أكد الرئيس الأول لمحكمة النقض مصطفى فارس، أمس الخميس بالرباط، أن سنة 2017 شكلت محطة تأسيسية حاسمة استلزمت الكثير من العمل الجاد والضمير المسؤول، لتكريس آليات استقلال حقيقي في بعده المؤسسي والفردي، لضمان التوازن والتعاون مع باقي السلط، مبرزا أنها ستبقى من السنوات الهامة المفصلية في تاريخ المؤسسة القضائية بالمغرب. وأضاف فارس، بمناسبة افتتاح السنة القضائية الجديدة 2018، بإذن مولوي سامي لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، رئيس المجلس الأعلى للسلطة القضائية، أن سنة 2017 كانت مرحلة التأسيس، التي تطلبت أكثر من 40 اجتماعا وساعات طوال من العمل كمجموعة أو داخل اللجان الخمس الدائمة أو اللجان الموضوعاتية الأخرى من أجل وضع، بالخصوص، أسس النظام الداخلي للمجلس وبنود القوانين المؤطرة للموظفين العاملين بالمؤسسة ووضع هياكلها. وأكد أن الأشهر الثمانية الماضية شكلت مرحلة اختبار حقيقي لإعطاء دينامية جديدة لهذه المؤسسة الدستورية والحقوقية بآفاقها الكبرى وانتظاراتها المتعددة، "تحديات تعاملنا معها بكثير من الحزم والحرص على ضمان تحقيق أهداف الشفافية والحكامة وتكافؤ الفرص لضمان مسارات مهنية عادلة منصفة للقضاة أساسها تطبيق المعايير، والاحتكام للكفاءة، وتكريس الأخلاقيات، وإعطاء الفرصة للجميع من أجل استرجاع الثقة وفتح آفاق جديدة للعطاء والتقدم والتطوير". هذا المعطى بدا جليا، يضيف المسؤول القضائي، من خلال العدد الهام للقضاة الذين تمت ترقيتهم في مختلف الدرجات، حيث وصل عددهم إلى 668 في سابقة هي الأولى من نوعها في تاريخ هذه المؤسسة بنسبة استجابة تصل إلى 98 بالمائة، مبرزا أنه تم فتح الباب أمام الجميع للتباري بكل شفافية على مناصب المسؤولية الشاغرة وفق شروط قانونية، حيث قدم 96 من القضاة مشاريع برامجهم وتصوراتهم وتمت مناقشتها معهم على امتداد أربع جلسات مطولة للانتقاء. وأشار إلى أن تم الحرص على إعطاء عناية كبيرة لتظلمات القضاة المختلفة، التي وصل عددها إلى 68 تظلما، انصبت أغلبها على مسارات الترقية ولوائح الأهلية، إضافة إلى دراسة والاستجابة لعدد هام من طلبات التمديد التي تجاوز عددها المئة، موضحا أن الأمر يتعلق بكفاءات قضائية "نعتبر خبرتها وصنعتها رأس مال قضائي لا مادي يصعب تعويضه أو التفريط فيه". كما أكد الحرص من أجل أن تمر الملفات التأديبية للقضاة التي وصل عددها إلى 15 في أجواء من الضمانات القانونية والحقوقية التي تفعل قواعد المسؤولية والمحاسبة والتأطير والتخليق والتوجيه والتقويم، وتلبية عدد من الطلبات المهنية والإدارية المختلفة التي ترد يوميا من كل أنحاء المملكة التي تستهلك الكثير من الوقت والجهد والعمل الدؤوب. ونوه فارس بالمجهود الكبير الذي يتم بذله من أجل إعداد تصور شامل للمخطط الاستراتيجي الذي سيعتمده المجلس برؤية واضحة وأهداف واقعية ورسالة دقيقة محددة، وكذا إعداد مشروع مدونة الأخلاقيات، مؤكدا أن هذه الدينامية الجديدة ظهرت بوادرها من خلال إعطاء انطلاقة فعلية للموقع الالكتروني للمجلس واشتغاله بشكل مشجع ومتطور خدمة للقضاة والمتقاضين، فضلا