"شعبي العزيز، منذ توليت العرش، عاهدت الله، وعاهدتك، على بذل كل الجهود من أجل الدفاع عن وحدتنا الترابية، وتمكين أبناء الصحراء من ظروف العيش الحر الكريم. وقد كان نهجنا الثابت، هو التكامل والانسجام بين العمل الخارجي، للدفاع عن حقوقنا المشروعة، والجهود التنموية الداخلية، في إطار التضامن والإجماع الوطني". من خطاب جلالة الملك بمناسبة الذكرى الثانية والأربعين للمسيرة الخضراء بتاريخ 06 نونبر 2017 بقلم الأستاذ عبد الله الفردوس يتابع المواطنون والأوساط السياسية والإعلامية، باهتمام بالغ، تطورات ملف قضية الصحراء المغربية من خلال ما شهدته في الشهور الماضية جراء استفزازات بوليساريو الجزائر، وكخطوة أولى، جاء الاجتماع الذي انعقد أول أمس الإثنين بمدينة العيون، لزعماء الأحزاب السياسية الوطنية والبرلمانيين والمنتخبين وجميع مكونات الساكنة الصحراوية المتمثلة في أطرها وشيوخها وأعيانها تحمل رسائل قوية وواضحة للتعبير عن رفضهم الكلي والقاطع وشجبهم لكل ما يدبره خصوم الوحدة الترابية، خاصة بعد أن قام بوليساريو الجزائر في الشهور الأخيرة بمحاولة تغيير وضع المناطق الصحراوية العازلة وتثبيت دولة له على الأرض، متجاوزة بذلك القرار 690 الذي صدر عن مجلس الأمن سنة 1991، الذي بموجبه وضعت المنطقة العازلة تحت إشراف الأممالمتحدة.. حيث جاء النص الكامل لإعلان العيون مجسدا للإجماع الوطني الراسخ بوجوب التصدي بحزم وصرامة لكل المناورات التي يحيكها خصوم وحدتنا الترابية في تلك المنطقة العازلة، وكذا من بعض العناصر الممثلة لمجلس الأمن الذين يخرقون حدود المهام المنوطة بهم، كما حدث من خلال ما أقدم عليه "كولن ستيورت" رئيس بعثة المينورسو بالمنطقة أثناء توقيعه تعزية بمخيمات تيندوف باسم الأمين العام للأمم المتحدة في وفاة ممثل البوليساريو بالأممالمتحدة. كما أن أنظار واهتمام المواطنين وأنظار الأوساط السياسية والإعلامية سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي، تراقب وستظل تراقب عن كثب خلال الأيام المقبلة ردود الفعل حول ملف الصحراء، أي إلى ما بعد إقرار التقرير السنوي لمجلس الأمن المرتقب أن يمدد من جديد مهمة المينورسو في المنطقة لمدة سنة أخرى، وهو القرار الذي يجب أن تليه قرارات أخرى أشد حزما اتجاه أعداء وحدتنا الترابية بعد صدور مجموعة من الأفعال المخلة بقرار مجلس الأمن، وخاصة خلال الأسبوع الماضي. ومع نهاية هذا الشهر، يتبين بأن البحث عن الحل الجدي للنزاع المفتعل يفترض من كل الأطراف والجهات المعنية، والراعية للملف (الأممالمتحدة بمؤسساتها المكلفة)، أن تأخذ بمقاربة أكثر عملية وأكثر وضوحا في التعامل مع التطورات الجديدة واتخاذ مواقف محددة، ومنها بالخصوص: 1 استفزازات ومغامرات البوليساريو بالمنطقة العازلة، 2 تهرب الجزائر من مسؤوليتها وعدم تجاوبها مع المناشدات الدولية، 3 مسؤولية السهر على احترام اتفاق وقف إطلاق النار، وكل ذلك، في أفق العمل من أجل الوصول إلى الحل السلمي وفق تصور مجلس الأمن الدولي ومقترح الحكم الذاتي. والقول بأفق الحل السلمي يعني تفضيل أو ترجيح هذا الأخير، دون أن يفهم من ذلك