أعلن مصطفى فارس، الرئيس الأول لمحكمة النقض الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، اليوم الخميس، عن افتتاح السنة القضائية الجديدة، " بإذن مولوي سام للملك محمد السادس، رئيس المجلس الأعلى للسلطة القضائية"؛ وهو الإعلان الرسمي الذي يتيح للرؤساء الأولين لافتتاح الموسم القضائية بجميع محاكم استئناف المملكة يوم 15 فبراير المقبل. وقال فارس، في الموعد الافتتاحي الذي احتضنته القاعة الكبرى بمحكمة النقض بحي الرياض بالرباط وحضره وزراء ومسؤولو المؤسسات الوطنية ومختلف الرؤساء والمشرفين من داخل أسرة العدالة بالمملكة، إن سنة 2017 شهدت "تنصيب جلالة الملك نصره الله لأعضاء المجلس الأعلى للسلطة القضائية وتسليم رئاسة النيابة العامة لمؤسسة الوكيل العام لدى محكمة النقض استكمالا لاستقلال السلطة القضائية وتفاعلا مع مطالب كافة الحقوقيين والأكاديميين والمهنيين". وشدد المسؤول القضائي المغربي، في جرده لحصيلة العام المنصرم، على أن الأخير شكل "محطة تأسيسية حاسمة ألزمتنا بكثير من العمل الجاد والضمير المسؤول والابتعاد عن المقاربات الضيقة التجزيئية والأحكام المسبقة السلبية لتكريس آليات استقلال حقيقي"، مشيرا إلى أن الأشهر الثمانية الماضية عرفت "كثيرا من الحزم والحرص على ضمان تحقيق أهداف الشفافية والحكامة وتكافؤ الفرص لضمان مسارات مهنية عادلة منصفة للقضاة". وكشف فارس أن عدد القضاة الذين تمت ترقيتهم في مختلف الدرجات بلغ (668) "في سابقة هي الأولى من نوعها في تاريخ هذه المؤسسة بنسبة استجابة تصل إلى 98%"، بجانب تقديم 96 قاضيا لمشاريع برامجهم في إطار المناصب الشاغرة، فيما وصل عدد تظلمات القضاة 68 تظلما "انصبت أغلبها على مسارات الترقية ولوائح الأهلية"، على أن الملفات التأديبية للقضاة بلغت (15) "مرت في أجواء من الضمانات القانونية والحقوقية التي تفعل قواعد المسؤولية والمحاسبة". ووجه فارس رسالة إلى "من يهمهم الأمر"، بالقول "لن يكون مقبولا اليوم أن نتسامح مع أي تطاول أو إساءة للعدالة كيفما كانت المبررات أو الأعذار، وستجدون يدنا ممدودة لكل المشاريع الجادة وأبوابنا مفتوحة لكل الاقتراحات والآراء والانتقادات والملاحظات"، مضيفا في هذا الشأن "لقد دقت ساعة الحقيقة لنكون جميعا في الموعد مع سلطة قضائية مستقلة شفافة مواطنة تضمن الحقوق وتحمي الحريات وتكرس الأمن القضائي المنشود وتكون في مستوى الانتظارات". وبلغة الأرقام، حسب المسؤول القضائي بالمملكة، فإن عدد قضاة المغرب يبلغ 4026 قاضيا وقاضية منهم 2948 بالرئاسة والباقون يعملون بالنيابة عامة وبمصالح أخرى، سجلت أمامهم ما يزيد عن مليوني و760 قضية خلال العام المنصرم، أصدروا إثرها ما يقارب مليونين و850 ألف حكم بنسبة 103% وبزيادة قدرها 4% مقارنة بالسنة الماضية أي بمعدل يصل إلى (965) حكما في السنة بالنسبة إلى كل قاض. من جانبه، قال محمد عبد النبوي، الوكيل العام للملك رئيس النيابة العامة، إن السلطة القضائية عرفت انعتاقا من وصاية السلطة التنفيذية، "كسلطة دستورية مستقلة عن السلطتين التشريعية والتنفيذية.. وهو حدث عظيم في تاريخ الأمة المغربية يتحقق بعد ستين سنة من استقلال المغرب، بإرادة مشتركة مِن جلالة الملك والشعب المغربي"، موردا أن النموذج المغربي لاستقلال السلطة القضائية يتميز بشموله لقضاء الحكم وقضاء النيابة العامة على السواء. وأقر عبد النبوي بأن تفعيل استقلال رئاسة النيابة العامة خلق جدلا وتساؤلات حول حدود هذا الاستقلال ومدى الخضوع للمساءلة والمحاسبة الدستورية، موضحا أن تلك التساؤلات أجاب عنها المجلس الدستوري "ما يجعل النيابة العامة أمام منعطف جديد يؤرخ لنوع مستحدث من الأداء المهني على مستوى القمة التي لم يعد وزير العدل هو محورها، بعد نقل سلطاته إلى الوكيل العام للملك". وفي تقديم لحصيلة مسؤوليته على رأس النيابة العامة، كشف المسؤول المغربي أنها ارتكزت أساسا على توجيه كتابي لكافة أعضاءِ النيابة العامة من أجل "محاربة الإجرام والتصدي لكل خرق للقانون في إطار المساطر القانونية والنصوص التشريعية المتوفرة"، ضمنها "الاهتمام بشكايات المواطنين وتحسين ظروف استقبالهم والتعجيل بالبت في تظلماتهم والبت فيها في أجل معقول". وهمت أبرز تلك التوجيهات، حسب عبد النبوي، أيضا "حماية الحقوق وصون الحريات الأساسية المكفولة بمقتضى الدستور للأفراد والجماعات"، و"التصدي لانتهاكات حقوق الإنسان، وتفعيل الإجراءات الوقائية والزجرية لمواجهتها"، و"ترشيد الاعتقال الاحتياطي وتفعيل بدائله"، وأيضا "تخليق الحياة العامة وحمايةُ المال العام"، بجانب "حماية الأمن والنظام العام من الجرائم التي تثير الرعب والفزع بين الناس". إلى ذلك، شدد عبد النبوي على أن توجهات السياسة الجنائية في المرحلة الحالية أملت أيضا "بذل جهود أكثر في تدبير القضايا المدنية والاجتماعية والتجارية والأسرية ذات الصلة بالنظام العام، وجعل تدخلها في تلك القضايا أمام المحاكم محفزاً على الاستثمار وداعما للحفاظ على الأمن المالي والاقتصادي واستمرار المقاولة والحفاظ على مناصب الشغل، ومساهما في تماسك الأسر وحماية الطفولة".