لم تنته بعد أزمة العصابة الحاكمة في الجزائر مع قمصان فريق كرة القدم المغربي نهضة بركان، فقد افتعلت الأزمة أصلا من أجل استدامة العداء لكل ما يمت إلى المغرب بصلة شعبا ودولة وتاريخا وأرضا وحضارة، فبهذه الاستدامة للعداء والكراهية وتوسيعهما ورعايتهما وتعهدهما بالتنمية والتنويع والتصعيد تتغذى العصابة وتقتات، ويطول عمرها ويزداد، ويتكرس حكمها الديكتاتوري الذي كادت تعصف به رياح الحراك الشعبي الجزائري لولا مانعين اثنين: أحدهما طبيعي قاهر هو تفشي وباء "كورونا" الذي استغلته العصابة أيما استغلال لإدخال المواطنين المحتجين إلى غرف نومهم لعام أو يزيد، فيما أدخلت البقية إلى السجون والمعتقلات ورمت غيرهم في الفيافي والمنافي، وشغلت الناس بالطوابير وأزمات الندرة في المواد الغذائية والاستهلاكية الأساس التي أقيمت لها من جهة الطوابير الممتدة على طول الأزقة والشوارع، ومن جهة أخرى، أقيمت المشانق والمسالخ والمحاكمات للتجار والعملاء والزبناء بتهم تجفيف الأسواق واحتكار السلع والتلاعب في المواد والأسعار… والمانع الثاني للحراك هو الذي اهتدت إليه العصابة واشتغلت عليه منذ اليوم الأول لتعيين نسختها الجديدة المتمثلة في الواجهتين العسكرية لشنقريحة والمدنية لتبون، ونقصد بذلك تطوير العداء الكلاسيكي ضد المغرب وإعادة تسخين وإشعال الجبهة الغربية للجزائر بافتعال أزمات وادعاء مؤامرات والتسويق لصورة عدو خارجي متربص بالسيادة الجزائرية، ومتمثل في المغرب، فأطلقت صفارات الإنذار وأبواق الإعلام وروجت الأكاذيب والتضليلات عن أحداث لم تقع وهجومات لم تتم انتهت كلها بالتمهيد لإعلان الحرب على المغرب واستنفار الجيش والشعب لمواجهة قوى غاشمة، ولا حاجة لنا لاستعراض شريط الأحداث المفبركة المتسارعة خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة، وحسبنا أن نقف على قطع العلاقات مع المغرب وإغلاق الأجواء والحدود من جانب واحد ومنع مرور الطائرات المغربية، واشتغلت حينها العصابة على تزييف وعي الشعب الجزائري بكثافة ما تلقيه إليه في منابر الإعلام والسياسة والمساجد والديبلوماسية من خطب حماسية وصور مشوهة وحقائق مزورة وتحليلات وتعليقات بائسة وموجهة للرأي العام الجزائري، بهدف التحكم في مشاعره الوطنية وكرامته وحقوقه وتوجيهها وتحويلها وتحريفها إلى الاتجاه الذي يخدم العصابة بدل أن يدينها ويسقطها عن آخرها كما كانت تصدح به شعارات وحناجر الشعب في حراكه: "يتنحاو كاع". نجحت العصابة بالفعل، وإلى حد الساعة، في توظيف مزاعم "السيادة المستهدفة" لتخوين كل معارض أو معترض أو مطالب أو منتقد، وكلما لم يجد الشعب أي أثر لاستهداف السيادة بالفعل وبالملموس وبالمعنى القانوني والدولي لعبارة "استهداف السيادة"، حولت ساحة الرياضة الجزائرية إلى ميدان معركة على هذه السيادة لعلمها بما تتمتع به الرياضة خصوصا كرة القدم من شعبية وجماهيرية، ولأن العصابة تخشى من الملاعب الكروية والتجمعات الجماهيرية والحشود المنفلتة، ولها تجربة مريرة في مكافحة شرارات الحراك المنبعثة من الميادين الكروية والمجمعات الرياضية، فإنها اختارت أن توجه الشرارات والعواطف والمشاعر والهتافات والشعارات في الملاعب لتفريغ شحنات السب والشتم في اتجاه معكوس، أي في اتجاه عدو خارجي مصنوع على مقاس العصابة، وغير بعيد عن الحدود وقريب من احتلال الأرض وآبار النفط والغاز وتركيع الشعب، فارتفعت لذلك الهتافات التحميسية والتعبوية والتجنيدية: لن نركع؟ السيادة خط أحمر؟ الشهداء… الشهداء… مما سهل على العصابة أن تدس السم في العسل بتعويض الإحماء الرياضي بالاستنفار الحربي، لتتم المناداة أخيرا: واشنقريحتاه… وهذا النداء هو مربط فرس العصابة في الربط بين الرياضة والسياسة والقميص والانتخابات… ولو لم يكن ثمة قميص لوجدت العصابة مبررا في جوارب أو أحذية العدو الرياضي، أو غير ذلك مما تربصت به منذ مدة، وفشلت خططها فيه لجر العدو المغربي إلى معركة ليست معركته، ولا هي ضمن تدبيره الحكيم والشرعي للنزاع المفتعل حول أقاليمه الصحراوية المسترجعة، ولا هذه المعركة في ميدانها الديبلوماسي الوحيد والشرعي، لبحث الحل التفاوضي السلمي النهائي الذي يرعاه المنتظم الأممي حصرا، وليس أي جهة كروية أو اقتصادية أو سياسية في العالم. العصابة اليوم وهي تتجه إلى التحكيم الرياضي الدولي في مواجهة القوانين واللوائح والقرارات التنظيمية والتحكيمية والانضباطية للكاف الوصي المؤسساتي على كرة القدم الإفريقية، وتمني شعبها بتحقيق نصر مؤزر في سويسرا، تعلم في قرارة نفسها أنها لن تكسب هذه المعركة غير المتكافئة في هذا الاستحقاق الرياضي بين الحق المغربي والإفريقي والدولي الأبلج وباطل معسكر العصابة المظلم والكاذب والغادر والخائن والمخادع، ولكنها تطيل من عمر الأزمة لتوظيفها في قمع الشعب الجزائري وتحريف نضالاته الحقوقية، وخلق جبهة داخلية وهمية متراصة وراء العصابة باسم حماية السيادة والهوية والعظمة والقوة الضاربة ودماء الشهداء وباسم المبادئ والمقدسات… والحال أن لا صلة بين قميص بركان والسيادة الجزائرية المفترى عليها والمزايد بها في هذا الخلاف والنزاع المفتعل. لو كانت العصابة فعلا متشربة للمبادئ والقيم التي تزعم الاستماتة في الدفاع عنها، ولو اقتضى الأمر أن يحاصر العالم بأسره الجزائر، لكفت نفسها هذه المهازل المتكررة منها، وهذا التمريغ الدائم لأنفها الكريه في التراب، بأن تعلن أن مبادئها لا تسمح لها لا بملاقاة ولا بمقابلة من تصفه بدولة الاحتلال بجوارها، وأنها لا تقبل أن تشارك في أي منتدى أو ملتقى أو تظاهرة رياضية أو سياسية أو اقتصادية أو ثقافية أو اجتماعية حتى لا تطبع مع هذا العدو، أو تركع وتخنع وتنبطح له كما تصف ذلك في خطابها، وينعكس عليها بالأزمات والصرع والسعار عند كل مشاهدة أو مقابلة لهذا العدو، مثلما وقع عند مشاهدة قمصان شباب بركان. ما على العصابة إذا، ووفق مبادئها المقدسة وسيادتها الربانية، وهيمنتها على الخلق، الدولة القارة الكونية الضاربة القوة، إلا أن تقاطع العالم بأسره وتنسحب منه، لسبب بسيط هو أن ما ثمة مكان ولا زمان ولا أرض ولا سماء إلا وهذا العدو المغربي يحتل فيه مقعده المستحق مع شركائه الدوليين، ممن تسميهم العصابة نفسها بالمتآمرين والمنبطحين، وممن تنعتهم في مؤسسات الكاف والفيفا وغدا في محكمة الطاس حينما يصدرون الأحكام الشرعية المدينة للعصابة، بكونهم كلهم مخترقين من العدو المغربي، ومختطفين من قوة هذا الاحتلال الذي ليس فريق نهضة بركان وواقعة قميصه إلا نموذجا مصغرا عنه. الانسحاب من هذا العالم وليس من مباراة رياضية، هو وحده الذي سيريح العصابة للتفرغ الكامل للشعب الجزائري والتنكيل بما تبقى للدولة الجزائرية الحرة والمستقلة والآمنة في حدودها وجوارها من مصداقية وموثوقية وخير ونعمة. واهِم من يعتقد أن واقعة قمصان بركان مجرد نازلة وحدث مفاجئ ومعزول يمكن تجاوزه وتخطيه، أو أنه صدفة أو خلاف طارئ لم يكن في الحسبان، بل هو مجرد تفصيل صغير من بين تفاصيل كبيرة وكثيرة لمخطط ترويض الشعب الجزائري قبل أي شعب آخر على الخنوع والخضوع للعصابة والتسبيح بحمدها وتسليمها زمام ومقاليد الدولة والثروة والسيادة بغير حساب، كما رأيناه وسمعناه في هذه الواقعة، من بلاطوهات واستوديوهات القنوات التلفزية الجزائرية ووسائل الإعلام الجزائرية بكل تلاوينها التي تحولت إلى بوق لتمجيد العسكر، وصناعة مظلمة مزعومة ظاهرها الرياضة والقمصان وباطنها السيادة والوجود والوجدان، ومن كل ما تشيب له الولدان… فإذا كان من الطبيعي ومن الأمور الحادثة في الشأن الرياضي الوطني أو الدولي أن يقع الخلاف والتنازع في تفاصيل منافسات