استحالة أو استبعاد الخيار العسكري عند الضرورة، والمغرب كان واضحا بهذا الخصوص، عندما اعتبر، في رسالته إلى رئاسة مجلس الأمن، بأن اختراق المنطقة وتكرار تطاول البوليساريو يؤدي حتما إلى (حالة حرب)، بل إن المغرب عبر عن موقفه الحازم على أعلى مستوى، أي من خلال الرسائل والاتصالات التي أجراها جلالة الملك مع بعض القوى الدولية المهتمة والتي نبهت إلى خطورة العبث الانفصالي وحذرت من عواقبه. وإن كانت قراءات وتحاليل عدد كبير من المراقبين لا تذهب في اتجاه الخيار العسكري، فالمعروف أن المغرب، من جهته، ظل حريصا على إبعاد شبح الحرب وأهواله عن المنطقة، وأنه في نفس الوقت محق في التنبيه إلى أن التمادي في محاولات احتلال أراضي المنطقة العازلة سيواجه بالصرامة اللازمة وبكل ما يقتضيه الموقف ، لاسيما مع تعنت الجزائر التي تصرفت، إزاء التطورات الأخيرة، تصرف من (سكت دهرا ونطق كفرا)، إذ أن وزير خارجية الجارة الشرقية، وبعد مضي أزيد من أسبوع من التفاعلات، لم يخرج عن صمته إلا ليقول: إن الجزائر تدعم البوليساريو، ولكن ذلك لا يعني أن تشارك بلاده في المفاوضات (..)، هكذا وفي تحد تام للجميع، يقر المسؤول الجزائري، علانية وفي هذا الظرف بالذات، بوقوف أجهزة بلاده وراء أعمال التخريب والتهديد التي تقوم بها الجماعة الانفصالية ضد المغرب، ويؤكد بنفس العجرفة رفض بلاده الصريح لأي تعاون أو تجاوب مع دعوة المنتظم الدولي للمشاركة في جهود العملية السلمية. وكيفما كان، وبرغم هذا الموقف الذي ليس بجديد ولا بغريب عن حكام الجزائر، فمجمل المؤشرات تفيد بأن الطريق المرجح هو الاتجاه نحو الحل السياسي السلمي، علما بأن هذا الطريق نفسه غير خال من الصعاب والمناورات، وهو ما يظهر من خلال تمادي الجزائر في الترويج لأطروحة الكيان الوهمي وما تسميه الجزائر ب(حق تقرير المصير)، ومحاولة التأثير أو حتى الضغط على بعض الأطراف الدولية، ومنها بالخصوص فرنسا وإسبانيا، من أجل تغيير موقفهما من قضية الصحراء، ومن أجل الحد من الدور الذي يمكن أن تقوم به باريس داخل مجلس الأمن لفائدة المعالجة السلمية للنزاع عبر الحل السياسي ووفقا لمواقف مجلس الأمن ومقترح الحكم الذاتي. على أن الموقف المغربي له من الدعامات السياسية والقانونية، ومن الدعم الإسناد الواقعي، ما يجعل المجتمع الدولي يقتنع بحجيته وبكونه هو الذي يقدم الحل المنصف والممكن، وأقرب مثال على ذلك يمكن أخذه من التقرير الجديد للأمين العام الأممي، السيد غوتيريس، الذي أكد على منطلقات أساسية، من قبيل: * الاختصاص الحصري للأمم المتحدة في البت في النزاع، وأن مبعوثه الشخصي خلال اجتماعه مع قادة الاتحاد الإفريقي والاتحاد الأوروبي سجل دعم الاتحادين لمهمة المبعوث الشخصي واعترافهما بقيادة الأممالمتحدة لعملية التسوية. * استبعاد التقرير، وبشكل نهائي، المقترحات السابقة واعتبارها غير قابلة للتنفيذ ومتجاوزة، بما في ذلك خيار الاستفتاء، والتأكيد على أن الهدف من العملية السياسية هو الوصول إلى حل سياسي على أساس قرارات وتوجهات مجلس الأمن الدولي. * تجديد دعوة الأمين العام ومناشدة مجلس الأمن إلى الجزائر للانخراط