بحلول منتصف ليل الجمعة/ السبت، ستنفصل النيابة العامّة عن وزارة العدل، تفعيلا للظهير رقم 1.17.45 المتعلق بتنفيذ القانون رقم 33.17 الذي ينص على نقل اختصاصات السلطة الحكومية المكلفة بالعدل إلى الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، الذي صار رئيسا للنيابة العامّة؛ لكنّ هذا الانفصال "ليس طلاقا بائنا"، كما قال محمد أوجار، وزير العدل، في حفل تسليم سلطة النيابة العامة إلى محمد عبد النبوي، الرئيس الجديد. وأولى وزير العدل ورئيس النيابة العامة الجديد، في الكلمتين اللتيْن ألقاها كل واحد منهما، حيّزا مهمّا للمخاوف السائدة حول "إفلات" النيابة العامة من المراقبة بعد استقلاها عن السلطة التنفيذية؛ فبينما قال محمد عبد النبوي إنّ استقلاها "ليس استقلالا تامّا عن الدولة"، أكّد محمد أوجار أنّ "ما أُسند إلى النيابة العامة من اختصاصات ومهامّ وفْق القانون الجديد بقيت مرتبطة بالاختصاصات التي كانت مُسندة إلى وزير العدل حين كان رئيسا للنيابة العامّة، ولم يأتِ باختصاصات جديدة يُمكن أن تُثير أيّة مخاوف". واستطرد أوجار، في كلمته خلال حفل تسليم رئاسة السلطة العامة إلى الوكيل العامّ لدى محكمة النقض، والذي أوْفَد إليه القصر ممثلا عنه في شخص مستشار الملك عمر عزيمان، وحضره عدد من وزراء العدل والمسؤولين القضائيين الأجانب، في محاولة لبثّ الطمأنينة في نفوس المتخوّفين من أنْ يؤدّي استقلال مؤسسة النيابة العامة إلى إفلاتها من المراقبة والمحاسبة، أنّ هذه الأخيرة "لا تملك القانون؛ بل تطبقه وتخضع إليه، وأنّ الجهة القضائية التي تتولى رئاستَها (القضاء الواقف) تدار وفق المبدأ الدستوري القاضي بربط المسؤولية بالمحاسبة". المسؤول الحكومي أكّد أنّ نقل سلطات وزير العدل المرتبطة برئاسة النيابة العامة إلى الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، بصفته رئيسا للنيابة العامة، "لن يؤثر على الدور الحيوي الذي ما فتئت تقوم به الوزارة داخل مشهد العدالة، التي تظلّ شأنا تتقاسمه السلطة الحكومية إلى جانب النيابة العامة والسلطة القضائية، وفق هندسة تشاركية قائمة على التعاون البناء، كل في حدود اختصاصاته، بما يضمن توازن السلط وتعاونها في إطار ما ينصّ عليه الفصل الأوّل من الدستور". من جهته، قال مصطفى فارس، الرئيس الأول لمحكمة النقض والرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، إنّ التحدّي الذي كان قائما، قبل إقرار فصل النيابة العامة عن وزارة العدل، هو إيجاد نموذج مغربي لاستقلال السلطة القضائية بكل مكوناتها وهياكلها، مضيفا: "نريد نموذجا منسجما مع خصوصيات الواقع المغربي ومنفتحا على التجارب العالمية والممارسات الحقوقية الفضلى، ونريد نيابة عامة مستقلة وكُفؤة ومتشبعة بثقافة حقوق الإنسان، قادرة على تنزيل الدستور ومستعدة لتحمل المسؤولية". واعتبر فارس أنَّ التجربة المغربية في مجال استقلالية النيابة العامة "أصبحت نموذجا نفتخر به من بين التجارب العالمية الرائدة"؛ لكنّه نبّه إلى أنّ كسْب رهان تكريس ثقة المواطنين المغاربة في القضاء ليس سهلا، قائلا: "هناك تحديات ذات طبيعة قانونية، وأخرى مرتبطة بطبيعة العقليات التي يجب أن تستوعب طبيعة هذه التغيرات"؛ غير أنّه أبدى تفاؤلا بشأن النجاح في هذا الامتحان بقوله: "الورش صعب وشاق، ولكننا واثقون من أن المغرب سيجتاز هذه المرحلة الدقيقة، لأنّ "المستحيل" ليس مغربيا".