع هذا أيها الإخوة والأخوات في وقت يعيش فيه المغرب وضعا اقتصاديا متأزما وأوضاعا اجتماعية تنذر بالتصعيد والاحتقان. لذلك فإننا في الاتحاد الدستوري، نطرح اليوم سؤالا كبيرا .... سؤالا مفصليًا ومصيريًا، وهو هل الحكومة الحالية تقدر حقيقة المسؤولية التي تتحملها . هل تقدر حقيقة المسؤولية تجاه ما يقع؟ لأنها المعنية المباشرة به. و هل تقدر حقيقة المسؤولية تجاه ما وقع في الماضي؟ لأنها اختارت أن تتولى تسيير الشأن العام وهي تعلم حقيقة حصيلة الماضي. وأخيرا، هل تقدر حقيقة مسؤوليتها تجاه ما سيقع في المستقبل؟ لأنها هي التي ستؤسس بسياستها الحالية لهذا المستقبل الآتي. معنى هذا، اننا نطالب من الآن بإخضاع الحكومة الحالية التي تتمتع باختصاصات واسعة وغير مسبوقة، للمسؤولية الكاملة حالا واستقبالا على كل السياسات التي تصدر عنها. وهذا هو المنطق الوحيد الذي يمكن أن يرتفع بالمسؤولية الحكومية إلى درجة المسؤولية الكاملة أمام جلالة الملك وأمام الشعب المغربي وأمام التاريخ. أخواتي، إخواني أعضاء اللجنة الإدارية هذا عن مسؤولية الحكومة ، فماذا عن مسؤوليتنا نحن كحزب في المعارضة، كاتحاد دستوري، راكم تجربة متكاملة في تسيير دواليب الشأن العام، وفي المعارضة البناءة، وكمكون من مكونات المشهد السياسي يحمل قناعات ليبرالية واجتماعية يرى أنها الأنسب لان تطبق اليوم من اجل نقل المغرب من وضعه الحالي الى وضع أفضل اقتصاديا واجتماعيا وفكريا. لا اخفيكم اخواتي اخواني، أن هذا الهم سكننا جميعا ونحن نعبر مختلف مراحل التهيئ للمؤتمر الوطني ، وقد ضمنا بعضا منه في النظام الاساسي للحزب وسنعمل على تأكيد ذلك وتفصيله في كل من النظام الداخلي، والبرنامج المحين للحزب، ولكن قبل هذا اريد ان اثير انتباهكم الى ان عليكم ، انتم معشر اعضاء اللجنة الادارية باعتباركم تشكلون الجهاز التداولي والتدبيري للحزب بين دورات برلمان الحزب الى ضرورة انكبابكم على مجموعة من التقارير المهيأة من طرف المكتب السياسي او من طرف اللجان المنبثقة عنه لتدارسها بعمق حتى تكون لنا معينا على بلورة المواقف الصحيحة. وفي هذا الاطار نقدم اليكم ضمن الملف الموزع عليكم وثيقة حول منظور الاتحاد الدستوري بخصوص اصلاح منظومة التربية والتعليم ان تبرمجوا جملة من المواضيع والقضايا التي تشغل بال المواطنين والتي سنتطرق لها تباعا من قبيل اصلاح صندوق المقاصة، وصناديق التقاعد، ومحاربة اقتصاد الريع، والاصلاح البنكي والاصلاح الاداري، والى ذلك من المواضيع ذات الاهمية القصوى في تطوير سبل الارتقاء بمدارج التنمية والنمو. اخواني واخواتي لاأريد ان اطيل عليكم ، ولكنني ارى لزاما علي ان اشير في الختام الى ان كل هذه الموضوعات التي اشرت اليها لن يتم تناولها على الوجه الاكمل، ووفق المنهج التشاركي الذي اخترناه إلا إذا التزمنا جميعا بتجديد هياكلنا الحزبية عبر مختلف الاقاليم والجهات، تجديدا يتأسس على اختيار المناضلين الحقيقيين وافراز النخب الكفأة بطريقة دمقراطية لامحاباة فيها ولا محسوبية، ولازبونية ولا تفضيل عائلي من أي نوع كان. هذه هي الطريقة الوحيدة التي نستطيع بواسطتها ان نخلق جيلا من الدستوريين القادرين على انتاج فكر جديد متلائم مع تطلعات المغرب الحديث. هذا هو الرهان المطروح علينا جميعا. ونحن بإذن الله قادرون على رفعه والتغلب عليه. والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته اللجنة الادارية الدارالبيضاء في 9 نونبر 2013