في عملية التفاوض والتسوية السلمية والعمل بواقعية وبروح التوافق. وعلى الصعيد الدولي والقاري، هناك تزايد الاقتناع، لدى مختلف الأطراف، بالاستنتاج الذي خلص إليه المبعوث الأممي السابق، والقائل بأن "استقلال الصحراء ليس خيارا واقعيا وهذا لا يمكن تحقيقه". فعلى المستوى الإفريقي، يمكن القول إن بلدان القارة تستعيد وعيها السليم بحقيقة موضوع الصحراء، وبخلفيات مشاريع الانفصال التي لم تكن يوما في صالح الشعوب الإفريقية، ولا تخدم في شيء حاضرها ومستقبلها، وقد ازداد هذا الوعي اتساعا وإشعاعا مع عودة المغرب إلى موقعه الطبيعي في مؤسسات الاتحاد الإفريقي، ومع الدور الرائد الذي يقوم به في المجالات الاقتصادية والتنموية والإنسانية على الساحة الإفريقية. أما الاتحاد الأوروبي، وبلدانه التي تعرف الملف جيدا مثل (فرنسا وإسبانيا) لم تعد تنطلي عليها الدعايات والمناورات الجزائرية، بل وترفض المغامرة بعلاقاتها العريقة مع المغرب كدولة لها موقعها الهام ووزنها الثقيل في خريطة العلاقات الدولية والإقليمية، كما أن الجوار الأوروبي القريب يعي جيدا خطورة خلق (البؤر) وتشجيع الانفصال والمس بالوحدة الترابية، وما لذلك من عواقب وخيمة على الأمن والاستقرار في المنطقة. هذا، ومع كل النجاحات والانتصارات السياسية والدبلوماسية التي حققها المغرب، بقيادة وبتوجيهات جلالة الملك محمد السادس، فإن المعركة متواصلة بمعنويات أقوى وبأنفاس جديدة ومتجددة، فبعد التنبيهات والرسائل التي أطلقها المغرب إثر الاستفزازات والأفعال الطائشة لجماعة البوليساريو، بتزامن مع مناقشات مجلس الأمن الدولي، يكون على المغرب مواصلة يقظته خلال ما تبقى من الجلسات الأربع، التي خصصها المجلس لهذه المناقشات، قبل إصدار مقرره نهاية الشهر الجاري، وهو التقرير المفترض فيه أن يكون منصفا وأن يأخذ، باهتمام، بملاحظات المغرب ومقترحاته، والتأكيد على خيار الحل السياسي المتوافق مع توجهات مجلس الأمن ومقترح الحكم الذاتي. وربما يكون من بين خلاصات هذه المحطة، التي أضحت (سنوية)، إعادة النظر في بعض جوانب مواجهة مناورات واستفزازات الخصوم، وذلك في اتجاه التصدي الحازم لكل التحركات غير المشروعة للبوليساريو، ووضع حد لهذا الوضع اللاطبيعي الذي ترعاه أجهزة الدولة الجزائرية على حدود أقاليمنا الجنوبية. وعلى المستوى الدبلوماسي والسياسي، فلاشك أن المغرب يدرك كل ما تستلزمه المعركة من عمل وجهد متواصل، عبر هذه القنوات، ليس فقط من أجل إقناع شركائه، وبقية دول المعمور في أوروبا وأمريكا وآسيا، بمشروعية قضية وحدته الترابية، ولكن أيضا من أجل دعم هذه المشروعية في كل المحافل وعلى كل المستويات مع استحضار المكانة والأهمية الخاصة للقارة الإفريقية والتوجه المغربي وخياره الإفريقي. ولاشك أن المغرب الذي رفع التحديات وربح الرهانات، قد برهن، أول أمس الاثنين، وفي عاصمة الأقاليم الجنوبية بالذات، مدينة العيون، عن أهليته وقدرته على كسب هذه المعركة، كما يتأكد ذلك من خلال (بيان العيون) والتجمع الوطني الكبير للأحزاب السياسية (أغلبية ومعارضة)، الذي وجه رسالته الواضحة إلى كل الأطراف المعنية.