عقد فريقا الاتحاد الدستوري بمجلسي النواب و المستشارين لقاء مع المكتب السياسي للحزب، مساء أول أمس الخميس 10 أكتوبر 2013 بالرباط، تناولا فيه جملة من القضايا التنظيمية والبرلمانية و السياسية برؤية مغايرة، ومنهجية عمل متميزة، تحكمها آليات جديدة و فاعلة. وكان الأخ محمد أبيض الأمين العام لحزب الاتحاد الدستوري قد استهل الاجتماع المذكور، بكلمة ضمنها توجيهات وإرشادات دقيقة، لترشيد الحركية البرلمانية للفريقين، وتأطير أدائهما على النحو المثمر والمنتج، وفي هذا السياق، قال محمد أبيض إن الاجتماع يستدعي منه الحديث عن الدخول السياسي، وما صاحبه من ظواهر وأحداث و معطيات، وأضاف؛ أن أهم ما يميز هذا الدخول، هو تنصيب الحكومة في نسختها الثانية، و الاستعداد لافتتاح الدورة الخريفية للبرلمان، مما يؤكد – يشير الأمين العام – على أن بلادنا كانت على موعد انتقلت فيه الحكومة من حكومة ربيع إلى حكومة خريف، محذرا من النتائج السلبية التي ستترتب عن هذا الانتقال والتحول. وقال إن هذا الدخول، تزامن مع حدث هام ومعبر ودال، وهو نجاح حزب الاتحاد الدستوري في تنظيم مؤتمره غير العادي ببوزنيقة يوم 5 أكتوبر الجاري، وذلك بعد أن نجح في السابق في عقد مؤتمري الشبيبة الدستورية ومنظمة المرأة الدستورية، مبرزا أن نجاح التنظيم، لم يكن صدفة، ولم يتولد عن فراغ، وإنما ساهمت فيه عوامل شتى، أبرزها أن الحزب اعتمد في التحضير لهذه المؤتمرات على مفاهيم الحوار، والنقاش، وتبادل الآراء، والعمل بمختلف وجهات النظر المعبر عنها من طرف جميع الهيآت والتنظيمات الحزبية الموازية، مؤكدا، من جديد، على أن هذا النجاح الذي أثبت حرص الحزب على العمل من خلال الشرعية والمشروعية، قد أذكى أسباب الحماس، وولد في نفوس المناضلين الإصرار على المضي قدما نحو التحضير للمؤتمر الخامس في آجال معقولة و قريبة. ولم يخف الأخ الأمين العام سروره وافتخاره بالجهود التي بذلها الجميع، كل من موقعه، ووفق دوره ورسالته، من أجل إنجاح مؤتمر بوزنيقة الأخير، مشيرا إلى أن الحزب بات اليوم، يوظف بذكاء، إمكانيات مادية وأدبية ولوجيستيكية حديثة، للتعبير عن مواقفه، وللشروع في ممارسة دوره الوطني في البناء التنموي، والمشاركة السياسية، موضحا أن هذا المؤتمر الناجح، كشف عن معطيات جديدة، و في غاية الأهمية، حيث مثلت فيه المرأة ب 26 في المائة، والشباب ب 49،45 في المائة، كما بلغت فيه نسبة الوعي الثقافي لدى المشاركين فيه 68 في المائة، داعيا إلى ضرورة استثمار هذه المعطيات الإيجابية في بناء مستقبل الحزب، وفي الوفاء والتضامن بين جميع المناضلين، لإنجاح الاستحقاقات المقبلة التي سيخوضها حزب الاتحاد الدستوري. كما وعد الفريقين معا بتسطير برنامج عمل لهما لخوض معارك البرلمان ورهاناته بثبات وفعالية. ووجه الأمين العام محمد أبيض في كلمته المقتضبة، انتقادات لاذعة للحكومة التي يقودها حزب العدالة و التنمية، وقال "لقد عبرت هذه الحكومة أكثر من مرة عن نيتها في إنجاز ورش الإصلاح، ولكنها عجزت عن ذلك، وراهنت، في مقابل ذلك، وبروح لاشعبية، على الزيادة في أسعار المحروقات، وفي النقل، وفي الحليب، وفي كثير من المواد الاستهلاكية الأساسية، مما جعل حصيلتها هزيلة" و أضاف "أما الحكومة في نسختها الثانية، فقد خيبت الآمال والانتظارات، وبرهنت على أنها حكومة ترضيات، بالنظر إلى حجمها وعدد حقائبها، ونحن نتساءل عما يمكن لهذه الحكومة أن تحققه في سنة من العمل؟ في الوقت الذي فشلت - بعد عمل دام سنتين - في تحقيق عشرات من وعودها التي أطلقها الحزب الأغلبي قبل وبعد تشكيلها ؟" وأضاف أن الاتحاد الدستوري لن يتوانى عن التعاون والمشاركة في الأعمال التي من شأنها أن تحقق مصلحة البلاد، كتنزيل مضامين الدستور، والدفاع عن ثوابت الأمة والدولة، إلا أنه لن يتردد بالمقابل – يقول الأمين العام – في مواجهة الحكومة بشراسة سياسية غير معهودة، وبخطاب معارض لا يهادن و لا يجامل، في كل إجراء أو مبادرة حكومية يراها غير صائبة، أو مضرة باقتصاد البلاد، أو بقطاعاته الاجتماعية. واعتبر الأمين العام الحكومة الجديدة بأنها حكومة شبه تقنوقراطية، وهي بذلك – يقول – مخالفة لمضمون الدستور الذي ينص على أن الحكومة تتكون من حزب أو أحزاب سياسية أفرزتها صناديق الاقتراع، وهو أمر يثبت حقيقة واحدة، وهي أن الوزراء المتحزبين قد فشلوا في مهامهم الحكومية، مما استوجب معه الاستعانة بوزراء تقنوقراط، متسائلا عن حجم الخسارة التي ستترتب عن تغيير المواقع بين الوزراء ؟ وقال؛ إن هذا التغيير الذي يدفع بوزير قضى سنتين بهذا القطاع إلى الذهاب إلى تسيير قطاع آخر، يدفعنا إلى القول إنه تغيير غريب، يزيد من تعقيد الأمور، لأن المشاريع التي أطلقها هذا الوزير أو ذاك، بقطاعه الأول مازالت في طور العمل والإنجاز و لم تنته بعد، فكيف نسمح له بالانتقال إلى قطاع آخر لتدبيره ؟. من جانبه، أكد الأخ شاوي بلعسال رئيس فريق الاتحاد الدستوري بمجلس النواب في كلمة مختصرة، على أن هذا الاجتماع، يشكل فرصة سانحة للبحث عن منهجية عمل لإنجاح الرهان البرلماني، وقال إن على الفريقين معا، أن يوحدا جهودهما الفكرية والعملية والسياسية، بما يؤهلهما لممارسة معارضة مغايرة عما سلف، خصوصا – يضيف – وأن الظروف مواتية للقيام بعمل كبير، يعيد للحزب وزنه الحقيقي، ويرد لحركية الفريقين اعتبارها، مشيرا إلى أن أهم هذه الظروف، تتجلى في ضعف الحكومة، وعجزها عن الوفاء بما وعدت به سابقا وما رفعته من شعارات براقة ومسيلة للعاب، وعن جرأتها اللاشعبية في الزيادة في أسعار المحروقات، وفي بعض المواد الاستهلاكية الأساسية، كما تتجلى – يؤكد بلعسال – في ضياعها لسنة كاملة بصراعاتها المجانية مع أحد حلفائها المنسحب من ائتلافها. ونفى رئيس فريق الاتحاد الدستوري بمجلس النواب، أن تكون الحكومة في نسختها الثانية، قد تمكنت من الانسلاخ عن كونها حكومة تسيير أعمال، وقال يكفي أن ننظر إلى عدد التقنوقراطيين بها، و إلى حجم "الترضيات" التي تحكمت في تشكيلتها، مضيفا أن هذه الحكومة لا يهمها خدمة البلاد، ولا تحقيق مصالح العباد، بقدر ما يسكنها هاجس الاستمرار في الحكم، والتحضير للانتخابات الجزئية والجماعية والتشريعية المقبلة، والصراع بين زعمائها حول الدوائر والمقاعد الوزارية. وأوضح الأخ بلعسال أن مشكل الحكومة الآخر، يتمثل في كونها لا تحسن التعامل مع عنصر الزمن، ولا تعير للغلاف الزمني حقه من العناية الكافية، بدليل أنها لم تعمل على تنزيل مقتضيات الدستور، ولم تحدد برنامجا حقيقيا وواضحا لمخططها التشريعي، كما أنها أوقفت عددا من أوراش الإصلاح لمدة سنة كاملة بعد أن أعلن حزب الاستقلال الانسحاب من عضويتها. وحمد شاوي بلعسال الله كثيرا على عدم دخول حزب الاتحاد الدستوري للحكومة في نسختها الثانية، وقال إن الظروف لم تنضج بعد، وأن الحزب مازال معنيا بشكل كبير بخيار المعارضة، متسائلا عن طبيعة الخطاب المعارض الذي ينبغي للحزب أن يعتمده في المرحلة المقبلة، وأضاف أن طبيعة المشهد السياسي الذي عرفته بلادنا في السنتين الأخيرتين، فرضت على حزبنا نوعا من الخطاب