رياضية على سبيل المثال، فإنه لهذه الطوارئ والعوارض والموانع، وضعت القوانين واللوائح التنظيمية، وأسندت لأجهزة تحكيمية مهمة السهر على تنفيذها وتنزيلها والاحتكام إليها، لضمان انضباط الجميع لها والثقة في ما تتخذه عبر آلياتها ولجنها من قرارات لا يسع أحد أن يخرقها أو يخل بها، وإلا عدنا إلى شريعة الغاب. وما حدث في واقعة قمصان بركان، إن كان أمره فعلا شبهة واشتباه في التمييز بين الخطأ والصواب، والحق والباطل، فإن الفيصل في البيان والحكم هو للقانون الذي يعلو فوق الجميع، وهو الذي تم سلوكه من قبل الجهة المنظمة والوصية على هذه التظاهرة الرياضية القارية، والتي حملت الاتحادية الكروية الجزائرية مسؤولية منع فريق نهضة بركان المغربي من اللعب بقمصانه الرياضية القانونية المرخصة، ولا شيء غيرها مما فرضته العصابة الحاكمة في الجزائر من قمصان مزورة يعاقب عليها القانون، وتخضع عند فرضها أو إقحامها في الميدان لمساءلة ومتابعة قانونية أمام المحاكم الرياضية والتجارية، ليس فحسب من قبل الجهة القارية المنظمة والمتمرد عليها، بل من قبل ذوي الحقوق والمتعاقدين والقنوات الناقلة والرعاة والمستشهرين الذين زورت علاماتهم الصناعية أو خسروا صفقاتهم التجارية والإشهارية وحقوقهم في الملكية والبث… الكلمة للقوانين المنظمة، وليس لقانون الغاب وشريعة الذباب الذي تجمع على حلوى العصابة فرحا بكل النتانة والقذارة التي أحاطت بها مباراة رياضية سلمية وحولتها عن أهدافها… فلو كان الأمر نزاعا في التنزيل والتأويل للقوانين، وتم الفصل فيه قانونيا بقرار اللجن المختصة، لما وسع الجميع، في حال حسن النية ووجود سوء تفاهم وفهم تم تبديده، إلا الانضباط له، لكن ما دام الأمر مخططا ونية سيئة مبيتة، ومحطة في مسلسل لا ينتهي لتصعيد العدوان ضد المغرب، بل أساسا ضد الشعب الجزائري من قبل عصابة تحكمه بالمؤامرات وبمشاريع الاستغفال والاستدراج وتشتيت الانتباه والتلاعب بالمشاعر الوطنية واستعراض العضلات والأسنان، فإن الانضباط للقانون في هذه الحالة هو بالنسبة للعصابة مساس بسيادتها وبحقها في الجرم والعدوان، وطعن في شرعيتها وعظمتها وقوتها الضاربة وقراراتها التي لا تُسأل عنها. اليوم تفتيش في قميص وغدا في حذاء أو نعل أو تبان وبعد غد في راية ونشيد مهربين، ولن تتوقف ذرائع العصابة لانتهاك القوانين. وفي هذه الحال فما على المجتمع الدولي، وعلى رأسه مؤسساته الرياضية الوصية، إلا أن يتوقف عن التفرج على تمدد التطاول على سيادة القانون الدولي بسيادات مزعومة عنصرية وإرهابية، تضرب في الصميم روح التعاون والتفاهم وجوهر المنافسات الرياضية النبيلة والسلمية، إذ لم تترك العصابة قانونا رياضيا إلا وعصفت به ومزقته ووضعت بدله عنترياتها ووحشياتها، ولم تذخر جهدا في سب وشتم ولعن المؤسسات الرياضية القارية والدولية والمسؤولين عنها، وتسويق أكاذيب للشعب الجزائري عن رشوة فلان من الحكام الكرويين، أو علان من المسؤولين الرياضيين قاريا ودوليا، بلا دليل ولا حجة ولا برهان. الاحتكام للقانون ولا شيء غير سيادة القانون وحُكم أجهزته المختصة بدءا بالمراقبين ولجن الانضباط وانتهاء بالمحكمة الرياضية الدولية، لتشديد العقوبة على هذه العصابة التي أفسدت وتفسد كل الأعراس الرياضية العربية والقارية والدولية… فالمغرب بوصفه شريكا حاضرا بل رائدا في هذه الاستحقاقات الرياضية، ليس مستعدا لأن يدفع دائما وحده ضريبة التمسك بالقانون، ورعاية آداب الضيافة والمعاملة، واحترام التزاماته الإنسانية والدولية، بل على جميع المعنيين بالشأن الرياضي الدولي تحمل ضريبة ترويض الغرائز العدوانية لهذه العصابة التي لا خلاق لها ولا عهد ولا ذمة ولا أمان، ووضع حد لتطاولها المتزايد على الشرعية الدولية في الرياضة أو في غيرها، واستقوائها بالإفلات الدائم من العقوبة.