عن استقبال ودراسة أكثر من 2700 شكاية وردت من جهات مختلفة. وأشار إلى أن القضاة اليوم واعون "بأننا بقدر حرصنا على صون كرامتهم وضمان حقوقهم ومصالحهم، فإنهم مطالبون أيضا بالذود عن استقلالهم والحفاظ على حرمة هذه المهنة والتمسك بأخلاقياتها وتقاليدها سواء في حياتهم المهنية أو الخاصة". واستحضر التطلع إلى سلطة قضائية قريبة ليست فقط جغرافيا، بل وأيضا في لغتها وآليات اشتغالها، بسيطة في الولوج إليها، واقعية في الحلول التي تأمر بها، ومنفتحة قادرة على مواجهات تحديات العولمة ومستوعبة لكل المتغيرات بعقلية مبدعة دينامية (…) سلطة مواطنة منصفة متوازنة تكرس لدولة المؤسسات وتتفاعل بضمير مسؤول مع التوجيهات الملكية السامية لإصلاح العدالة ومكافحة الفساد وحماية المال العام وصون المكتسبات وضمان الحقوق والحريات. وقال إن المدخل الأساسي لهذه المساهمة هو تغيير العقليات لتستوعب المستجدات بعيدا عن خطاب التشكيك والتبخيس والتحلي بالموضوعية والانكباب على العمل بروح الفريق كل من موقعه ومسؤولياته واختصاصاته، ولن يكون مقبولا اليوم التسامح مع أي تطاول أو إساءة للعدالة كيفما كانت المبررات أو الأعذار. وأشار الرئيس الأول لمحكمة النقض إلى أن سنة 2017 مرحلة أساسية لإتمام عدد من المشاريع وإضافة أخرى جديدة، سنة من العمل الدؤوب لأسرة محكمة النقض، قضاة وأطرا وموظفين، من أجل تقديم أجود الخدمات وأنجعها، مستعرضا ورش التحديث من خلال تفعيل خدمات تقنية متعددة منها، تهييئ البنية التحتية التقنية ومتابعتها بالصيانة والتطوير، وإعداد نظم معلوماتية للتواصل وتطوير قواعد البيانات، وشبابيك تفاعلية للاستقبال والإرشاد والولوج إلى المعلومات، وتطوير البوابة الإلكترونية، الى جانب تفعيل وتطوير خدمة تسليم النسخ عن بعد حيث أصبح هذا الأمر لا يكلف أكثر من عشر دقائق مع المحافظة على أصول القرارات. وتساهم هذه الخدمات، حسب المسؤول القضائي، في اختزال الكلفة الزمنية والمالية ودعم الشفافية والنجاعة والولوج للعدالة وجعل المؤسسة أكثر انفتاحا وقربا وإنصافا وإنصاتا، إلى جانب تطوير الإدارة القضائية وتجويد ظروف العمل، عبر تحسين مستوى أداء فريق العمل من خلال عدة تدريبات على مستوى عال من المهنية، ومنها تدريب بدولة كوريا الجنوبية، وجلسات عمل هامة مع أعضاء اللجنة الأوروبية المكلفة بمشروع أوروميد عدالة. وحسب المسؤول القضائي، شكل الانفتاح والتواصل أحد أهم الأوراش التي تم اعتمادها عبر مشاركة محكمة النقض بالمعرض الدولي للكتاب من خلال رواق هام تفاعلي، وفتح أبوابها لكل الوافدين الذين تجاوز عددهم هذه السنة 10200 زائر، إلى جانب تعاون محكمة النقض مع كل المبادرات التشريعية التي من شأنها تجويد النصوص وتكريس الأمن القانوني. وفي ما يرتبط بالعلاقات الدولية القضائية والقضية الوطنية، أشار إلى أن مؤسسة الرئاسة الأولى استقبلت عددا كبيرا من الوزراء والسفراء ومسؤولي المحاكم العليا ووفودا عن مؤسسات قضائية وحقوقية واقتصادية، من مختلف قارات العالم ذات ارتباط بمجال العدالة، مع التركيز على العمق الإفريقي والعربي والجوار الأورومتوسطي.