السياسي، قوامه النقد البناء، و الرؤية المتوازنة للأمور والأشياء والأحداث، إلا أن معطيات هذا المشهد – يشير بلعسال – قد تغيرت جذريا، وأصبح من اللازم على الحزب أن يغير من خطاب معارضته، بما ينحاز كليا إلى الصف الجماهيري، ومصلحة البلاد العليا، أي لا بد من اعتماد أسلوب آخر في النظر إلى عمل الحكومة، يوضح رئيس فريق الاتحاد الدستوري، ومن تبني آليات جديدة في المراقبة والتقييم والنقد والمراجعة والتصويب والتحذير، دون خوف أو وجل، ودون حسابات أو مراعاة لهذا الأمر أو ذاك، داعيا إلى تبني خطاب معارض قوي لا نظير له. من جهته، دعا إدريس الراضي رئيس فريق الاتحاد الدستوري بمجلس المستشارين، إلى تكاثف الجهود بين جميع مكونات الحزب، للتحضير لمؤتمره الخامس المقبل، وقال إن العمل ينبغي أن يوجه نحو تأسيس الفروع بمختلف مناطق البلاد، بما يزيد من قوة الحزب وصلابته في مواجهة الاستحقاقات المقبلة، مضيفا أن حزب الاتحاد الدستوري مر في السنين الأخيرة بمراحل صعبة ومعقدة، أثرت سلبا على أدائه، و عاقته عن الاستمرار في بناء هياكله، وفي صياغة خطابه السياسي بروح متوازنة، و بمفاهيم جديدة ومتجددة، مشيرا إلى أن الواقع اليوم، لم يعد كما كان سابقا، وأن الحزب مطالب بإحداث ثورة في مفاهيم العمل و الاجتهاد و التحضير للمحطات السياسية المقبلة، داعيا من جديد إلى التفكير في مبادرات عملية للالتحام بالجماهير الشعبية، و التعبير عن همومها و تطلعاتها، وقال "لا شيء يمنعنا من تنظيم تظاهرات، أو وقفات احتجاجية، أو مسيرات شعبية". ولم يخف إدريس الراضي استياءه من بعض التعديلات الأخيرة التي أحدثها مجلس النواب في نظامه الداخلي، واعتبرها محاولة مفضوحة للسطو على مكتسبات سابقة لمجلس المستشارين، وقال إن جميع المحاولات التي تستهدف مجلس المستشارين الذي أكمل سنته السابعة عشرة، ستبوء بالفشل، داعيا إلى تقوية هذا المجلس، والتوسيع من خريطة مكوناته، ومن عدد أعضائه، نظرا لأهميته و ضرورته. وقد ساهمت مداخلات أعضاء الفريقين في إثراء النقاش حول ما جاءت به كلمة الأمين العام من أفكار وإرشادات، وأكدت على نجاعة عقد اجتماعات مشتركة مستمرة بين الفريقين، لتبادل الآراء والأفكار، والتعاون في إنجاز مقترحات القوانين، والتنسيق في المبادرات والمواقف. وجسدت من جهة أخرى حرص أعضاء فريقي الاتحاد الدستوري بالبرلمان على الاضطلاع بدورهم الكامل في المعارضة البناءة القائمة على التقويم والتصحيح والتدقيق والتوجيه الرامية إلى بناء ديمقراطية سليمة ومجتمع حر متسامح ومتفاعل، ومناصرة القيم الليبرالية التي يقوم عليها توجه الحزب منذ تأسيسه وقوامها الدفاع عن الحريات الفردية والجماعية وعن الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية، والعمل من أجل التنمية بكل أبعادها البشرية والاقتصادية والاجتماعية . وبرهنت على أن المعارضة التي يتبناها الاتحاد الدستوري ، وإن كانت معارضة بحس إنساني، أخلاقي، تنموي، تصحيحي، إصلاحي، واقتراحي، إلا أنها لا تدخر جهدا من أجل انتقاد الأداء الحكومي، ورصد الاختلالات، والتعبير عن نبض المجتمع، والدفاع عن انتظارات كل فئات هذا المجتمع . كما أكدت على التفاعل الإيجابي لأعضاء الفريقين مع الزمن الدستوري الجديد الذي أعطى للمعارضة مكانة مهمة ، يتوجب على الحكومة إدراكها بالإعمال الحقيقي لمفهوم الديمقراطية التشاركية الكفيلة بتدارك الزمن الضائع من عمر الحكومة بسبب الانتظارية التي طبعت السنتين الأوليين من عمرها وتسببت في الركود الاقتصادي والاحتقان الاجتماعي .