في إطار تعزيز الاعتراف الرسمي المغربي بالأمازيغية كمكون هوياتي في الحضارة المغربية، تم إدماج السنة الأمازيغية ضمن عناصر هذا الاعتراف بجعل اليوم 14 من شهر يناير يوم عطلة رسمية مؤدى عنها، مثلها في ذلك مثل السنتين الهجرية والميلادية، وذلك بتوجيه ملكي سامي إلى رئيس الحكومة قصد اتخاذ الإجراءات اللازمة لتفعيل قرار اعتبار رأس السنة الأمازيغية ضمن منظومة العطل الوطنية. وبذلك يكون المغرب قد خطا خطوة رائدة ومتقدمة في تكريس مصداقية التوجه الحقوقي الوطني، وعلى رأسه حق الأمازيغية لغة وثقافة وحضارة في البروز والظهور والتنمية كمكون عريق وأصيل في النسيج الهوياتي الوطني، وفي توليها بالعناية والرعاية والحفظ باعتبارها رصيدا مشتركا للمغاربة جميعهم وبدون استثناء، وعاملا قويا على توطيد اللحمة الداخلية والتماسك الاجتماعي بين مختلف أبناء الوطن، ومفخرة لهم بين الأمم في العراقة والأصالة والتجذر في التاريخ والحضارة. ليس أمر الاحتفال برأس السنة الأمازيغية شأنا طارئا وحادثا عابرا ومجرد فضلة وزيادة في الاحتفالات وإضافة في العطل، وإنما هو ربط للماضي بالحاضر وإعادة الاعتبار لتقليد إيجابي عريق في بلادنا وفي كل شمال إفريقيا، يعود لقرون سحيقة بل لآلاف السنين، وهو التقليد الفلاحي الذي يكرم الإنسان والأرض والعيش المشترك ويحتفي بالحياة وتجدد الزرع وتدفق الخيرات، والأمل والتفاؤل بسنة فلاحية جديدة ملؤها العطاء والوفاء، حيث تجتمع الساكنة على تقاسم الطعام والشراب، وتبادل الفرح والتحايا والهدايا والمفاجآت السارة، وإظهار النشاط لبدء عام جديد من العمل وخدمة الأرض والتشبث بإصلاحها واستصلاحها، وحماية بيئة العيش والإنتاج والزرع والضرع، وتعزيز التضامن والتعاون ليكون العام عام خير ووفرة وتنوع في المنتوجات التي تحقق للساكنة اكتفاء ذاتيا وأمنا غذائيا. إن من أوجب الواجبات علينا استثمار هذا الحافز الرمزي والدرس الحضاري والتنموي للسنة الأمازيغية من أجل التعبئة الوطنية للتشبث بهذا الوطن المعطاء المتجذر في التاريخ والحضارة، والعمل على خدمة الأرض وتنميتها وعمارتها وتقاسم خيراتها كما تجسده احتفالات رأس السنة الأمازيغية على مر العصور عبر إخراج الطعام مما تنبته الأرض ومن حصاد السنة، والاجتماع عليه وتبادله بين الأسر، وكما يجسده في العصر والأوان الإقرار الملكي السامي بترسيم رأس السنة الأمازيغية يوم عطلة وعيد بربوع البلاد. إنها مناسبة عظيمة ليس فحسب لإظهار العراقة والأصالة والتضامن والتلاحم والتقاسم والاعتزاز بالوحدة الوطنية والهوية المغربية المتعددة الروافد والمتجذرة في هذه الأرض المباركة، بل لأمر آخر يهم مستقبلنا ومستقبل العيش المشترك على الأرض المغربية المعطاء، وهو الدرس البليغ لنا جميعا في احتفائنا بالسنة الأمازيغية في جوهرها ورسالتها لكل أبنائها في الحاضنة الإفريقية الشمالية، وهو إيلاء العناية القصوى للفلاحة والزراعة التي تخلد بها السنة الأمازيغية احتفالاتها وانتصاراتها منذ قرون وقرون، فالانتصار الحقيقي الذي تحمله هذه الاحتفالات من سنة إلى أخرى، في كل الرموز والطقوس المتداولة فيها، هو احترام الأرض وجعل بيئتها أكثر أمانا وأمنا وقدرة على التجدد وخلق الثروات والوفرة في الإنتاج، وخلق الفرح أيضا لكل ساكنتها، من خلال مواصلة زراعتها واستنبات الخيرات فيها، وتنميتها ورعايتها، وتوفي الطعام للجميع والأمن الغذائي للوطن. إن المغرب الفلاحي والزراعي معني باستثمار رمزية هذه السنة في التشبث بتعبئة كل الإمكانيات لتجسيد رسالة السنة الأمازيغية في الاحتفاء بإحياء الأرض وزرعها اخضرارا وسلاما، وتقاسم خيراتها، وتثمين الرصيد الفلاحي والزراعي الوطني وتنميته والحفاظ عليه كأولوية في تأمين مستقبلنا ومستقبل الأجيال القادمة. وما أحوجنا اليوم لأن نربط هذا المكتسب الثقافي والحضاري الأصيل المتمثل في الاحتفال برأس السنة الأمازيغية العريقة، بمكتسبات التنمية الوطنية وبنموذجها الجديد الذي جعل الرافعة الفلاحية والغذائية من مقومات السيادة الغذائية للبلاد، عبر تحسين المحاصيل الزراعية وضمان استدامة الإنتاج الفلاحي وتطويره لتغطية الحاجيات الوطنية المتزايدة، وتدبير مستجدات الندرة والخصاص في المياه، واستصلاح الأراضي وتعبئتها وزيادة رصيد الصالح منها للزراعة وتربية المواشي. إن مغربا أخضر بمسيرة خضراء سلمية مباركة وبسنة أمازيغية تحتفي بالأرض وبالخضرة والحياة الكريمة والعيش المشترك والأمن الغذائي الوفير، لن يكون إلا عامل استقرار وازدهار وإشعاع في منطقته ومحيطه الإقليمي والدولي، ومفخرة بين الشعوب والدول أساسها الاعتزاز بثقافة وطنية تزرع الفرح والجد والنشاط والأمن والأمان، وتربط الماضي بالحاضر من أجل مستقبل أكثر أمنا وعدلا واخضرارا وخيرا. وكل عام وأنتم بخير.