تتجه الأزمة السياسية في جنوب إفريقيا إلى مزيد من التعقيد، خاصة بعد رفض جاكوب زوما التنحي عن الحكم، وهو المطلب الذي أصبح ينادي به حزب المؤتمر الوطني الإفريقي (الحزب الحاكم). ويسعى سيريل رامافوزا، الذي انتخب على رأس الحزب في شهر دجنبر الماضي، إلى الإسراع برحيل رئيس الدولة خاصة مع اقتراب موعد الانتخابات العامة التي من المقرر أن تجري سنة 2019، خاصة وأن كبار القادة في الحزب الحاكم طالبوا زوما بتقديم استقالته، لكنه رفض. ويعمل زوما جاهدا للحصول على حصانة من الملاحقة، خاصة ما يتعلق منها برشاوي في ملف صفقة أسلحة، وكذلك تأمين حصانة لأفراد عائلة "غوبتا" المتورطين في عدد من الملفات القضائية. وفي حالة تنحي زوما، خلال الأسبوع الجاري، فإن رامافوزا هو الذي سيتولى رئاسة الدولة بصفته نائب رئيس الجمهورية لفترة لا تتعدى شهرا واحدا حتى يتمكن البرلمان من انتخاب رئيس دولة جديد. ويأتي عقد حزب "المؤتمر الوطني الإفريقي" اجتماعا طارئا أمس الاثنين في بريتوريا، "لوضع اللمسات الأخيرة" للاستقالة المبكرة لرئيس الجمهورية جاكوب زوما، المثير جدا للجدل، حيث أجرى الرجلان مشاورات مباشرة يوم 6 فبراير الجاري لتسوية هذه المشكلة الشائكة، كما عقد "المجلس الوطني التنفيذي" أعلى هيئة لاتخاذ القرار في المؤتمر الوطني الإفريقي، الذي أوكل إلى رامافوزا مهمة التفاوض مع رئيس الدولة، جلسة مغلقة بصورة عاجلة لبحث مسألة الإطاحة بزوما. وحسب المراقبين، فإن رامافوزا الذي قد يخلف زوما في حال استقالة هذا الأخير، سيصطدم بعقبتين كبيرتين تحولان دون إنهاء هذه الأزمة، وهما تعنت رئيس الدولة الذي يتمسك بالحكم، ثم انقسامات المؤتمر الوطني الإفريقي. وكان زوما قد رفض الاستقالة في الرابع من فبراير الجاري رغم الدعوة الملحة التي وجهتها له قيادة حزبه، بعد أن أدرج اسمه في عدد كبير من قضايا الفساد. ويستطيع المجلس الوطني التنفيذي استدعاءه ، وهذا ما فعله في 2008 مع الرئيس السابق "ثابو مبيكي" الذي استجاب لهذا الأمر وقدم استقالته، إلا أنه لا بنود دستورية تلزم رئيس الدولة بتنفيذ هذا الأمر. ويقر رامافوزا بأن حزبه يوجد في فترة "انشقاق وخلاف"، وهي انقسامات تفسر الحذر الشديد الذي عليه أن يتبعه إذا ما أراد الخروج منتصرا من هذه الأزمة، حيث دعا مواطنيه إلى استعادة القيم، التي دافع عنها "مانديلا"، قائلا "إن أولئك الذين سرقوا أصول الدولة سيقدمون إلى العدالة". ومن بين الخيارات الأخرى، التي يمكن للمجلس الوطني التنفيذي أن يلجأ إليها، تقديم مذكرة لحجب الثقة عن الرئيس بالبرلمان أو من خلال بدء إجراء إقالة رئيس الدولة. وقد بدأت سلطة الرئيس زوما تهتز منذ دجنبر الماضي، بعد انتخاب رامافوزا الذي خلفه في رئاسة المؤتمر الوطني الأفريقي، منذ اعتماد الديمقراطية في 1994. ويقود سيريل رامافوزا، حرب الاجتماعات المتوالية منذ أسابيع محاولا تقويض مستقبل زوما، وهي محاولات يقوم بها مؤيدوه لتجنب الهزيمة في الانتخابات العامة في 2019. وكانت الأحداث قد تسارعت الأسبوع الماضي مع اقتراب الخطاب السنوي المنتظر للرئيس في البرلمان، ثم أرجئت هذه الفترة الحاسمة، لتجنب المواجهة داخل البرلمان، وتمكين المفاوضات من تحقيق نتيجة. وتبدي المعارضة نفاذ صبر، حيث ستطرح مذكرة لحجب الثقة في 22 فبراير الجاري، وهي التاسعة منذ وصول جاكوب زوما إلى الحكم في 2009، والذي يخضع لضغوط متزايدة للمطالبة باستقالته قبل نهاية فترته. وعلى الرغم من المأزق السياسي الراهن في جنوب إفريقيا، يظل احتمال حصول انقلاب عسكري مستبعدا تماما، باعتبار أن الجيش الجنوب إفريقي غير مسيس.